بعد دخول روسيا بشكل رسمي… ما الذي تغير في سورية؟ / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي ( سورية ) الإثنين 9/11/2015 م …

*كاتب سياسي

بعد خمس سنوات من الحرب السورية دخلت روسيا بشكل رسمي الحرب عبر القصف الجوي لمواقع داعش، وباشر كل خصومها وخصوم الرئيس الأسد بالإنتقادات والتصريحات ضدها، وأتهموا موسكو بحماية النظام السوري، لكن التدخل الروسي الذي فتح معادلات جديدة إقليمياً ودولياً وضعتها موسكو في إطار دعم مؤسسات الدولة السورية والجيش السوري ومكافحة الإرهاب المتمدد في المنطقة في ظل عجز وفشل التحالف الذي أعلنته أمريكا قبل عام ولم يساهم في القضاء على التنظيمات التكفيرية بل في تناميها وإتساعها في المنطقة، والتساؤل الآن: ما الذي تغير في سورية منذ أن شنت روسيا حملتها ضد داعش؟ وهل سينتهي الأمر بالتفاهمات؟

في الواقع، إن محاولات واشنطن في الآونة الأخيرة  لفرض نفوذها على الأزمة السورية ولعب دور دبلوماسي فقدها مصداقيتها وخيبة أمل كبيرة، وبدا ذلك واضحاً بعد حضور وتدخل موسكو، التي طالما كانت حليفة للأسد لإجتماعات فيينا، بعد إصرار الروس على أن تكون إيران طرفاً في المحادثات حول مستقبل سورية والحل السياسي للأزمة السورية، ومهما يكن، فإن روسيا ومع إقترابها من زعامة العالم كقطب ثاني تريد أن ترسل رسالة واضحة إلى جميع الدول، بأنها لا تتخلى عن حلفائها في المنطقة بسهولة وتدافع عنهم بكل قوة، على عكس النموذج الأمريكي الذي سرعان ما يتخلى عن حليفه، وأن فكرة تخلي روسيا عن الرئيس الأسد غير صحيحة وليس هناك تباين في الموقف الإستراتيجي الروسي أو الإيراني حيال الأزمة السورية، خاصة وأن التدخل العسكري الروسي أصبح مباشراً في سورية لدعم الجيش السوري والحفاظ على مؤسسات الدولة، كما أن روسيا بحاجة لتواجد عسكري على الأرض وهو ما يتوفر عبر إيران وحزب الله بجانب الجيش السوري.

في سياق متصل إن التدخل العسكري الروسي في سورية بالتنسيق مع ايران، قلب المعادلة في سورية، فمنذ أن شنت روسيا حملتها الجوية ضد داعش والقوى المتطرفة إستطاع الجيش السوري إستعادة وإسترداد  بعض الأراضي والمناطق القابعة تحت سيطرة داعش، بإلاضافة الى تعزيز النظام في دمشق وإعطائه دفعة سياسية قوية تمكنه من المشاركة فى أي مفاوضات سلام قادمة، كما أشاع الكثير من أجواء التفاؤل بين شريحة كبيرة من السوريين لما ستتمخض عنه هذه الضربات على صعيد مئات الجبهات السورية الممتدة على مساحة هذا البلد،  بالإضافة الى دفع أمريكا وبعض الأطراف الإقليمية الفاعلة في المنطقة إلى السعى للتوصل لحل سلمي للأزمة  السورية لأنهم أدركوا بعدم قدرة حلفاؤهم من المسلحين داخل سورية على حسم المعركة لصالحهم بسبب الدعم العسكري الروسي الإيراني لدمشق، ولاشك ان مؤتمر فيينا وملحقاته بشأن الأزمة السورية هو محاولة جدية للتوصل للتسوية السلمية في سورية، في إطار ذلك ساهم التدخل العسكري الروسي فى تغيير مواقف الغرب الذى كان يطالب برحيل الأسد كشرط مسبق لأى مفاوضات سلام وكانت المستشارة الألمانية ميركل هي أول من طالب بضرورة إشراك الأسد في أي مفاوضات قادمة حول مستقبل سورية وقد حذا حذوها وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الذي أكد بأنه من الضرورى التحدث مع الرئيس الاسد كعنصر فاعل في هذه العملية، ووزير خارجية إسبانيا مانويل مارغايو أعلن أن الوقت حان لإجراء مفاوضات مع الحكومة السورية كي لا تستمر الحرب في التسبب بمآس إنسانية، ووزيرالخارجية النمساوي سباستيان كورتس طالب الغرب ضم الأسد وإيران وروسيا في محاربة داعش، فيما قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إن العملية الإنتقالية تعني مغادرة الأسد في وقت ما من العملية، لكن التغير الأهم جاء من واشنطن التي خففت من خطابها تجاه دمشق، فلم تعد تستخدم لهجة المطالبة برحيل فوري للأسد وإنما قبلت ببقائه فى السلطة خلال فترة إنتقالية تمهيداً لحل هذه الأزمة المعقدة.

مجمل هذه التطورات يمكن الإستنتاج بأن الإنخراط العسكري وحضور روسيا المكثّف في سورية قد يساعد على الإسراع في مسار الحل السياسي والتوصل إلى حلٍّ توافقي للأزمة، ومن هنا فإن جميع الأطراف مدعوة الى تقديم مبادرات أو بالأحرى تنازلات لتجنيب سورية وشعبها من الموت والقتال وتحول سورية الى أرض محروقة وتدمير بنيتها تدميراً شاملاً، فضلاً عن إشعال الحرب الطائفية والمذهبية التي تهدف الى إقامة دويلات طائفية متناحرة فيما بينها، لذلك لا بد لنا أن نسارع مجتمعين إلى وضع حد لخلافاتنا ونبلور مواقف موحدة من الأزمة ونفهم بأن العالم يستغل غياب وحدتنا ويتلاعب بنا، ويقدم عروض لا تصلح إطلاقاً لتسوية صراعات أدت إلى حروب تزداد وحشية واتساعاً.

وأخيراً يمكنني القول أن أمريكا تدرك جيداً أن هناك خطاً أحمر روسياً لا تمتلك روسيا سوى الدفاع عنه  بكل ما تملك، ذلك لأهميته ومصيريته بالنسبة لأمنها ومصالحها وهو الدفاع عن سورية، وقد كان للموقف الروسي من الأزمة السورية ولقدرة الجيش السوري على الصمود والتصدي للقوى المتطرفة دور كبير على المواجهة والثبات، وقد تكون دمشق هي المحطة المفصلية التي ستحسم هذا الصراع  الذي يمتد ويتسع لدول مختلفة، والذي على أساسه سيتحدد توازن العلاقات الدولية وخريطة المنطقة لسنوات قادمة.

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.