يا تجّار السياسة والدّين : ” ليس هذا لبنان الذي نريد!! ” / موسى عباس




موسى عبّاس ( لبنان ) – السبت 12/9/2020 م …

 
الأوّل من أيلول 1920 ، أوجد الإستعمار الغربي  كياناً جديد زرعه في خارطة العالم وفي زاوية المشرق العربي ليبقى باستمرار موطئ قدمٍ له نحو  قلب المشرق العربي وإلى داخل الشرق الآسيوي.
ذلك الكيان لم يكن موجوداً  في الأصل لا من حيث الجغرافيا  بأقسامها ولا من حيث التاريخ.
حتى ذلك التاريخ أعلاه كان جبل لبنان أو (لبنان الصغير)  الممتد جغرافياً حتى حدود مدينة صيدا على ساحل المتوسط  في الجنوب الغربي امتداداً حتى حدود مرجعيون في الجنوب الشرقي وكان يضم مدينة جزّين ، وحتى حدود الكورة  وزغرتا مع مدينة طرابلس شمالاً ويُجاور البقاع الشمالي وعكّار في الشمال الشرقي والهرمل وبعلبك وزحلة وشتورة في البقاع الأوسط من الشرق  تلك المنطقة التي كانت تتبع ولاية سوريّة  في زمن حكم السلطنة العثمانية كما كانت المناطق الجنوبية أو ما يُسمّى  جبل عامل يتبع ولاية عكّا أو ولاية صفد في فلسطين.
جبل لبنان الصغير الذي تقطنه غالبيتان مسلمين دروز ومسيحيين موارنة كان يخضع لنظام حكم (المتصرّفية)الذي أقرته الدولة العثمانية وعُملَ به من عام 1861 وحتى عام 1918 وذلك بعد المجازر التي وقعت بين “الدروز والموارنة” جعل هذا النظام جبل لبنان منفصلاً من الناحية الإدارية عن باقي بلاد الشام، تحت حكم متصرف أجنبي مسيحي عثماني غير  لبناني تعيّنُهُ الدولة العثمانية بموافقة الدول الأوروبيةالعظمى الست: “بريطانيا وفرنسا وبروسيا وروسيا والنمسا وإيطاليا” ،وقد استمر هذا النظام حتى نهاية الحرب العالمية الأولى واحتلال الحلفاء لدول المشرق العربي وطرد العثمانيين من بلاد الشام.
تقاسم الإنكليز والفرنسيّون المنطقة وتوزّعوا الأرباح فيما بينهم بناءً على ما كانوا توزّعوه في اتفاقية سايكس-بيكو 1916.
وبما أنّ  قسم من سكّان جبل لبنان من المسيحيين الموارنة  تسابقوا وبإيحاء من بعض المتفرنجين إلى الطلب من فرنسا الإنتداب على لبنان وطلبوا ضمّ المناطق التي لم تكن يوماً تابعة لمن يحكم جبل لبنان ” البقاع  وجبل عامل والشمال وبيروت ” إلى جغرافية جبل لبنان (لبنان الصغير) ، وهكذا تكوّن ما عُرف ب (لبنان الكبير ).
كرّس الإنتداب الفرنسي الطائفية والمذهبية في الدستور الذي لم يُماثِل الدستور الفرنسي وإنّما حقّق رغبات بعض الزعامات الطائفية ، ولم يكتفوا بذلك بُل تعمّدوا إبراز زعامات سياسية ودينية لم تكن يوماً تؤمن بالإنتماء الى الكيان الجديد موحّداً بل كانت موزّعة الإنتماءات بين الشرق والغرب،
تلك الشخصيّات كان همّها تثبيث زعاماتها وزيادة ثرواتها عبر شركات ومؤسسات ومدارس  وجامعات مشتركة مع الفرنسيين الذين حوّلوا الإقتصاد اللبناني الزراعي والصناعي الخفيف إلى إقتصاد خدماتي وإلى سوق استهلاكية للإنتاج الفرنسي، وغرسوا الثقافة الغربية (الفرنسيّة )في عقول الأجيال وساد المثل :
“كلّ شي فرنجي برنجي”.
وبدلاً من أن يتم القضاء على الفساد الذي كان قائماً في زمن التخلُّف العثماني، توطّد بفعل عقد الصفقات في جميع المشاريع المشتركة  والتي كانت أساس بناء المؤسسات التي قام عليها الكيان الجديد،
بدءاً من شركة الكهرباء ومؤسسة أوجيرو وبناء المطار والمرفأ وشركة الريجي للتبغ والتنباك ومصرف سوريا ولبنان وغيرهم الكثير  التي غلبت عليها السمسرات والرشاوى إن كان في عقود التأسيس أو في التوظيفات  والتعيينات في المؤسسات المدنية وكذلك الأمنية .
عشعش الفساد في جميع المفاصل الأساسية والفرعية للإدارة حتى البلديّات كبيرةً أو صغيرة أصبح سوس الفساد ينخرها منذ تاريخ التكوين المصطنع وحتى اليوم ، ولم تسلم أيّة مؤسسة بما فيها الجامعة اللبنانية والمستشفيات العامة والخاصّة من سرطان الفساد.
وتتجلى صورة الفساد والرشاوى بشكلٍ علني وواضح في الإنتخابات النيابية والرئاسية كما في تعيين الوزراء في الحكومات المتعاقبة .
وما حصل منذ 17 تشرين الأوًل 2019 وحتى اليوم  كرّس مبدأ هيمنة لصوصيّة غالبية  الزعامات السياسية والدينية والتجار وأصحاب المصارف  بما تمّ التعارف عليه تحت اسم “تجّار المال والدّم وحيتان السياسة والمال” ، هيمنتهم وتحكّمهم  واستكرادهم لعامة الشعب الذي يُقتل ويُسرق علناً ويتم  تحقيره  دون أيّ رادع لا أخلاقي ولا قانوني.
 والمصيبة في أنّ هذا الشعب المنهوب علناً  والذي يعيش في غالبيته العظمى تحت خطّ الفقر  ويتلقى الصفعات المؤلمة  وتُداس كرامته يوميّاً ويعلم تمام العلم أنّ زعيمه وعائلته وحاشيته هم جزء فعّال من منظومة الفساد التي يشاركهم فيها بعض رجال دين  يتبادلون معهم المنافع ،ذلك الشعب هو الذي يتحمّل المسؤولية الأكبر لأنه يدافع عن تلك الزعامات ومستعد للتضحية بنفسه لأجلها في ظاهرة منفرِدة وغريبة:
  “المقتول يُدافع عن قاتله” .
 والأسوأ أنّ القضاء الذي من المفترض أن يكون السلطة المستقلّة عن جميع السلطات بات خاضعاً علناً لرغبات السياسيين الذين يتقاسمون تعيين القُضاة محاصصة طائفية ومذهبية وبناء على الإنتماء السياسي للمُرشّح لتولّي منصب القضاء ، واذا ما تبيّن وجود قاضٍ يحاول الإستقلال عن سلطة السياسيين وتثبيت الحقّ  يُجبَر على الإعتزال ويتمّ التنديد به.
حتى الذين طهّروا بدمائهم تراب البلاد وارتقوا شهداء  ليعيدوا الكرامة ويحموا الأرض والعرض من رجس الصهاينة والتكفيريين يتمّ التآمر عليهم والتحريض والتواطؤ مع الصهاينة والأمريكيين ضدّهم رغبةً في التخلّص منهم.
لذا نقول وبالفم الملآن :
أيّتها المرجعيّات السياسية والدينية 
“لكم لبنانكم لبنان الفساد والرشاوى والتخريب والعمالة والعُهر السياسي والأخلاقي المُتمثّل والمتغلغل في جميع الطوائف والأحزاب .
ولنا لبناننا، 
لبنان الشرفاء المقاومين، وكلّ مواطن شريف لا طائفي ولا مذهبي ، غير تابعٍ ، الذي يسعى للبنان الكيان الخالي من الفساد ، للبنان الدولة المدنية القائمة على حق المواطنة وليس حقّ الطائفة والمذهب والإنتماء السياسي لذاك الحزب أو ذاك الزعيم ، لبنان القضاء العادل والنزيه الذي لا يخضع لا لرغبة الداخل ولا يهاب سطوة الخارج .
نريد لبنان الذي لا يستغل فيه المسؤول من أعلى سلطة إلى أدناها موقعه ليقتنص فرصة وجوده في المركز للإثراء غير المشروع وللتحكّم بحياة الناس وبأرزاقهم.
نريد لبنان حيث المواطن هو المرجعية الحقيقية وليس المُزيّفة ، المواطن الذي يدافع عن بلده وعن الحقّ ليس بسبب إنتمائه المذهبي وإنّما لأنّه يرفض  الإحتلال والظلم والطغيان ،المواطن الذي يأبى الحياد بين الحقّ والباطل، والذي لا يبيع كرامته كرمى لعيون أحد مهما علا شأنه .
 ولا بُدّ أن يأت اليوم الذي فيه ينتصرُ الحق ويزهق الباطل.
“إنّ الباطل كان زهوقاً”.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.