حتى لو أحرق الجميع أنفسهم..!! / حسين الرواشده
حسين الرواشده ( الأردن ) الإثنين 9/11/2015 م …
فيما مضى كان يكفي ان نسمع عن حادثة انتحار واحدة، حتى نشعر بالصدمة ونتحرك على الفور لدراستها ومعرفة اسبابها، الان اصبحت اخبار الانتحار تثير بعض فضولنا الاعلامية لكنها تبدو مألوفة تماما.
امس الاول شهدنا ثلاث حالات ، واحدة لرجل احرق نفسه في الشارع، واثنتان لفتاتين سقطتا من فوق احدى العمارات السكنية جنوب شرق عمان ، قبل ذلك ايضا شهدنا ارتفاعا ملفتا لاعداد حوادث الانتحار هذا العام(معدلها سنويا يتجاوز 400 حادثة منها نحو 100 شخص انتحروا العام الماضي)، المشكلة اننا نكتفي في الغالب بالمعالجات الامنية ورأي الطب الشرعي ، ثم نطوي الملف وكأن شيئا لم يحصل.،حتى اصبح كل الذين “احرقوا” انفسهم او انتحروا بوسائل اخرى (مع الاسف) مجرد “قصص” اخبارية تمر في وسائل الإعلام ثم تصطدم “بذاكرة” شعبية متعبة.
المؤسف ايضا انه رغم تصاعد أعداد “المنتحرين” وقفنا عاجزين أو – غير مبالين – من خطورة تحولها الى “ظاهرة” او الى “نماذج” ملهمة لآخرين ضاقت بهم دروب الحياة فآثروا عليها “راحة” الموت، لكن من المفارقات أن “لواقطنا” السياسية والاجتماعية التي تعاملت بمنطق الاستهانة ( وكأنها خارج التغطية ) مع صرخات الناس ومطالبهم واحتجاجاتهم ، هي ذاتها التي تتعامل مع “الانتحار”، كصرخة احتجاج أخيرة بالمنطق نفسه،وكأنه لا علاقة لها بما يحدث في المجتمع ، حتى لو احرق الجميع انفسهم ، مما يعني ان دفع الناس الى الاحتجاج بأية صورة، اصبح جزءا مقبولاً في “لعبة” الصراع على الامتيازات ورفض “الخروج” من الواقع القائم الى واقع جديد، يتيح للناس استنشاق الحرية والعدالة.. ويمنحهم بعض “الأمل” بحياة كريمة يحرصون عليها بدل ان “يخرجوا” منها بلا أسف.
الإنسان – مهما كانت ظروفه – حريص على الحياة ومتمسك بها، ولا يمكن ان يفكر بـ”الخلاص” منها إلا إذا انسدت أمامه ابوابها، وادركه اليأس من الاستمرار أو العيش فيها بكرامة، وواجب المجتمع والدولة لا يقتصر – فقط – على حماية الإنسان من “الغير” إنما حمايته من نفسه، ولذلك فإن حق الحياة – بما يلزمه من ضرورات – هو حق مقدس لا يجوز المس به أو التقصير فيه.. كما لا يجوز التنازل عنه ايضاً.
طبعا لا يمكن لأحد أن يقبل “الانتحار” أو ان يبرره ويدعو اليه، هذه مسألة محسومة دينياً وانسانياً، لكن لا يجوز لأحد – ايضاً – ان يقفز فوق الأسباب التي دفعت البعض الى الإقدام على الانتحار، كما لا يجوز ان ينشغل البعض بـ “التدخل” في شؤون الآخرة وتحديد مصير من يقدم على ذلك، واذا كان من المؤسف أننا غالبا ما نتوجه نحو ادانة هذا الفعل المنكر فإن الأجدى ان نسأل: لماذا ينتحر هؤلاء؟ ومن هو الذي “قصر” نحوهم وزيّن لهم هذا المخرج؟ ولماذا يستعجلون الموت ؟ أليست صرخة “الانتحار” هي اقصى صرخة احتجاج يمكن ان نسمعها في مجتمعنا؟
ان اسئلة مثل: لماذا يضطر شبابنا وفتياتنا الى اختيار الموت بهذه الطريقة البشعة ، ومن هو المسؤول عن ذلك ، ولماذا تصم مراصدنا الاجتماعية آذانها عن قراءة وتحليل ما يحدث في مهاداتنا هذه ، وما هو دور خطابنا الديني في تفعيل قيم الايمان لدى الناشئة ، وهل الفقر والعوز وغيرهما من مشاكلنا الاقتصادية هي وحدها المسؤول ام ان ثمة اسبابا اخرى تقف وراء ذلك..؟،
ان هذه الاسئلة وغيرها مشروعة تماما ، ولكنها – رغم ان اجاباتها لا تزال معلقة – تضيف الى المشكلة ابعادا اخرى لا نستطيع ان نطرحها ( لا تسأل لماذا؟) ، ولهذا فبوسعنا ان نقول بصراحة واختصار ان بلادنا – ومهاداتنا الاجتماعية خاصة – تمر بتحولات قيمية لا بد ان ترصد وتقرأ ، وان شبابنا – ومعظمهم ضحايا – يعانون من ازمات مضطردة ، وان ملفات كثيرة تتعلق بالفقر والامان الاجتماعي و التعليم و الشباب وما تعرضت له مؤسسة الاسرة من اصابات بالغة ، لا تزال مغلقة، او تعالج بسطحية ، الامر الذي يدعو الى فتحها من اوسع الابواب.. ومواجهة ما يدخل منها علينا من مشكلات بحكمة واقتدار، بعيدا عن استغلال الاعلام الرخيص ونبش اسرار البيوت المستورة وفذلكات الذين ما زالوا يصرون على اننا “تمام يا افندم”.
التعليقات مغلقة.