هل ستبقى ضريبة الدم حِكراً على الفقراء / د. طلال طلب الشرفات
خدمة العلم هي سلوك وطني قويم وانتفاضة أخلاقية لتصويب الخلل في منظومة القيم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بل هي ضريبة تدفع نبلاً في أوقات التحرير والتشغيل. وهي ليست مِنّة تذكر بالقصص والروايات وقصائد الشعر، وإنَّما واجب بسيط تجاه الدولة والانتماء والتراب والهوية، وخدمة العلم صناعة متقنة لبناء الذات على أسس وطنية وضوابط قيميّة في الرصانة والالتزام، وتقدير الموقف والصبر، وتقدير مضامين الخدمة العامة، ومنطلقات البناء الوطني، وتقدم للوطن جيلاً مؤهلاً للولوج إلى المستقبل المشرق في التحدي والعطاء.
الدوافع الاقتصادية لا تكفي وحدها لتبرير تفعيل العمل بقانون خدمة العلم، والدراسات الاقتصادية والوطنية التي تقدم خيارات قد تكون متسرعة وتثير حفيظة الكثير من الفئات المستهدفة في ضوء المعلومات الأولية المسربة عن الفئات المستثناة من تطبيق أحكام القانون. والأهم من ذلك أن مبررات تفعيل خدمة العلم يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع متطلبات التربية الوطنية وترسيخ قيم الولاء والانتماء؛ وتلك لا يمكن أن تتأتّى بحصر تطبيق أحكام القانون على الفقراء والمعوزين، بل أن التلاقح الاجتماعي والثقافي بين الأثرياء والفقراء والمتعلمين وغيرهم وما نتج عنه من تمازج إيجابي وترسيخ لقيم العيش المشترك هي إحدى النتائج الإيجابية لتطبيق القانون في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
على الحكومة أن تعيد النظر في فلسفة خدمة العلم التي تنوي تطبيقها، بل عليها أن تمشي الهوينا عندما تنوي تحديد الفئات المستثناة في وقت اتسعت فيه الهوّة الطبقية بين الأغنياء والفقراء، بل ربما أصبح أبناء الأغنياء أكثر حاجة لتطبيق قانون خدمة العلم في ضوء هذا الانفلات القيمي الذي نلحظه في السنوات الأخيرة والشطط السلوكي الناجم عن التقاء الإشباع والفراغ في الفئة ذاتها. ولعل خلو هذه الدراسة من توصيات علماء النفس والاجتماع ستؤدي إلى نتائج مرعبة من تنامي الهوة الطبقية وانفلات خطاب المواطنة من ضوابط العيش المشترك.
تقسيم الفئات المشمولة بقانون خدمة العلم ينبغي أن يستند إلى أسس عمرية أو اختيارية، أمّا عندما تكون إلزامية، فقواعد المساواة التي رسَّخها الدستور وأكّد عليها ومن الواجب أن تكون حاضرة في أي قرار قد تتخذه الحكومة بهذا الشأن أو غيره، لأن فلسفة خدمة العلم تقوم على فكرة ضريبة الدم من خلال التأهيل العسكري والحرفي أحياناً، وغياب التفرد في التفسير وانتهاج أساليب عادلة في الاختيار والتقسيم وعدم الانجرار وراء الهاجس الاقتصادي وضغوط البطالة فقط، والتي لا تكفي وحدها لاتخاذ قراراً بهذا الحجم من المسؤولية الوطنية.
جميل هو حرص الحكومة على تخفيف عبء البطالة والتخفيف على الفقراء شظف العيش، ولكن يجب أن يكون هذا الحرص مغلَّفاً بمضامين قواعد التوحد الوطني وسبل العيش المشترك، وخدمة العلم التي شكلت على الدوام مَعين الرجولة الوطنية لعقود خلت وأضافت إلى الكينونة مزيج العرق والدم ومداد القلم حتى أضحت قلعة الكرك تنتصر غير ذي مرَّة لأوجاع أم قيس ويعانق الحداء في صحراء الوطن أفراح البلقاء وحسبان والعيص وتل إربد. وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء..!
التعليقات مغلقة.