هل يفعلها بوتين …فيدخل التاريخ من أوسع أبوابه؟ / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي* ( سوؤية ) الأربعاء 11/11/2015 م …

*مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق

ما أن أعلن البرلمان الروسي “الدوما” موافقته على التدخل العسكري في سورية حتى شنت الطائرات الحربية الروسية ضرباتها العسكرية على مواقع محددة لداعش في الأراضي السورية، لذلك ليس مفاجئاَ أن تشعر أمريكا وحلفاؤها العرب الذين يراهنون على سقوط النظام السوري بالقلق والإكتئاب من جراء الأخبار والتقارير الميدانية التي تتحدث عن مشاركة قوات ومدرعات روسية في القتال الى جانب الجيش العربي السوري ضد داعش والقوى المتطرفة الأخرى، فالسؤال الذي يشغل الكثيرين هو: هل تستطيع روسيا أن تنهي داعش؟ وهل ستقبل واشنطن وحلفاؤها بأن تفرض روسيا معادلة توازن إقليمي جديدة  لا تنسجم مع مصالحها في المنطقة؟.

في الواقع، على مدى عام كامل لم يستطع التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا لا القضاء على داعش ولا إسقاط الرئيس الأسد،  فضلاً عن الإنقسام الغربي حول الحرب التي تخوضها روسيا في سورية التي تراها حرباً شرعية هدفها القضاء على الإرهاب في منابعه بدلاً من الإنتظار لتلقي ضرباته داخل روسيا، لذلك أستطاع القصف الروسي تحقيق ما لم تستطع تحقيقه أمريكا، ليتبين أن الهدف الحقيقي لواشنطن وحلفائها لم يكن محاربة الإرهاب، بقدر ما كانوا يعملون على تغطيته ودعمه ومساندته وتوجيهه لرسم خرائط التقسيم في سورية من خلال أدواتها في المنطقة،  في إطار ذلك ندرك ان أمريكا فشلت في إدارة الملف السوري بما يتوافق مع رغباتها في المنطقة بعد التدخل الروسي،  ومن الواضح أن الادارة الامريكية وحلفاءها يرون انه لا يمكن الوصول الى اي حل في سورية طالما بقي الاسد ونظامه على رأس السلطة، فبقاء النظام السوري يعني ساحة اخرى تنشط فيها التحالفات المعادية للمصالح الغربية والأمريكية، وهنا تدرك وترى أمريكا بوضوح مخالب الدب الروسي في سورية، وإستعداد موسكو للدفاع عن الأسد باعتباره الحليف االأساسي لها في المنطقة .

اليوم تدفع روسيا بسلاحها البحري والجوي نحو سواحل سورية، مما ينبئ بمرحلة ثانية من التدخل العسكري الروسي في مواجهته تنظيم داعش وتقليص نفوذ الدول الغربية في المنطقة، وكان الرئيس الروسي بوتين قد تحدث عن تدخل عسكري قد يمتد الى أربعة أشهر للقضاء على تنظيم داعش أو تحجيم دوره نهائياً في سورية، وتتلخص المرحلة الأولى في قصف قوي للمقاتلات الروسية لمعظم البنية التحتية لتنظيم داعش وتفكيك التواصل بين المناطق الذي يسيطر عليها التنظيم، ومن ثم المرحلة الثانية بإستعمال الطائرات المروحية من سفن حربية ومنها “فيتسي أدميرال كولاكوف” بتوجيه ضربات دقيقة عن قرب، وبعد ذلك التمشيط الجوي لداعش يرافقها تدخل قوات كوماندوس لتنفيذ عمليات مثل الإغتيالات االإنتقائية لزعماءه وضرب أهداف يصعب على الطيران رصدها، ومن ثم تنفيذ المرحلة الثالثة التي قد تبدأ في الأسابيع القادمة وذلك بتقدم قوات برية للتمشيط بشكل أكبر وأوسع ضد داعش والقوى المتطرفة الأخرى.

في سياق متصل إن الاعلان عن تشكيل مركز تنسيق إستخباراتي مشترك بين العراق وروسيا وايران وسورية، كان له دور وأثر مهم في زيادة زخم العمليات العسكرية ضد داعش، وجعلها أكثر دقة وتركيزاً لتلحق أكبر قدر من الخسائر بداعش، فكانت النتائج الأولية مدهشة ولصالح روسيا ومحور المقاومة حتى الآن، لذلك فإن الإستفادة من الإمكانيات والقدرات الروسية الى جانب القدرات الإيرانية في مواجهة تنظيم داعش ستكون له إنعكاسات إيجابية ملموسة في المنطقة، ومن هنا يمكن القول بأن الدخول الروسي القوي والفاعل على خط الأزمة السورية أسهم في تعديل موازين القوى لصالح النظام السوري وحلفاؤه، هذا ما اقلق أمريكا وحلفاؤها الدوليين والإقليميين بشكل كبير، وقد إتضح ذلك من خلال المواقف السياسية والحملات الاعلامية المعادية لموسكو، لذلك من الصعب على أمريكا ان ترضى بوجود روسيا كلاعب رئيسي أخر في الإقليم  تكون فاعلاً ومؤثراً الى جانبها، لأن موسكو ستنافسها على الهيمنة والنفوذ وستفضح أساليبها المزدوجة والخاطئة التي إتبعتها في المنطقة.

مجمل هذه التطورات يمكن الإستنتاج بأن هناك رؤية إستراتيجية موجودة في كل الأوساط الروسية وعلى أعلى المستويات مفادها أن سورية القوية يمكن ان تسهم في عودة الإستقرار مرة أخرى الى منطقة الشرق الأوسط المضطربة،  كما أن هناك رؤية إستراتيجية ثابتة وهي دعم سورية في كل الأوقات بغض النظر عن الذي يوجد في السلطة، في إطار ذلك هناك تغيير كبير حاصل الآن على المسرح الدولي بما فيه من تراجع ثقل وتأثير واشنطن وتقدم موسكو وعودتها بكل زخم وقوة لمقارعة واشنطن، وبالتالي فإن الصراع الروسي الأمريكي على سورية سوف يؤسس واقعاً جديداً يهيئ أرضية لحقائق ومعطيات جديدة على الأرض يرسم طبيعة العلاقات في الشرق الأوسط، وبإختصار شديد عن دخول قوة عظمى مثل روسيا بشكل عسكري مباشر سيخلط الأوراق وسيغير المعادلة كلياً في المنطقة .

[email protected]

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.