من كويرس إلى الحاضر .. كيف تقرأ عمليات ريف حلب على طاولة السياسية

 

الأردن العربي – محمود عبد اللطيف ( الثلاثاء ) 10/11/2015 م …

بعد أن سيطر الجيش العربي السوري على قرية الشيخ أحمد، تركز العمليات العسكرية في ريف حلب الشرقي على إسقاط الطوق الذي يفرضه تنظيم داعش على مطار كويرس العسكري منذ نحو ثلاثة سنوات، وفي الحدث بعدين على المستوى الاستراتيجي، الأول يتمثل باستعادة الجيش السوري لقاعدة عسكرية هامة في منطقة عميقة من الريف الشرقي لحلب، الأمر الذي يفتح احتمال عودة الزخم العسكري إلى تلك المنطقة والذهاب نحو معاقل داعش الأساسية في المنطقة، كالباب ومنبج ما سيغير ملامح المواجهة في المنطقة لأهميتها بالوصول إلى الحدود وقطع الطريق على مشاريع المناطق العازلة أو فرض التقسيم بفعل الأمر الواقع، إضافة إلى تغيير قواعد الاشتباك مع تنظيم داعش، إذ حاول التنظيم عبر مراحل سابقة إلى وصل المناطق الشمالية من سوريا بمناطقها الشرقية ليقيم خلافته المزعومة، أما البعد الاستراتيجي الثاني لاستعادة المطار كقاعدة عملياتية فاعلة في العمل العسكري السوري في مناطق الشمال، فيتمثل من خلال تحويل المطار لمنطلق عمليات برية نحو رسم قوس “شرق حلب”، الذي سيعزل الميليشيات المسلحة داخل المدينة عن الحدود من تلك الجهة، وبالنظر إلى خارطة المواجهة في ريف حلب الجنوبي، مع وجود فاعل للجيش في الريف الشمالي والشمالي الغربي لحلب، يفهم أن المرحلة الثانية من “أم المعارك”، ستكون بوصل الأقواس وفرض طوق عسكري على مدينة حلب، للانتقال إلى عمليات داخل أحياءها المحتلة من قبل الميليشيات.

في إسقاط الطوق عن مطار كويرس، أبعاد سياسية عميقة سيكون لها صداها على الملف السياسي الذي يشتغل من خلال الحوارات الداخلية السورية، والنقاشات الدولية على هندسة شكل الحل، فناتج الاشتباك الميداني هو ما سيصرف على طاولة العملية السياسية، بغض النظر عن البعبعة الأمريكية أو الخليجية فيما يخص شكل الحل، فالجميع يدرك ألا إجراءات سياسية فاعلة يمكن أن تقام في سوريا، من دون القضاء على الإرهاب، وكنتيجة طبيعية للاتفاق الضمني على هذه النقطة بين كل الأطراف، سيكون لكويرس الأثر الكبير في عمليات النقاشات السياسية، وذلك لأن المحور الأمريكي يحاول إظهار الدولة السورية على إنها دولة ضعيفة ومنهكة القوة عسكريا، ومن خلال الإعلانات الأمريكية المستمرة عن الزج بقوات أمريكية برية في سوريا، يبدو من الواضح إن واشنطن لم تعد تملك إلا خيارات التعقيد السياسي من خلال أحداث ميدانية في سوريا، ولعل حالة الاشتباك مع داعش إعلاميا كانت في مراحلة ماضية ليست لصالح الدولة السورية، إلا أن كويرس، مضاف إليه صمود مطار دير الزور العسكري، وعدم قدرة التنظيم على اقتحام مدينة الحسكة مرات متعددة، مع فشله الأخير في قطع الطريق الواصلة بين حلب ودمشق عبر منطقة خناصر، جملة من التفاصيل التي تؤكد سقوط إسطورة “التنظيم” في سوريا، وهذا لا يعني إن داعش دخل عمليا في مرحلة الانهيار، فالتنظيم الذي اشتغل عليه عبر سنوات مضت من خلال تلاقي جهود مخابرات دولية وفق ما تؤكد تسريبات موقع ويكليكس مع اعترفات وزير الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون وما سربه العميل السابق للمخابرات الأمريكية إدوارد سنودن، يتضح إن القول بأن داعش مجموعة من “الهمج” وفق التعبيرات السورية الشعبية، مسألة خارجة عن إطار الصواب، فالتنظيم يديره مجموعة من العقول العسكرية والمخابراتية العارفة لطبيعة المواجهة، والمدركة لمناطق قوة الجيش السوري والخواصر الرخوة له، والاعتراف بهذا يؤدي إلى أن الدولة السورية ليست ضعيفة، ولم تدخل يوما في مرحلة الضعف المفضي إلى انهيار بنية الدولة الأساسية، والميدان السوري بما يحمله من تطورات في أرياف حلب “الشرقي و الجنوبي”، تؤكد على إن ثمة تغير واضحة في استراتيجية الخيار العسكري السوري.

عملياتيا، تفيد المعلومات بأن الجيش السوري شكل من قرية الشيخ أحمد التي استعاد السيطرة عليها صباح اليوم الاثنين، منطلقا لعملية اقتحام قرية كويرس التي تبعد مسافة لا تزيد عن 1 كم عن أسوار مطار كويرس، وتفيد المعلومات إن مجموعات التنظيم باتت بين فكي كماشة من نيران الجيش السوري، بعد تنسيق بين القوات البرية المهاجمة للقرية، وحامية المطار نفسه على استهداف التنظيم من جهتين، ومع ارتفاع وتيرة العمليات الجوية، يصبح الطوق المفروض على مطار كويرس من قبل مجموعات داعش بحكم الساقط، والساعات القليلة القادمة ستكفي كي يكون ثمة اتصال جغرافي بين المناطق المحررة حديثا، والمطار، الأمر الذي تلمس أهميته للتنظيم من خلال ما تنشره الصفحات الموالية له، فالخوف الأكبر من فقدان المطار بالنسبة لعناصر داعش هو انقطاع طريق “حلب – الرقة”، مع قرب الاستهداف لمدن “الباب – منبج”، وغيرها من مناطق الريف الشرقي لحلب، الأمر الذي دفع إلى إطلاق نداءات لإغاثة مجموعات التنظيم الواقعة تحت نيران الجيش السوري في محيط كويرس، وإطلاق جملة من الاتهامات والتبريرات للفشل الكبير للتنظيم في خرق المطار خلال مدة حصاره، أو إنقاذ مقاتلي التنظيم من مصيرهم المحتوم في استمرارية معارك محيط المطار دون تحقيق صد الهجوم أو الدخول إلى المطار.

أما في الريف الجنوبي من حلب، فقد تمكنت القوات السورية من الوصول إلى مشارف قرية الحاضر، بعد التمكن من السيطرة على عدد كبير من النقاط المحيطة بها، ومع استمرارية الضربات المدفعية والصاروخية على مواقع الميليشيات المسلحة المنتمية أو الموالية لتنظيم جبهة النصرة، تصبح البلدة بحكم الساقطة أيضاً، خاصة وإن العمليات الجوية السورية استهدفت بشكل كثيف محاولات الإمداد القادمة إلى الحاضر من بلدات العيس أو الزربة أو من عمق ريف إدلب الشرقي والجنوبي الشرقي، الأمر الذي انعكس معنويا على الميليشيات المتواجدة في البلدة، وبدأت بيانات التخوين والتخاذل تظهر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الاعترافات بالخسائر الكبرى للميليشيات هناك، وخسارة هذه البلدة بالنسبة للنصرة، ستكون فاتحة لمعارك كبيرة أخرى سيكون دخول الميليشيات فيها مكلف من الناحية البشرية والتسليحية، فالعيس والزربة أهداف سهلة من الناحية النظرية نظرا لزخم العمل السوري العسكري في المنطقة، وعين القيادة السورية على الطريق الواصل بين “حلب – دمشق” كهدف أولي، إلا أن رسم قوس من جنوب حلب إلى غربها في مرحلة أولى، والاقتراب من “الفوعة وكفريا” المحاصرتين من قبل الميليشيات بمسافة لا تزيد عن 17، مع الوصول إلى نقاط قريبة يمكن للمدفعية والصواريخ المتوسطة المدى من استهداف سراقب المعقل الهام للنصرة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، كلها مسائل تدخل في حسابات مشغلي الميليشيات المسلحة في سوريا، وتفضي إلى تبدل في طبيعة المواجهة في الشمال عموماً.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.