عشية التكليف / د. أنيس الخصاونة




د.انيس الخصاونة ( الأردن ) – الأحد 4/10/2020 م …
* المقال عن الأردن …

تنشغل الغالبية العظمى من الأردنيين المستخدمين لوسائط التواصل الاجتماعي بالتكهن بشخصيات وأسماء رئيس الحكومة القادم وفريقه الوزاري.وفي الوقت الذي نتفهم أسباب الإثارة والحماس الذي يبديه هؤلاء المواطنيين والمهتمين بالشأن الوطني فإننا بتنا متيقنين بأن لا أسباب سياسية حقيقية وراء هذا الاهتمام ما دام أن جل الاردنيين باتوا متأكدين أن أن رئيس الوزراء والوزراء يتم اختيارهم على أسس اجتماعية وإدارية وعشائرية وأن السياسة ربما ليست عاملا حاسما أو مهما في هذا الاختيار.
رئيس الوزراء في الاردن لا يمارس السياسة بقدر ما يمارس الإدارة العامة، والدليل على ذلك خروج موقع وزير الخارجية من قائمة اختيارات رئيس الحكومة المكلف مما يجعل انخراط رئيس الحكومة والحكوة بكاملها في رسم ومتابعة السياسة الخارجية معدوما ولا يتجاوز دور تعيين السفراء والقضايا الشكلية والبروتوكولية.
وإذا كان رئيس الوزراء لا يمارس دورا سياسيا يليق بمن يفترض فيه توليه للولاية العامة حسب منطوق الدستور ،فإنه ايضا لا يمارس وضع سياسات حقيقية ومستقرة للبلد في مجالات الصحة والتعليم والضرائب والخدمة الاجتماعية والتشغيل…الخ.
دور رئيس الوزراء وفريقه الوزاري يكاد أن يكون الأقرب لدور رئيس البلدية الذي يتعامل مع المشكلات حسب ظهورها ودون منهجية منظمة وواضحة لإدارة القضايا الوطنية والمشكلات المزمنة متل البطالة والفقر والجريمة والتهريب والصحة وغيرها.
كتب التكليف السامي التي توجه لمعظم رؤساء الحكومات متشابهة وهي بحد ذاتها لا تمثل سياسات بقدر ما تمثل رسائل مجتمعية تظهر اهتمام القيادة العليا بأمور الناس وعذاباتها وأمانيها وطموحاتها المستقبلية.ضمن هذا السياق يكاد لا يخلو خطاب تكليف ملكي للحكومة من ضرورة التعامل مع البطالة والفقر والطبقة المتوسطة والتعليم والجامعات فهل مجرد التوجيه لهذه الامور يعتبر سياسة أم أن وسائل وآليات الحكومة لتحقيق هذه الاهداف هي التي تمثل السياسات العامة!
رئيس الحكومة وفريقة الوزاري يؤدون أدوارا أقرب ما تكون إلى أدوار البلديات والهيئات المحلية وهي على الاغلب أدوار خدماتية كثيرا ما تفشل الحكومات في تحقيقها في الوقت الذي يسجل فيها بعض رؤساء البلديات ومجالسهم المحلية نجاحات ملفتة.وهنا يبز السؤال لماذا هذه الجلبة والحماس الزائد حول معرفة شخص رئيس الحكومة وأعضاء حكومته “الرشيدة”؟ والسؤال الأكثر أهمية هو ما الفرق بين حكومة الملقي والنسور والرزاز ومن سيأتي اليوم أو غدا ما دام رؤساء الحكومات لا يمارسون أدوارا سياسية حقيقية ولايضعون سياسات فعلية للمجتمع؟
نعتقد بأن الاثارة التي تحيط باختيار رؤساء الحكومات والوزراء لا تعدو أن تكون تعبير عن اهتمامات بالمزايا والمكاسب والألقاب والزعامات والبريستيج العشائري والاجتماعي ،وهي مشابهة من حيث المنطلقات لذلك الاهتمام بالانتخابات النيابية والترشح لها ،حيث تشعر من خلالها أن الاردنيين يكررون أخطائهم كل مرة رغم أنهم يصبون جامة غضبهم على هذه المجالس النيابية .
وفي هذا الوقت وعشية انتظارنا لتكليف رئيس وزراء قادم فإننا بتنا جازمين بأن الأوضاع لن تتغير وأن رئيس الوزراء القادم ووزراءه الغر الميامين لن يغيروا كثيرا في مستويات البطالة العالية ،ولن يخفضوا مستويات الفقر كما أنهم ربما سيرفعوا المديونية بنسبة أكبر مما زادها الرزاز وحكومته.
أنا متأكد تماما بأن بقاء الرزاز ربما أفضل للبلد على الاقل من باب استمرار التعامل مع أزمة كرونا ،ومن باب عدم تحميل خزينة الدولة رواتب وأعباء مالية لوزراء جدد. وفي الوقت الذي يأتي التغيير الوزاري كإستحقاق دستور فإن هذا الاستحقاق يجب مراجعته مستقبلا إذ أني لا أرى تلك الفائدة للمجتمع من ذلك المتطلب الدستوري لاستقالة الحكومة في حال انتها مدة مجلس النواب ،وأن مقاصد المشرع كانت تركز على حل المجلس قبل انتهاء مدته حتى لا يصبح حل مجلس النواب تحت رحمة الحكومة.أخيرا فإن تشكيل حكوماتنا سييقى أقرب إلى البروتوكلات والإثارة مالم يقترن بها تغييرات دستورية حقيقية يترتب عليها أثار مهمة في البنية الحزبية ،والولاية العامة لرئيس الحكومة، والرقابة العامة ،والمساءلة ،وقانون الانتخابات النيابية .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.