الانتفاضة الفلسطينية الثالثة تُدخل القضية في مرحلة جديدة / ابراهيم ياسين
ابراهيم ياسين ( الخميس ) 12/11/2015 م …
بعد مرور أكثر من شهرين على بدء الانتفاضة الثالثة، لم تتراجع حدّة العمليات الفدائية ضدّ جنود الاحتلال والمستوطنين، والمترافقة مع ازدياد زخم المواجهات الشعبية مع قوات الاحتلال الصهيوني، و قد أدّى ذلك إلى إحداث صدمة كبيرة في كيان العدو الذي فوجئ باشتعال الانتفاضة، كما فوجئت السلطة الفلسطينية بها أيضاً.
ويبدو أنّ هذه الانتفاضة التي تتركز في شكل رئيسي في القدس والأراضي المحتلة عام 1948، ومدينة الخليل قد أدخلت كيان العدو الصهيوني في حالة من الرعب والهلع وانعدام الاستقرار والأمن، الأمر الذي انعكس على الحركة الاقتصادية، وأدى إلى فقدان الثقة بقدرة أجهزة الأمن الصهيونية التي وقفت عاجزة عن وقف الانتفاضة والعمليات اليومية التي ينفذها الشبّان الفلسطينيون وتؤدي إلى إيقاع إصابات في صفوف الجنود والمستوطنين الصهاينة الذين باتوا في حالة من الرعب الدائم، نتيجة عدم قدرتهم على تفادي مثل هذه العمليات المفاجئة لهم، والتي لا تملك الأجهزة الأمنية الصهيونية أي إنذار مسبق بشأن توقع حصولها.
لا شكّ أنّ هذه الانتفاضة التي احتار الكثيرون في توصيفها في البداية على أنها هبّة سرعان ما تتراجع وتنتهي كما حصل في الهبّة السابقة قبل شهور.
هذه الانتفاضة تحوز على كلّ الشروط التي تجعل منها انتفاضة حقيقية وهي:
ـ اتساع رقعة المشاركة فيها، إن كان في الأراضي المحتلة عام 1948 والقدس والخليل، أو في بعض مناطق الضفة الغربية التي هي على تماس مع حواجز الاحتلال والتي اشتعلت، على خلفية الانتفاضة.
ـ العمليات المتواصلة دون توقف ضدّ جنود الاحتلال والمستوطنين إلى جانب المواجهات مع قوات الاحتلال والتي تستخدم فيها الحجارة وقنابل «مولوتوف».
أما بالنسبة إلى شرط وجود القيادة التي تقود هذه الانتفاضة، وإن لم تكن ظاهرة أو معروفة، فلأنها موجودة في مناطق الاحتلال الصهيوني المباشر بعيداً عن أعين السلطة الفلسطينية وتحتاج إلى السرّية التامة في عملها لضمان استمراريتها.
وما يؤشر إلى ذلك أنّ العمليات التي تُنفَّذ تتميز بالدقة من جهة، وعجز الاحتلال عن الوصول إلى الجهات التي تقف وراء هذه العمليات المتواترة، وهو ما دفع بالأجهزة الأمنية الصهيونية إلى القول إنّ هناك أيدٍ تُحرِّك هؤلاء الشبان الذين ينفذون العمليات.
على أنّ المشكلة التي تواجه قادة العدو الصهيوني تكمن في عدم القدرة على الوصول إلى الجهات المخططة للعمليات والتي تسهم من خلالها في استنهاض الشارع الفلسطيني وتزخيم المواجهات، ويعود ذلك إلى سببين:
الأول، أنّ الانتفاضة تحصل في المناطق التي لا يوجد فيها أي حضور لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية التي تنسق مع الأجهزة الأمنية الصهيونية بموجب اتفاق أوسلو.
الثاني، عدم وجود أي صلة بين من يقف وراء هذه الانتفاضة وأي فصيل فلسطيني من الفصائل المعروفة، الأمر الذي يخلق صعوبة كبيرة في الوصول إلى قادتها لاعتقالهم أو القضاء عليهم، أو معرفة الشبان الذين سيقومون بتنفيذ العمليات الاستشهادية.
هذه العوامل هي التي تجعل هذه الانتفاضة خارج السيطرة من جهة، وخارج الرقابة الأمنية الفلسطينية من جهة ثانية.
إنطلاقاً من هنا، يُمكن القول إنّ هذه الانتفاضة إنما تعكس التطور الواضح في حركة النضال الوطني الفلسطيني والتحرُّري ضدّ الاحتلال، والذي لا يمكن لأحد مصادرته بعدما أدرك الشباب الفلسطيني الذي يعاني من القهر والاضطهاد الوطني والتمييز العنصري، أن لا سبيل إلى التحرّر من الاحتلال وتحقيق المطالب الوطنية الفلسطينية إلا بالعودة إلى المقاومة والانتفاضة، بعدما تبين لهم عقم وفشل مسار «أوسلو» والنتائج الكارثية التي تولدت منه من ناحية، وعجز قيادة السلطة الفلسطينية واستطراداً، منظمة التحرير من الخروج من نفق أوسلو من ناحية ثانية، وعجز بقية الفصائل الفلسطينية المعارضة لاتفاق أوسلو عن إيجاد بديل لقيادة النضال الوطني التحرُّري الفلسطيني، واستمرارها في المراوحة والمراهنة على سياسة التوافق مع السلطة الفلسطينية التي لا تعدو كونها سلطة مرتهنة للمحتل، وإمتداداً أمنياً له.
لهذا يمكن القول إنّ هناك مساراً جديداً في حركة النضال الوطني الفلسطيني قد بدأ، وإنّ هذا المسار سوف يتطور ويأخذ طابعه السياسي والتنظيمي في معترك النضال في مواجهة المحتلّ الغاصب، على أنّ هذا المسار الجديد يؤشر إلى أننا أمام مرحلة تُنذر بولادة جديدة لقيادة حركة التحرُّر الفلسطيني بعدما وضعت المرحلة السابقة التي انطلقت عام 1965 أوزارها مع توقيع اتفاق أوسلو، والفشل في تحقيق أي نتيجة من المراهنة على الديبلوماسية بعد التخلي عن المقاومة المسلحة، والتي تبين بعد تجربة المقاومة في لبنان وتمادي العدو في غطرسته وعدوانه وتوسعه في أرض فلسطين المحتلة، أنها الخيار القادر على تحرير الأرض وحماية عروبة فلسطين.
التعليقات مغلقة.