” لكع بن لكع ” حكاية مسرحية لإميل حبيبي / شاكر فريد حسن

 شاكر فريد حسن  ( فلسطين ) – الخميس 8/10/2020 م …



إذا كان الناقد والمفكر اللبناني د. حسين مروّة قد أثبت نظريًا بطلان الادعاء والزعم انقطاع الثقافة العربية المعاصرة عن التراث الثقافي الإسلامي، فإن أعمال المرحوم الروائي الفلسطيني المبدع إميل حبيبي، وخصوصًا في حكاية مسرحيته ” لكع بن لكع ” هي الإثبات العملي على أن الأدب الجيد مَنْ يرتبط تاريخيًا وتراثيًا بين ماضي الجماهير وحاضرها، وإثبات قاطع لصدق مقولة أصالة الحضارة العربية الحديثة المعاصرة وتجذرها في التاريخ العربي من ناحية، وفي التراث العربي من الناحية الأخرى.
إن ارتباط إميل حبيبي بجماهير شعبه الفلسطيني وقضاياه ومعايشته لها، وتكريسه حياته في خدمتها حقق له الشرط الأول وهو أن يكون الأديب الطليعي الذي يحس بكل خلجة ونبضة يعيشها شعبه. وقد عبّر عن هموم وآلام وأوجاع شعبه وفهم أسبابها، وكان شجاعًا بالإشارة إلى كل الجهات والقوى والاطراف التي تآمرت على شعبه وساهمت في مأساته ولا زالت تساهم باستمرار ومواصلة نكبته.
وقد اختار إميل حبيبي لنفسه شكلًا تحريضيًا وتعبويًا من أشكال الأدب وهو المسرح الملحمي الذي طوره برتولد بريخت. وكما في كل كتاباته السياسية والفكرية والروائية الإبداعية يصدر عن دراسة ومعرفة عميقة ووعي موسوعي للتراث الفكري العربي الإسلامي الذي انعكس شكلًا ومضمونًا في حكايته ” لكع بن لكع ” وخصوصًا في الشخصية المركزية المهرج، وصندوق العجب ذي الصور التي حولها إلى مشاهد مسرحية خدمت الشكل الفني لهذا العمل الفني التجريبي الإبداعي، وساهمت مساهمة فعالة في إرساء الدعامات الأساسية للمسرح الملحمي،  والحكاية الشعبية التي يرويها ويسردها صاحب صندوق العجب هي شكل تراثي متميز من تراثنا التعبيري، ويجيء السرد بطريقة مميزة وايقاع موسيقي يتفاعل مع مجرى أحداث الحكاية. إضافة إلى أسلوبها وما يميزه من محسنات لفظية وبلاغية كالسجع والطباق والجناس. وقد أضفى هذا الشكل من أشكال التراث على الحوار في المسرحية رونقًا جذابًا ومدهشًا، وعلى هذا العمل المسرحي تلك النكهة الشرقية التي قلما نجدها في أعمال المحدثين والمعاصرين من الكتاب والأدباء والمبدعين العرب.
” لكع بن لكع ” هي العمل الأدبي الثالث لإميل حبيبي، وكان قد صدر له من قبل ” السداسية ” و” المتشائل”، ولكع يعني الوسخ والأحمق والعبد واللئيم. وفيها يتناول القضية الفلسطينية بأبعادها المكانية والزمانية ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، ويرسم بطولات شعبنا الفلسطيني على امتداد تاريخه الطويل، ويعري الأنظمة العربية المهترئة، وينتقد استغلال الدين لمحاربة القوى الوطنية والتقدمية والعلمانية المناهضة للاستعمار. وتنتهي المسرحية بنظرة تفاؤلية ترسم ملامح المستقبل الذي سيكون بانتصار الحق.
وصندوق العجب كما هو معروف للأجيال الفلسطينية التي ولدت عام النكبة، كان بمثابة المسرح المتنقل والوسيلة الثقافية الترفيهية الوحيدة المتاحة للأطفال وحتى للكبار.
وإميل حبيبي يقدم لنا صندوق العجب ليس لخلق الأوهام، بل كوسيلة يستخدمها بأسلوب جديد ليحرضنا ويثيرنا ويدفعنا على فتح الصناديق المغلقة ودق جدران الخزان، وليبث فينا روح التجديد، وكما فعل بريخت في مسرحه الملحمي يستخدم الجوقة لتنشد مقاطع شعرية وأدبية في معظم مشاهد المسرحية.
لقد أجاد الراحل إميل حبيبي، وكما عودنا دائمًا، باختيار كلماته وسبك عباراته ممسكًا بناصية اللغة، موزعًا كلماته بطريقة شعرية في إطار مقطوعات شعرية يتجلى فيها عمق الفكرة وجمال الصورة وروعة الالفاظ وعمق الأفكار.
ويمكننا القول أن مسرحية لكع بن لكع هي حكاية الواقع العربي، والمعاناة الفلسطينية، التي صورها بصورة ناجحة واستطاع طرح وعكس هموم شعبنا وإبراز تضحياته وتصميمه على مقاومة المحتل حتى الانتصار، ورسم الصورة المستقبلية له.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.