حرب تشرين أول 1973 مفاعيل ونتائج / موسى عباس
موسى عبّاس ( لبنان ) – الخميس 8/10/2020 م …
الكاتب موسى عباس
تصف “غولدامائير” رئيسة وزراء الكيان الصهيوني أثناء حرب تشرين الأوّل 1973 التي وقعت بين الصهاينة من جهة ومصر وسوريا من جهّة ثانية ما جرى على الجبهتين ب”الهزيمة” التي جعلت وزير الحرب الصهيوني الشهير “موشي ديّان لتقديم استقالته لكنّها رُفضت ،وذلك في كتابها “اعترافات غولدا مائير”.
تقول غولدامائير:”لم تكن الصدمة في الطريقة التي بدأت فيها الحرب فقط، ولكنها كانت في حقيقة أن معظم تقديراتنا الأساسية للوضع على الجبهات قبل الحرب ثَبُتَ أنها خطأ.
تضيف غولدامائير إنه في اليوم الخامس من الحرب “دفعنا السوريين إلى العودة عبر خطوط وقف إطلاق النار 1970 وبدأنا الهجوم على سوريا، أما في الجنوب فقد سكن الوضع نسبياً وفكّرنا في قيام جنودنا بعبور القناة”.
والسؤال هنا لماذا حدث ذلك؟
لماذا انقلب الوضع من انتصار للقوات العربية التي كانت تسعى لإستعادة كرامتها الممرّغة بوحل هزيمة 1967 إلى تراجع كاد أن يتحوّل إلى كارثة بعدما طرقت القوات الصهيونية أبواب دمشق حيث وصلت إلى بعد ثمانية كيلومترات منها واستغلّت سحب قوات الاحتياط المصريّة التي كانت مكلّفة منع حدوث أي اختراق معاكس للجبهة من قبل القوات الصهيونية الأمر الذي ادى الى إختراق صهيوني وصل إلى حدّ قطع طريق السويس القاهرة.
كثير من المحللين الإستراتيجيين العرب اعتبروا تلك الحرب انتصاراً للعرب ،وهزيمة للصهاينة .
ما جرى في حرب تشرين الأوّل 1973 ،هل كان واقعاً هزيمة للكيان الغاصب وردّ اعتبار للجيوش العربية التي كانت قد هُزمت عام 1948 حيث وقعت النكبة الأولى فسيطر الصهاينة على القسم الأكبر من فلسطين وأعلنوا بعدها قيام دولتهم ، كما الهزيمة الكارثة في حرب الخامس من حزيران عام 1967 حيث إحتل الصهاينة ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية “الضفّة الغربية لنهر الأردن ” وصحراء سيناء من أراضي مصر وجبال الجولان من سوريا وأطلق العرب تسمية “النكسة” على تلك الهزيمة؟!
أم أنّ تلك الحرب كان بدايتها إنتصاراً للجيوش العربية ومن ثمّ تحولت إلى هزيمة بعد توقف الجيش المصري عن القتال وبعد الإختراقات والتوغّل الصهيوني الذي حدث على الجبهتين ؟!
أم أنّ الحرب بأكملها كان هدفها تحريك الرّمال الراكدة على الجبهات السياسية لا سيّما بعد رفض الكيان الصهيوني تنفيذ قرار مجلس الأمن الإنسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران 1967 على الأقل من جانب الرئيس المصري “أنور السادات” ودون علم القيادة السوريّة ؟!.
-لماذا حدث ذلك ؟
يتلخّص الجواب في سببين اثنين
أولّهما وهو الأهم يتحدث عنه نُخبة من القادة العسكريين المصريين الذين شاركوا في التخطيط وفي قيادة تلك الحرب، كما تحدّث عنه شخصيات سياسية وإعلامية هامّة عاصرت تلك الفترة وشاركت في أحداثها بطريقة أوبأخرى.
والسبب الثاني تحدّث عنه الصهاينة أنفسهم.
1-في كتابه “مذكَّرات حرب أكتوبر” يقول الفريق سعدالدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلّحة المصرية إنّ خيانة وكذب أنور السادات ساهما في قلب الموازين لصالح العدوّ ويتابع :
“إني اتّهم السادات بجريمة حِصار الجيش الثالث، يوم 23 أكتوبر والذي أجهض انتصارات حرب أكتوبر المجيدة، وأجهض سلاح البترول، وأجهض الحِصار البحري الفعَّال الذي فرضته مصر على إسرائيل، وأفقدَ القيادة السياسية المصرية القُدرة على الحركة والمناورة، وجعلها ألعوبة في يد إسرائيل وأميركا”.(مذكَّرات سعد الدين الشاذلي، ص-311).
كما انتقد “محمّد حسنين هيكل” أهم الكتّاب الصحفيين المصريين والذي عاصر تلك الأحداث وما قبلها وما بعدها ، إنتقد بشدّة “أنور السادات” في كتابه “أكتوبر 1973 السلاح والسياسة”، بسبب ما جرى وخاصّةً قيامه بإرسال رسالةٍ إلى وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر في ثاني أيّام الحرب ولم يكن قد مضى على الحرب 20 ساعة بعد،وفي عزّ الإنتصار الذي حققه الجيش المصري من عبور قناة السويس وإختراق خطّ “بارليف”الذي كان يعتبر من أهم الخطوط الدفاعية في العالم ، كما كان الجيش السوري قد اخترق الخطوط الدفاعية الصهيونية في جبهة الجولان .
قال في تلك الرسالة إلى كيسينجر : “إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباك أو توسيع مدى المواجهة” وقام كيسنجر بدوره بنقلها إلى رئيسة وزراء العدو الإسرائيلي، الأمر الذي طمأن الصهاينة فقاموا بتكثيف ضرباتهم على الجبهة السورية، ثم أمرَ السادات بتطوير الهجوم نحو المضائق يوم 12 تشرين الأول باستخدام فرقتيّ الاحتياط اللتين كانتا مكلّفتان بمواجهة وردّ أية محاولة للجيش الصهيوني للعبور غرب القناة، الأمر الذي رفضه كل من الفريق سعد الدين الشاذلي ووزير الحرب أحمد إسماعيل وحذّرا من العواقب الوخيمة لتغيير مهمّة قوّات الإحتياط، ولكنّ السادات لم يأبه لإعتراضهما فكانت النتيجة إختراق العدو مواقعهم ولثغرة “الدفرسوار” ووقوع كارثة حِصار الجيش المصري الثالث، وقبول السادات مُنفرداً بوقف إطلاق النار مع الصهاينة.
2- الدعم الأمريكي المباشر للصهاينة:
تقول غولدا مائير متحدّثةً عن الجسر الجوّي الذي أنشأه البنتاغون للإمدادات العسكرية الأميركية التي أخذت بالتدفّق لدعم العدو الصهيوني في اليوم التاسع للحرب بمعدّل طائرة كل 15 دقيقة،تصفه بقولها:
“إن هذا الجسر الجوّي لا يمكن تقدير قيمته إنه لم يرفع روحنا المعنوية فقط، ولكنه ساهم في توضيح الموقف الأميركي أمام الاتحاد السوفياتي وساعدنا كثيراً من الناحية العسكرية، وقد بكَيْت لأول مرةٍ منذ بداية الحرب عندما علمت أن الطائرات الأميركية وصلت إلى مطار اللّد” (اعترافات غولدا مائير، ص-312
موقف السادات وتصرفاته أدّى في النهاية إلى تغيير جذري واستراتيجي مرحلي ومستقبلي في الأحداث نتج عنها المراحل الأولى زيارة السادات المشؤومة إلى الكيان الصهيوني في 19 تشرين الثاني1977 في بادرة لم يكن يحلم بتحقُّقها أيٌّ من القيادات الصهيونية توقيع اتفاقية كامب دايفيد في 17 أيلول 1978 والتي كانت خنجراً مسموماً طعن وحدة الصف العربي والقضيّة الفلسطينية في الصميم لأنّ تلك الإتفاقية المُذلّة أدّت إلى خروج القوّة العسكريّة الأكبر من المواجهة.
تلك الإتفاقيّة التي وصفها وزير الخارجية المصري محمّد إبراهيم كامل الذي كان قدّم استقالته احتجاجاً على التنازلات التي قدّمها السادات للصهاينة إنها “مذبحة التنازُلات” لأنّها شكّلت برأيه “النكسة الثانية” للعرب.
وكتب كامل في كتابه “السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد” المنشور في القاهرة بداية الثمانينيات أن “ما قبل به السادات بعيد جدا عن السلام العادل”، وانتقد كل اتفاقات كامب ديفد لكونها لم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
وتنبأ في مذكراته أيضا بمستقبل مظلم للمنطقة بأسرها حيث قال “إن تلك الاتفاقيات ستؤدي إلى عزلة مصر وستسمح للدولة الصهيونية بحرية مطلقة في ممارسة سياسة القتل والإرهاب في المنطقة مستخدمة السلاح الأمريكي كمخلب لها”، وقال أيضا “إن الأفكار الأمريكية التي طرحت في كامب ديفيد كانت تهدف على إضفاء غطاء شرعي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية”، وهذا ما حدث فعلاً.
ومن مفاعيل ونتائج تلك الاتفاقية بكلّ تأكيد أنّها مهَّدت الطريق أمام اتفاقيات الإستسلام المُنفرِدة مع العدو ، بالتالي شتّتت القضية الفلسطينية وأضعفت موقفها، وشجّعت الصهاينة على الهجوم على جنوب لبنان عام 1978 ومن ثمّ إجتياح 1982 الذي وصل إلى العاصمة بيروت والذي أدى إلى إخراج المنظمات الفسطينية من لبنان وما تلا ذلك من توقيع الفلسطينيين اتفاقيات أوسلو مع كيان الصهاينة في أيلول1993 ، كما كانت أحد الأسباب التي جعلت الأردن في موقع ضعيف أمام الضغوطات الأمريكية والصهيونية فوقّع مع الصهاينة إتفاقيّة “وادي عربة”1994.
كذلك فإنّ أحدمفاعيل ونتائج تلك الإتفاقية على المدى البعيد ما نشهده اليوم من تطبيع علاقات بعض محميّات الخليج العربي مع الكيان الغاصب، لأنّ ما جرى ويجري حاليّاً ما كان ليحدث لو أنّ القيادة المصرية بقيادة أنور السادات لم تنحدر إلى هذا الدرك من المذلّة والخيانة.
تأتي ذكرى حرب تشرين بعد 47 عاماً لتُذكّرنا أن العرب كانوا يوماً في غالبيتهم مجتمعين ضد الاحتلال الصهيوني على الأقل في الشكل ولكن حدث أنّه في عزّ أتون المعركة التي كاد أن يتحقّق فيها النصر ، حدث أن هوى قائد أكبر وأقوى دولة عربية في عمق الخيانة فسبَّب شرخاً حادّاً في وحدة الموقف العربي الأمر الذي نتج عنه الانقسام بين محور المقاومين ، ومحور مَن يُسمّون أنفسهم بمحور “الاعتدال”، وواقعاً هم محور الخيانة والإستسلام وبين المحورين يستغلّ العدو الصهيوني مدعوماً بكامل قوّة الغرب الأمريكي والأوروبي كل ثغرة تماماً كما “الدفرسوار” ليُنشىء وتحت قيادته جبهة جديدة تضم محميّات الأعراب المتصهينين الذين يوقعون معه اتفاقيات التطبيع الواحدة تلوَ الأخرى ضدّ جبهة المقاومة المنتصرة عليه من غزّة إلى جنوب لبنان .
التعليقات مغلقة.