السرد الأكاديمي للصراع الفلسطيني –الإسرائيلي / أسعد العزوني
أسعد العزوني ( الأردن ) – السبت 10/10/2020 م …
يلاحظ أننا ومنذ بداية الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي أشبعناه بحثا ونقاشا وإستعراضا ،لكننا لم نغص في العمق ولو قليلا ،لأننا إعتمدنا الطرح الأكاديمي وإلتزمنا بقواعد البحث الأكاديمي، بمعاييره كاملة خشية الزلل أو الدخول في منطقة محظورة علينا ،وبالتالي سنتعرض للعقاب ،ولذلك إكتفينا بالسرد الأكاديمي الأصم. لا يجب أن يفهم أنني هنا أقلل من الجهد الأكاديمي ،أو أعيب عليه ،لكنني كنت أرغب بالغوص في الثنايا والوصول إلى قعر الحقيقة وهو أن هذا الصراع له أسباب ومسببات ،ويجب علينا ألا نتحرج عند عرضها على الملأ ضمن البحث العلمي إلتزاما بالأمانة العلمية.
لم أسمع من الأكاديميين أو الدبلوماسيين المتقاعدين أو الجنرالات العسكريين المتقاعدين، الذين تستعين بهم مراكز الدراسات والبحوث في ورشاتها السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية أو الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي ، أن هذا الصراع يعود لغزوة نابليون لمصر عهام 1798،وأن تجميد مشروع نابليون كان بسبب هزيمته على أسوار عكا الفلسطينية.
كما أنني لم أسمع أحدا من المتخصصين وهو يتحدث عن أس الصراع هو وثيقة كامبل السرية الصادرة عن مؤتمر كامبل عام 1907،التي نصت من ضمن ما نصت عليه زرع كيان غريب في المنطقة لإلهاء أهلها عما سيفعله الغرب الإستعماري فيها من نهب للثروات وتجبر وتسلط وفرض حكام ديكتاتوريين عليها .
ما نعاني منه في ندواتنا ومؤتمراتنا هو السرد الأكاديمي المقيد بالتوجه الرسمي ولا ننسى الإرتباطات الخارجية التي تقيد المسار بسبب إشتراطات الممول الذي يتصرف وكأنه يتعامل مع خياط ملابس ،فيحدد الطول والعرض وما إلى ذلك،فيكون اللباس حسب المقاس.
ولا ننسى أن بلداننا العربية طاردة للعقول المبدعة والمفكرة ،وتجبرها على الهجرة للغرب وهناك تنطلق بكامل طاقتها بحكم التسهيلات والدعم المتاح لها،وعليه أقول ان التقدم الغربي ليس غربيا خالصا بل لنا نحن العرب نصيب فيه ،حتى أن بعض الدارسين منا في الجامعات الغربية يعود “مقولبا”،فيعمل وفق التوجيهات ،خاصة وأنه يصبح مسؤولا وصاحب قرار.
مطلوب منا تغيير نمط مؤتمراتنا وندواتنا وورشات العمل، والتحول من السرد الكاديمي إلى العصف الذهني ،وعدم التقيد بزمن محدد ،وحصر الموضوع في واحد أو إثنين فقط ،لأن ذلك لا يمكننا من جنى الفائدة المرجوة ،وإلا فإننا ننفذ أجندة خارجية .
علينا في حال كنا جادين في إيجاد حلول لقضايانا ،أن نعيد النظر في عمل مراكز الدراسات والأبحاث عندنا ،والعمل على تجيير جهودها لمصلحة قضايانا ،وأن نقوم بدعمها ماليا حتى نخرجها من داخل دائرة الدعم الأجنبي الذي يسخرها لخدمة الغرب وأهدافه .
مطلوب منا أيضا تشجيع البحث العلمي وتخيص موازنة منصفة له ،وأن نبدأ من المدرسة حتى الجامعة ،وأن نشجع الباحثين ونوفر لهم البنى التحتية اللازمة الخاصة بهم ،وعدم التضييق عليهم ،فنحن نعاني هذه الأيام من فرض الصمت على الباحثين والمحللين الجادين المهتمين بقضايانا ،مع أنهم إستشرفوا الواقع قبل عشرات السنين ،بسبب ما يمتلكونه من ملكات للقراءة والتحليل والإستشراف.
علينا أن نخرّج باحثين من جامعاتنا وليس حملة كرتونات توضع على الحائط للزينة دون أن يجد صاحبها عملا يقتات منه ،لأننا قمنا بإعداد خريجين ينضمون لطوابير البطالة الباحثين عن فرص عمل مفقودة ،بسبب حصرها في فئة المتنفذين من أبناء الذوات أو من يشبهونهم،ناسين أو متناسين أن الباحث المجتهد هو دليل صانع القرار السياسي ،ولنا في مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية الإرهابية خير مثال،فالسياسي هناك لا ينطق بدون إذن الباحث.
يجب علينا إعتماد الشفافية والصراحة عند الحديث عن قضايانا المفصلية العربية وخاصة القضية الفلسطينية ،التي يحاول النظام السعودي الصهيوني شطبها لصالح المشروع الصهيوني من خلال طرحه لصفقة القرن،وما يجري هذه الأيام عبارة عن تضليل وتزوير للحقائق وتوجيه خاطيء لبوصلة الصراع،الأمر الذي يؤدي لتراكم الأخطاء وتعميق الفشل العربي ،ووصول الجميع إلى مرتبة الدولة الفاشلة.
يتحدث الجميع عن حرية التعبير ،لكننا لم نسمع عن حرية البحث والخروج بتصورات ناجمة عن قناعة أصحابها ،فالباحث الذي أسس نفسه وكوّن ثقافته المعرفية ذاتيا هو ثروة قومية ووطنية ،يتوجب إحتضانه وصونه وتنمية وتطوير مواهبه وقدراته،لا محاربته والتضييق عليه لإجباره على الإنحراف الذي يؤدي إلى التفريط بالحقوق.
التعليقات مغلقة.