تحقيق هام جدا … هل كان الرئيس جمال عبد الناصر إخوانيًا؟

جمال عبد الناصر




الأردن العربي – الخميس 15/10/2020 م …

فى إطار البحث والتدقيق للوصول إلى الحقيقة الغائبة فى قضية تاريخية شائكة، كانت محورًا لنقاش موسع خلال الفترة الماضية، وهى قضية انضمام جمال عبد الناصر للإخوان المسلمين قبل ثور يوليو، خاصة بعد أن استند الكاتب الكبير وحيد حامد خلال عرض الجزء الثانى من مسلسل الجماعة لما ورد فى مذكرات عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة وبينهم خالد محيى الدين، عن علاقة عبد الناصر بالإخوان.

مسلسل الجماعة 2

علاقة عبد الناصر بجماعة الإخوان ظلت مثار البحث والجدل لسنوات طويلة، حتى صدر كتاب “هل كان عبد الناصر إخوانيًا” للإخوانى المنشق “ثروت الخرباوى”، الذى تضمن وثائق خطية تكشف عن طبيعة علاقة عبد الناصر بالإخوان، وتناول فى جانب منه عالم الإخوان فى حقبة الأربعينيات، وسيكولوجية التنظيم، وأفكاره، وطبيعة العضوية فيه، ويشير فى الوقت ذاته إلى عضوية شخصيات كبيرة لجماعة الإخوان لم يكن أحد يعلمها، وهل كانت عضوية حقيقية أم عضوية صورية؟؟

كتاب “الخرباوى يتناول بشكل علمى موضوعًا أثار جدلًا فى الفترة الأخيرة، هو علاقة عبد الناصر بالإخوان وهل انضم فعلاً لهم وبايعهم؟ وخطورة هذا الموضوع أنه عندما تناوله مسلسل الجماعة 2 جزم بانضمام عبد الناصر للإخوان قبل 1952 وأكد على أنه بايعهم.

يرى “الخرباوى” أن معالجة وحيد حامد لانضمام عبد الناصر للجماعة كانت سطحية وخطيرة فى نفس الوقت، حيث يقول: سطحية لأنها عولجت باستهتار ودون اتباع قواعد علوم التأريخ فى تحقيق هذه الواقعة تاريخيًا مضيفا: شرحت فى كتابى لماذا فشل كثير من المؤرخين فى تحقيق هذه الواقعة ثم وضعت فى مقابلها دراسة اتبعت فيها المنهج العلمى فى تحقيق وقائع التاريخ” .

الخرباوى

يكشف الكتاب جانبًا من تفاصيل “بيعة الإخوان” بحسب أن بعض شهود التاريخ شهدوا بأن عبد الناصر بايع قيادات الإخوان على السمع والطاعة، حيث يستعرض سيكولوجية تلك البيعة ومفهومها، ومن ذا الذلاى يصلح لأداء البيعة، وأنواع البيعة فى الإخوان، ويسرد من خلال أحداث التاريخ الحية المثيرة نوعين من بيعة الإخوان، البيعة المفتوحة والبيعة المغلقة.

يتعرض الكتاب فى الوقت ذاته إلى المناسبات التى تحدث فيها عبد الناصر بنفسه عن حقيقة انتمائه للإخوان، وهى مرتين الأولى فى حلوان عام 1964 وأخرى فى حوار له مع الصحفى الإنجليزي الشهير ديفيد مورجان.

وحيد حامد
وحيد حامد

خطورة تصنيف عبد الناصر كإخوانى، ومن ثمَّ خلافه معهم، ثم محاولتهم اغتياله ثم سجنه لهم، حسب رأى الخرباوى فى كتابه، يصنع خريطة ذهنية للمشاهد وبرمجة نفسية بأن الخلاف الذى حدث بين الإخوان وعبد الناصر كان خلافًا سياسيًا وصراعًا على الحكم، وهذا الأمر غير صحيح ومغرض وفيه جهل مطبق بالإخوان، فالصراع كان صراعًا على الوطن وليس على الحكم، فالإخوان يريدون السيطرة على الوطن وتحويله لإمارة تابعة لهم وعبد الناصر واجههم عندما ظهرت أطماعهم الشيطانية وقام بحماية مصر منهم”.

الكتاب قدم عرضًا وافيًا عن شروط العضوية فى جماعة «الإخوان» وأشكالها، ثم يورد رأى أحمد إبراهيم أبو غالى ومفاده أن عبدالناصر، كان فى بواكير توليه السلطة مجرد صديق لـ «الإخوان»، ويؤكد أبو غالى فى حديث أجراه معه الخرباوى أن الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك، “كان عضوًا فى جماعة الإخوان المسلمين قبل التحاقه بالكلية الحربية”، مشيرًا إلى أن مبارك أقرَّ فى حديث إلى مجلة “دير شبيغل” الألمانية عام 2006 بأنه انضم إلى إحدى شعب «الإخوان» فى محافظة المنوفية أثناء دراسته الثانوية وكان ذلك فى عام 1944.

مبارك

ولكن، ماذا عن أمر مماثل فعله جمال عبد الناصر؟ هنا تصل تحريات الخرباوى إلى أن عبدالناصر التقى حسن البنا، وأقسم أمامه على تحالف تنظيم “الضباط الأحرار” مع تنظيم “الإخوان”، ولم تكن هناك بيعة ولم يكن هناك اندماج. ويضيف: إن هذا التحالف انهار بعد مقتل حسن البنا وطرد الضابط “الإخوانى” عبدالمنعم عبدالرؤوف من تنظيم “الضباط الأحرار”.

ويورد الكتاب رأى القطب الوفدى محمد علوان ومفاده بأن عبدالناصر «كان يؤمن بالقومية العربية، وهو أمر يتنافى مع أفكار حسن البنا وجماعته، ومِن ثمَّ فإن ما يقال عن أن عبدالناصر أقسم فى 1942 على مبايعة البنا إمامًا، هو أمرٌ مستبعد، ولا يوجد مطلقاً ما يجعله ممكن الحدوث.

ويرجع الخرباوى كذلك إلى كتاب «الآن أتكلم» لخالد محيي الدين، وهو عضو بارز فى تنظيم «الضباط الأحرار» انتمى طوال حياته إلى اليسار، وجاء فيه أن هذا التنظيم كان يضم ضابطين ينتميان إلى «الإخوان»، هما عبدالمنعم عبدالرؤوف ومحمود لبيب وأنهما توليا تعريفه فى 1944 إلى عبدالناصر، «ثم قمنا بتشكيل مجموعة من العسكريين الإخوان، ولكن لم نكن جميعاً موالين للإخوان، وكان عبدالناصر يقول لى إن الإخوان يريدون استغلال الضباط وليست لهم أهداف وطنية».

يجزم سامى شرف، سكرتير عبدالناصر، بأن الأخير لم ينضم يوماً إلى الإخوان، لكنه لا ينكر تعامله معهم وأن الأمر “كان مجرد تحالف سياسى”.

وعلى جانب آخر، فإن كمال الهلباوى الإخوانى المنشق وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان السابق، قال إن عددًا كبيرًا من الضباط فى الجيش والشرطة انضم إلى الإخوان منذ أوائل الأربعينيات، ومن بينهم الرئيس ناصر منذ العام 1942. لم تكن سنة واحدة التى انضم فيها الرئيس ناصر للإخوان بل عشر سنوات منذ 1942 وحتى قيام الثورة 1952.

ناصر وسيد قطب
ناصر وسيد قطب

في كتابه “الصامتون يتكلمون”، لسامى جوهر، قال كمال الدين حسين: إن علاقة ثورة يوليو استمرت بالإخوان المسلمين، وكان عبدالناصر يكلفنى بالاتصال بهم، وبعد ذلك أصبح يكلف صلاح سالم. ثم بدأت العلاقات تتوتر، والخلافات تقع حتى حدثت محاولة اغتيال عبدالناصر فى أكتوبر 1954، وتمت محاكمة الاخوان وأعضاء الجهاز السرى بعد أن كشفت التحقيقات التى كان يطلعنا عليها عبدالناصر أنهم كانوا يريدون السيطرة على الحكم.

نقرأ كذلك لكل من محمد حامد أبوالنصر فى كتابه (حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبدالناصر)، وخالد محيى الدين فى كتابه (الآن أتكلم)، ومذكرات عبداللطيف البغدادى الجزء الثانى، وأحمد حمروش: قصة ثورة 23 يوليو وغيرهم، أن عبدالناصر انضم للجماعة، وأسهم فى تدريب أعضاء التنظيم الخاص، ولكنهم اختلفوا فى المدة، وذلك وفقًا لمعلوماتهم عن الأمر أو مقابلتهم أو معرفتهم بعبدالناصر أو المقابلة عند البيعة. ولمن لا يعرف الإخوان الأوائل، فإنهم كانوا يجددون البيعة عند اللقاء، ويعلنها كل من يحضر اللقاء، ولذلك نرى اختلافا فى التوقيت كل حسب تاريخ البيعة التى أداها.

ونقرأ ذلك أيضًا فى كتاب “أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين” بقلم حسين حمودة، وكذلك فى شهادات وكتابات ثروت عكاشة، وصلاح شادى، وصالح أبو رفيق، ومن أهم تلك الشهادات شهادة عبدالمنعم عبدالروؤف، وهو الطيار الذى أرغم الملك فاروق على التنازل عن العرش لابنه عند رحيله من الاسكندرية يوم 26 يوليو 1952 بعد الثورة، وهو الذى قدم عبدالناصر للإخوان المسلمين ويقول فيها :

فى أواخر مايو 1942 التقيت حسن البنا ومحمود لبيب لأول مرة واقترحت تكوين مجموعة إخوانية من ضباط الجيش ووافق البنا ولبيب، فى أكتوبر 1942 دعوت عبد الناصر لحضور جلسات الإخوان وحسين حمودة وكمال الدين حسين وكوّنا مكتبة إسلامية واستمررنا إلى 1946 فى ضم ضباط لتنظيم الإخوان بالجيش.

وعلى الرغم من أن الدكتورة هدى عبدالناصر قد نفت أو أنكرت أن أباها كان إخوانيا إلا أنها فى أكثر من موضع قالت الآتى: والدتى أخبرتنى أن الشيخ حسن البنا، مؤسس الجماعة، كان يزورنا فى البيت، وكان رجلًا وطنيًا، ودرست تاريخه، وقرأت مذكراته، وكل ما كتبه، لكن تنظيم الإخوان توحش فيما بعد، بداية من إقامة التنظيم السرى للجماعة”.

هدى عبد الناصر
هدى عبد الناصر

وقالت أيضًا: والدها كان على اتصال بحسن البنا، وذهب إلى قبره بعد وفاته، مشيرة إلى أن الإخوان كان لهم دور مشرف فى العمل الفدائى قبل الثورة – أى ثورة – يوليو.

تبقى هذه القضية مثيرة للجدل، ولا يمكن حسمها بسهولة إلا بالمزيد من البحث، واختلاف الآراء التاريخية ما بين شهود التاريخ، والمؤرخين، يبقيها ملفًا مفتوحًا، قابلاً للتداول، والتكذيب، وتبقى هذه القضية فى حيز التاريخ غير المحسوم.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.