لم كسب حزب العدالة التركية الإنتخابات .. وما يترتب على كسبها ؟

 

محمد شريف الجيوسي

لماذا استعاد حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم بعض شعبيته ما يتيح له تشكيل حكومة تركية جديدة منفرداً.. حيث حصل على 49,4% من مجموع أصوات الناخبين،يضم إليها اصوات المستقلين والأحزاب التي حصلت فقط على 3,3% من أصوات الناخبين،ما يوفر له أكثر من نصف عدد أعضاء المجلس وتشكيل الحكومة منفرداً

لكن النتائج لن تتيح له إجراء تعديل تمنح رئيس الحمهورية سلطات إضافية.  

لقد حقق حزب العدالة والتنمية هذا التقدم بفعل ممارسات خاطئة ارتكبتها أحزاب المعارضة الرئيسة من جهة وبخاصة حزبي الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي ( الكردي ) فيما حقق حزب الشعب الجمهوري المعارض تقدما طفيفا بالفوز بمقعدين آخرين .

فعلى صعيد حزب الحركة القومية حدث انشقاق بنتيجة اختلاف داخلي حيث دعا ابن مؤسس الحزب إلى الإنخراط في تشكيل حكومة إئتلافية مع حزب العدالة والتنمية بنتيجة إنتخابات حزيران الماضي ، فيما رفض رئيس حزب الحركة القومية ذلك ، ما أدى إلى انضمام مجموعة من انصار الحركة لحزب العدالة، وبالنتيجة خسارتها  39 نائبا من مجموع نوابها أالبالغ عددهم 80 في الدورة السابقة .  

ويختلف حزب الحركة القومية مع حزب الشعوب الديمقراطي في مسائل جوهرية تتصل بموقفه المتشدد من القضية الكردية في تركيا ، وهو في ذلك يفوق في تشدده حزب العدالة ذاته منها ، ما يحول بالضرورة دون أي اقتراب أو تنسيق بين الحركة القومية وجزب الشعوب ، حتى دون انضمام بعض أعضائه القياديين لحزب العدالة ، في حين أن حزب الشعوب رغم تواجده الكثيف في مناطق جنوب شرق تركيا ، إلا أنه في حاجة لتعاون أحزاب المعارضة معه ( وهو ما حدث في انتخابات حزيران 2015 حيث دعا حزب الشعب الجمهوري أنصاره للتصويت لصالح حزب الشعوب في منطقة استانبول )

وارتكب حزب الشعوب خطيئة بظهوره المقلق بمظهر المبدد للإستقرارالسياسي والأمني وبالتالي الإقتصادي في تركيا، ما أضر به وبجملة أحزاب المعارضة بعامة ، حيث تبدى للشعوب التركية أن أحزاب المعارضة في حال فوزها ستجلب لتركيا عدم الإستقرار بأوجهه كافة .

فحزب الحركة القومية ( كما أظهره الإنشقاق الداخلي ) برفضه تشكيل حكومة إئتلافية مع حزب العدالة ( وهو الأقرب اليه من الأحزاب الأخرى ) وفي رفضه ( المطلق ) للمطالب الكردية في آن ، بدا هو الآخر يبدد الإستقرار ويقود الى الفراغ السياسي.

وترك حزب الشعوب انطباعا بأن مجيئه للحكم سيقود إلى تفتت تركيا وانخراطها في أعمال مسلحة ، رفض عدد كبير من الشعب التركي الإنحراط فيها في الخارج ، فلا بد أن الأولى به أن يرفضها في داخل تركيا ، فتراجعت مكانة حزب الشعوب ، وانعسكت بالتالي أجواء عدم ثقة إضافية بين الحزبين المعارضين الحركة القومية والشعوب الديمقراطي أضرت بهما معاً، وأكسبت حزب العدالة معظم الخسارة، وأضر خلافهما قليلاً بحزب الشعب الجمهوري ، الذي تمكن من الحفاظ على موقعه وكسب مقعدين آخرين فقط ، في حين كان على قدرة لكسب المزيد من المقاعد لولا أخطاء الحزبيْن المعارضيْن الآخريْن .  

أما حزب العدالة فعمد الى إجراء تعديلات على برنامجه الإنتخابي ، أهمها ظهوره المخادع بأنه حرب على داعش ، وأن المعارضة تقود البلاد إلى حالة من عدم الإستقرار وفيما هي تنتقد تورطه في دول الجوار ، تأخذ مسالك إرهابية قد تنقل تركيا في حال فوزها وتشكيل حكومة ، الى حالة من الفراغ وانعدام الوزن السياسي  ، كما ان الاختلافات الجوهرية بين حزبي الشعوب الديمقراطي والحركة القومية، سيجعل من المستحيل مشاركتهما في حكومة واحدة مستقرة قابلة للإستمرار ، فضلا عن رفضهما وحزب الشعب على التشارك في حكومة مع حزب العدالة ، فلا هذه الأحزاب قادرة على التشارك فيما بينها ولا هي قابلة على التشارك معه ، وبالتالي لا بد من ( بقاء ) حزب العدالة والتنمية في الحكم منفرداً .

ورغم انزواء بعض أعضاء حزب العدالة من معارضي اردوغان وعدم اتفاقهم معه في سياسياته العامة ، إلا أنهم لم يعملوا ضده كما صنع أولئك المختلفين داخل الحركة القومية أو من إشتراهم أردغان من الكرد بالمال .

وأثارت المشاركة الروسية  النزيهة في الحرب على الإرهاب ، في سورية ، محاوف التقليديين من الأتراك ، الذين لا تربطهم بروسيا علاقات ود تاريخية ، بغض النظر عن قناعتهم بخطأ سياسات أردوغان الرعناء  وما جر على بلادهم من كراهية وحصار وتراجعات، وبتزامن ذلك مع توجه حزب الشعوب أو حزب العمال الكردستاني التركي للعنف ، كل ذلك وحد التقليديين الترك وراء العدالة والتنمية .

وعمد العدالة والتنمية الى تعديل سياساته الإنتخابية الداخلية فأتاح للمخضرمين من أعضائه ذوي الشعبية من نوابه السابقين؛ ترشيح أنفسهم مجدداً ، ما أكسب الحزب زخما جديداً على صعيد الإنتخابات  ومنفقا نحو ملياري دولار على شراء ذمم من الأكراد وغيرهم .. واتخذ إعلامه سياسة الزعم بأن تركيا باتت مستهدفة من جيرانها ، اسهم بعض إعلام أحزاب المعارضة دون قصد منه على تقديم هذه الصورة غير الدقيقة، فيما حكومة حزب العدالة هي التي استهدفت جيرانها ، واقنع العديدين عبر التنسيق مع داعش على انه مستهدف منها على نقيض الواقع تماماً.  

 

ولكن هل سيغير الحكم  في تركيا من سياساته تجاه سورية والعراق وإيران وروسيا وأرمينيا ، لا بد أن هذا سيعتمد على مدى ذكاء الجهات الحاكمة هناك ، فميزان القوى الإقليمي والدولي لم يعد كالسابق ، الأمر الذي بات يتعارض جوهريا مع مصالح تركيا الإستراتيجية ، في حال إعمال العقل ، والمواطنة التركية الحقيقية ، وأن (الأيديولوجيا ) والاعتبارات المذهبية والتنسيق مع دول إقليمية رجعية وجماعات تكفيرية على صلات بالغرب والكيان الصهيوني لن تحمي تركيا ، بل ستضر بها كثيراً على صعيد المصالح والأمن.

كما أن المراهنة المستمرة على حلف النيتو أمنياً وعسكرياً وعلى العضوية في الاتحاد الأوروبي اقتصاديا ، هي مراهنة عبثية ، بل هي مراهنة تشكل عبئا على تركيا ، وتضر بسمعتها مع مجاوريها الذين ترتبط موضوعيا مصالحها الحقيقية معهم ، وتمنحها العلاقات الطيبة مع مجاوريها آنفي الذكر ، عنصر القرار السياسي المستقل ؛ الذي يعتبر أهم ما تمتلكه دولة أو شعب أو أمة ما .

أما الخيار الآخر الذي يمكن أن تستمر تركيا في سلوكه فهو الإبقاء على سياساتها غير المتصالحة مع ذاتها  ومع مصالحها وجوارها المباشر، والمراهنة على ظلاميات تكفيرية غبية مذهبية وطائفية متخلفة، وعلى علاقات أكثر من طيبة مع الكيان الصهيوني رغم كل المزاودات اللفظية ، وإستمرارعضويتها في النيتو والسعي الغبي للعضوية في الإتحاد الأوروبي .

إن إستمرار تركيا في إتباع سياساتها الحالية  ( وهي في بعضها سياسات تقليدية على مدى  نحو قرن من الزمن ) سيقدم لأحزاب المعارضة ، تمايزات مهمة ، وسيسعر خلافاتها  مع مجاوريها ويشجع الجماعات الإرهابية لإتخاذها قواعد للإنطلاق، ما سيجر عليها أزمات متعددة ، تدمر الإقتصاد والبنى الإجتماعية والأمن القومي التركي ، وانتقال كل مشكلات المنطقة التي زرعتها فيها ؛ إليها، وقتها سيضمحل حزب العدالة والتنمية وتتقدم أحزاب المعارضة ، التي في حال توصلها الى تحالف جبهوي عريض والمشاركة في الإنتخابات وقوى خارجها بقوائم موحدة ، ستدحر وقتها العادلة والتنمية ، وتشكل حكومة خلاص من أزمات كرستها سياسات رعناء تابعة للغرب وحليفة للدول والجماعات الظلامية   . 

وما ينبغي أن تدركه الجهات التركية الحاكمة ( والمعارضة ) أن الفوز في الإنتخابات ليس كل شيء ، فقد رتب الفوز ، مسؤوليات جسام على الحزب الحاكم ، بما في ذلك الإنخراط الجدي في الحرب على الإرهاب ، و التصالح مع مكوناتها القومية والدينية كافة وإصلاح النظام السياسي التركي ، ما يتطلب انتفاضة شاملة ( سلمية ) داخله ، بالتوقف عن المراهنة على الغرب ومغادرة التغريب ، والتصالح مع مجاوريه ، بما في ذلك ما اغتصب من أراض بمساعدة أجنبية ، وربط مصالحه الإستراتيجية بمحيطه المشرقي المتنور غير التكفيري .

وهي ذات المسؤوليات الى حد بعيد التي تترتب على أية جهات حاكمة في تركيا فأمراض النظام السياسي التركي تاريخية ومستعصية ، تعود في أغلبها إلى حنين غير شرعي بالعودة إلى وراثة السلطنة العثمانية التي استعمرت البلاد العربية باسم الدين وتركتها عارية تماما من العلم والحضارة إلا من الجهل والتخلف والتشرذم والإرساليات الأجنبية . 

 عمان في 7 تشرين ثاني 2015

m.sh,[email protected]

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.