فرنسا تكتوي بنفس النار التي أشعلتها في سورية… فلماذا تتكرر الأخطاء؟ / د. خيام الزعبي
د. خيام الزعبي ( سورية ) – الجمعة 30/10/2020 م …
اليوم أوروبا تكتوي بنيران الإرهاب الذي وظفته ضد البلدان العربية، ففرنسا الداعمة للقوى المتطرفة وأدواتها في سورية أصبحت تتخبط في قراءة مستقبل التهديدات التي بدأت تنهش جسدها، وأهم مشاهد التخبط على الساحة الفرنسية لما حدث في باريس من تهديدات وتفجيرات إرهابية، بعد اتساع حملات الكراهية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
بات معروفا أن عدة دول غربية تكيل بمكيالين في تعاطيها ومعالجتها للإرهاب، للدرجة التي تنزلق فيها إلى دعم الإرهاب وتمويله، أو حتى تشجيعه بالعتاد والتعداد، ففي السنوات السابقة، قامت فرنسا بترحيل عدة إرهابيين كانوا ناشطين ضمن تنظيم الجماعة الإسلامية المسلحة “الجيا”، بعدما تبين لها تورطهم في دعم الإرهاب بالجزائر، وخطورتهم على الأمن القومي الفرنسي، و وجد الكثير من أولئك الإرهابيين الفرصة للفرار نحو أوروبا والعودة مجددا إلى المشاركة في العمل الإرهابي في المنطقة.
من الطبيعي أن يعيش النظام الفرنسي في هذه المرحلة بين مطرقة أخطائه وسندان دعمه لتنظيم “داعش” الذي ساهم بتعزيز ارتباك دول المنطقة، وانعكاس ذلك على الداخل الفرنسي، ومع ذلك استمرت فرنسا بدعمها للفوضى وعدم الاستقرار في سورية، إلا أن ارتداد الإرهاب على فرنسا ازداد بعد الهجوم الإرهابي الذي حدث في قلب كنيسة نوتردام، وقبل ذلك مقتل المدرس صمويل باتي، الذي قُطع رأسه بالقرب من مدرسته خارج باريس، فالأرقام تبيّن أن فرنسا هي أكثر دولة تعرّضت لهجمات إرهابية في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، إذ شهدت حوالي 18 هجوما، أبرزها الهجوم علي شارلي ابيدو عام 2015 وهجمات باريس خلال نوفمبر من السنة ذاتها، وهجوم يوليو 2016 في مدينة نيس، وهجوم ستراسبوغ 2018، وكلها خلفت قتلى وجرحى وارتكبها منتسبون لتيارات جهادية، وإنطلاقاً من ذلك يمكن القول أن هناك عامل جديد دخل إلى معادلات الداخل الفرنسي وهو الإرهاب بكل أبعاده والذي بدء يضرب فرنسا .
في سياق متصل طرحت الاعتداءات التي تعرضت لها فرنسا في الفترة الأخيرة أسئلة حول الأسباب التي تجعل باريس هدفا مركزيا لهجمات الإرهاب، وهنا يمكن القول أن الانعزال الذي تعيشه الجاليات المسلمة في فرنسا، إذ يتركز الكثير منها في أحياء هامشية ترتفع فيها معدلات البطالة ويكثر فيها الانقطاع عن الدراسة ويشكّل فيها السكان مجموعات منعزلة عن الثقافة الفرنسية، وازدادت الظاهرة استفحالاً بانتشار الإسلاموفوبيا في البلد، بالإضافة إلى المشاركة الفرنسية التي ساهمت في دحر تنظيم داعش الإرهابي، التي فتحت الباب أمام الجهاديين للانتقام، خصوصا في ظل دولة عانت من ثغرات أمنية واضحة ، وبذلك يتوقع الخبراء هجمات أخرى على أراضي فرنسا التي وفرت تربة خصبة للتنظيم أزالت الصعوبات أمام تجنيده عناصر جديدة.
ولعل أخطر ما في هذه الجرائم الأخيرة هو دلالتها الكاشفة عن استمرار خطر التنظيمات الإرهابية التي تمارس العنف وتحرض عليه، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي خرجت جميع التنظيمات الإرهابية والمتطرفة الأخرى من عباءتها وتأثرت بفكرها بشكل أو بآخر، لذلك لا بد من تعزيز التعاون الدولي في مواجهة جرائم الكراهية والتطرف التي تنشرها تنظيمات الإسلام السياسي وغيرها من التنظيمات المتطرفة عبر العالم بما فيها قوى اليمين المتطرف. بالإضافة إلى التحرك الفرنسي والغربي لحظر تنظيمات الإسلام السياسي المتطرفة ولاسيما تنظيم الإخوان، الذي بدأت الدول الغربية تكتوي بنيران تطرفه، ولا بد من احترام قدسية الأديان والرموز الدينية لأن التعرض لها يؤجج عوامل الكراهية والتطرف ويخدم مصالح المتطرفين.
مجملاً… تبرز الأحداث الأخيرة التي شهدتها باريس إن الإرهاب والتطرف ما زالا يمثِّلان تحدياً جدياً، رغم التدابير المتخذة، والآن وعلى ضوء التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة فإن فرنسا أمام وضع من إثنين إما أن تقر بأن الإرهاب ليس سلاحاً يعتمد عليه وهو يرتد على من يحمله، وعند ذلك تنخرط في حرب عالمية حقيقية جدية ضد الإرهاب كما تفعل سورية وحلفاؤها، أو إنها تستمر في الازدواجية والتغطية وتبقى ضحية لهذا الإرهاب.
التعليقات مغلقة.