اتفاق “أبراهام” الإماراتي التطبيعي .. شرعنة السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى
يُدنس المسجد الأقصى المبارك بين الفينة والأخرى، لكن هذه المرة ليس بسبب اقتحامات المستوطنين بحماية جنود الاحتلال، وحسب، وإنما بمجيء عرب يدخلون خلسة في غفلة عن أعين المقدسيين، وبحماية جنود الاحتلال أيضا.
فبعد استقبال المقدسيين “المُذل”، للناشط الإعلامي السعودي “محمد سعود” أواخر الشهر السابع من العام الماضي، والتي تعرض فيها لإهانة غير مسبوقة، وذلك على خلفية زيارة وفد عربي تطبيعي لدولة الاحتلال، لم يعد أمثاله من المطبعين العرب يجرؤون على دخول المسجد الأقصى إلا بعد إفراغ المسجد من العدد الأكبر من المصلين.
ويدرك المقدسيون أن محاولات الاحتلال تغيير هوية المسجد الأقصى، تمهيدا لسلبه من المقدسيين لا تقتصرعلى الاقتحامات المتكررة لقطعان الصهاينة فقط، إنما من خلال شرعنة هذا المخطط الخبيث بتواطؤ أنظمة عربية.
ويرى خالد زبارقة، الباحث المتخصص في شؤون القدس والمسجد الأقصى، في حديث لـ”قدس برس”، أن “تسارع عملية التطبيع يساهم في تهويد القدس والمسجد الأقصى المبارك، وأن الأساس فيها الوصول إلى بناء الهيكل المزعوم، وتفريغ القدس من الفلسطينيين المسلمين”.
وأشار إلى أن “دولة الامارات تقوم بدور ينسجم مع سياسات الاحتلال الإسرائيلي، منذ العام 2014، عندما ساعدت مؤسسات استيطانية، في السيطرة على ما يقارب خمسين شقة في سلوان، وتحويلها إلى مؤسسات استيطانية”.
وأضاف، “حاول النظام الاماراتي في العام الماضي السيطرة على أحد العقارات الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك، من جهة باب الملك فيصل، إلا أن يقظة الفلسطينيين والمقدسيين حالت دون ذلك”.
وأردف، “نحن نراقب السلوك الإماراتي في منذ ذلك الحين، ومحاولاته التسلل للقدس والمسجد الأقصى المبارك عبر قنوات رجال الأعمال، بالتواطؤ مع رجال أعمال فلسطينيين، للأسف باعوا ذمتهم للنظام الإماراتي”، وفق زبارقة.
الإمارات ومخطط أبراهام
وحذر “زبارقة” من أن “النظام الاماراتي يسعى للوصول إلى هدم المسجد الأقصى المبارك وتغيير معالمه وتغيير هويته”.
وأوضح أن البناء الذي أنشأ في الامارات، وسمي “بيت أبراهام”، يندرج ضمن خطة صهيونية، تسعى من خلاله أبو ظبي إلى خلق حالة من القبول الإسلامي، بوجود صهيوني من منطلق ديني داخل المسجد الأقصى المبارك.
وأردف، “اتفاقيات التطبيع التي جرت في الأشهر الأخيرة، والتي كان آخرها مع السودان، تندرج ضمن مخطط اتفاقية أبراهام، التي تعتمد الروية الصهيونية الدينية بكل مركباتها، بما يخص القدس والمسجد الأقصى المبارك، ولذلك فإن الاتفاقية (أبراهام) تهيئ الظروف للسيطرة الصهيونية، على المسجد الأقصى المبارك”.
ووقعت الإمارت و”إسرائيل” اتفاقا في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، لتطبيع كامل للعلاقات بين البلدين، تبعه سلسلة من الاتفاقات الاقتصادية في مختلف المجالات.
وأضاف، “واضح أننا نمر بمرحلة خطيرة جدا، واحتلال للوعي العربي في كل مكان، والذي يجابه من قبل المقدسيين الذين يعملون على تصحيح البوصلة وإعادة توجيه الوعي العربي بالاتجاه الصحيح، ولولا المرابطون الثابتون على أعتاب القدس، لما بقي قدس ولا بقي المسجد الأقصى المبارك”.
وتابع: “نحن لا نعرف كيف يمكن أن تتطور الأحداث الشعبية في القدس، لكن عودتنا القدس والمسجد الأقصى المبارك، أنه محرك للمشاعر الدينية والاجتماعية، والفلسطينيون لا يقبلون الضيم والظلم ولن يقبلوا أن تمس مقدساتهم، وهم الذين أجبروا المحتل على التراجعٍ في السنوات الخمس الأخيرة، في انتفاضة السكاكين 2015، وفي هبة باب الأسباط 2017 وفي هبة باب الرحمة عام 2019”.
بدوره، حذر زياد ابحيص، الباحث المتخصص في شؤون المسجد الأقصى، في حديثه لـ”قدس برس” أن الاحتلال يسعى إلى توظيف دخول العرب من بوابته عنواناً لإضفاء المشروعية على تهويد المسجد الأقصى المبارك كما أقرته صفقة القرن، وكما أقره اتفاق أبراهام كذلك، وهذه التغييرات بشكل أساس هي أربعة تغييرات:
الأول: إضفاء المشروعية على السيادة الصهيونية على المسجد الأقصى، باعتبارها شرعية ونهائية، وهو ما يمهد الطريق نحو إنهاء وجود الأوقاف الإسلامية أو تحويلها إلى سلطة تقنية تحت سقف الإرادة الصهيونية.
الثاني: إعادة تعريف المقدس الإسلامي، باعتباره المسجد القبلي، ذا القبة الرصاصية فقط، أما بقية المساحة المسورة التي تشكل 98% من مساحة الأقصى فهي مختلفة عن الأقصى بزعمهم وتشكل “حرما شريفا” كما تنص صفقة القرن أو “جبل الهيكل” يهودياً، وهي منطقة يجب أن تكون مفتوحة لجميع الديانات.
الثالث: السماح لليهود بأداء كامل الطقوس في المسجد الأقصى المبارك، باستثناء المسجد القبلي، ذي القبة الرصاصية فقط.
الرابع: تقييد العبادة الإسلامية بشرط “السلمية”، ما يجعل السلطة الصهيونية تمتلك الحق في تقييم سلوك المصلين المسلمين، وفرض ما تراه من إجراءات للحفاظ على سلميته من وجهة نظرها.
وأضاف، “يحلم قادة الاحتلال باستقبال 250 ألف زائر عربي، يقتحمون الأقصى من البوابة الصهيونية، والوصول لمثل هذه الأعداد يتطلب انخراط قطاع جماهيري واسع من العرب والمسلمين في أجندة إعادة تعريف الأقصى، وفق المقاس الصهيوني”.
وعن الدور الخليجي، أوضح أن هناك توزيعاً للأدوار، فالقيادة الإماراتية تتولى إضفاء المشروعية السياسية على أجندة التطبيع وتهويد الأقصى، لكنها تحيل المهمة الأسوأ والأكثر تلويثاً إلى البحرين، الطرف الأضعف في هذا التحالف العربي الصهيوني.
منوها أن المنطق الموضوعي، يقول إن: “مطار دبي هو ممر الترانزيت إلى الاحتلال وليس المنامة، والتوقف عند هذه النقطة بالتحليل يوضح أن من يقودون الطريق نحو هذه الاتفاقات يقبلون عليها بأيدٍ وقلوبٍ مرتجفة، وأنهم رغم كل الصلافة التي يظهرونها، ما زالوا يخشون ارتداداتها العملية والأمنية، ولذلك يحيلون المهمات الأسوأ والأكثر تورطاً إلى غيرهم”.
المسجد الأقصى وحظوظ نتنياهو الانتخابية
ويرى “ابحيص” أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أدرك منذ الانتخابات السابقة في 2015، أن الصعود اليميني وصل ذروته، ولم يعد يزداد، وهو ما ينذر بأن التغيير القادم داخل كتلة اليمين ذاتها، وأن القيادة قد تنتقل منه إلى منافسه الأكثر تطرفاً، “نفتالي بينيت”، ولذلك أخذ ينتقل هو بالليكود نحو مواقف أكثر تطرفاً، وأخذ يحرج “بينيت” وحزبه ويحشرهم في الزاوية كي لا يتشكل بديلا لخلافته”.
وأشار إلى تحالفه مع حزب “الهوية”، الذي يقوده موشيه فيغلين، أحد قادة جماعات الهيكل عام 2018، وتسهيل الاقتحامات وزيادة أعداد الاقتحامات وتوفير إرشادات بالعبرية لهم، وتوسيع قدرتهم على أداء الطقوس الموضوع المركزي لهذا التحالف.
هل سيتمكن الاحتلال من فرض أمر واقع جديد في المسجد الأقصى
يقول “ابحيص” إنه “إذا ما تجددت معادلة الفعل الشعبي المقدسي، فلن يكون الوضع الحالي إلا حالة تهويلٍ عابرة ومؤقتة، وعلينا ألا نستسلم لها أو نستكين أمامها”.
وأشار إلى أن الاحتلال استعان بغطاء أمريكي صريح وكامل منذ شهر 12-2017، وقرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، متسائلا، ما الذي يمكن لقوة البحرين والإمارات أن تضيفه لقوة الولايات المتحدة والصهاينة؟ وهل حقاً هناك ما يعجز عنه الأمريكان والصهاينة معاً، تستطيع حكومات تمضي بعكس إرادة شعوبها بحجم الإمارات والبحرين فرضه؟”
وأكد أن “لجوء الولايات المتحدة إلى حكومات الإمارات والبحرين، لفرض ما لم يتمكن المحتل الصهيوني من فرضه بغطاء أمريكي كامل، إقرار بالعجز أمام الإرادة الشعبية، وتعويل على إضعافها من الداخل، لعل طعنة القيادات العربية تكسرها وتفت في عضدها”.
التعليقات مغلقة.