فرنسا، الإرهاب يرتد على رعاته / الطاهر المعز

 

الطاهر المعز ( الثلاثاء ) 17/11/2015 م …

إن ما حدث ليلة الجمعة 13/11/2015 في باريس يعتَبَرُ جرائم إرهابية، بلا شك، ولكنها تعتبر كذلك “تأثيرا جانبيا” لسياسة حكومات فرنسا (يمينها ويسارها)، على الصعيدين الدّاخلي والخارجي.

إن التضامن مع أهالي الضحايا، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في سياسات الدولة الفرنسية، والتنديد بالإرهاب، لأنه بطبيعته “أعمى” ويستهدف أي إنسان، ويساوي بين الحاكم والمحكوم، بين مهندسي السياسة وبين من يعانون من نتائج هذه السياسة، لا يمنعنا من وضع الحدث في سياقه، والإبتعاد عن ترديد الدعايات التي يروجها الإعلام السائد، الذي يفرّق بين الضحايا، فإذا كانت الضحية سورية أو فلسطينية أو يمنية أو عراقية أو ليبية، فإنها لا تستحق الذكر وإن ذُكِرت فلا تستحق سوى بعض السطور في الصحف أو بعض الثواني في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ولا تستحق ثلاثة أيام (أو حتى بضع ساعات) من الحداد “الوطني”، أما إذا كانت الضحية أمريكية أو أوروبية، فإن الأمر يختلف، وتتوقف الأرض عن الدوران، عند لحظة تنفيذ العمل الإرهابي، ويرسِلُ حكام العالم والمنظّمات “غير الحكومية” ومثقفو البلدان المستعمَرة أو المهيمَن عليها برقيات وبيانات تنديد بالإرهاب ومساندة لشعب أمريكا أو فرنسا أو بريطانيا، في حين لا يستحق اغتيال جريح فلسطيني تحت العلاج في مستشفى في فلسطين، أو حرق عائلة فلسطينية أو منع المُسعِفين من معالجة ضحية جندي صهيوني، بعض اهتمام هؤلاء “المُتَمُدّنين” والمُتَحَضّرين”، الذين نصّبوا أنفسهم أبطالا في مجال الدفاع عن “حقوق الإنسان”… (تعرّضت سابقا، إلى مثل هذه النقاط في مقال عن اغتيال صحافيين فرنسيين في مقر صحيفة “شارلي هبدو” في باريس، خلال شهر كانون الثاني/يناير من هذا العام 2015، عندما دعت الدولة الفرنسية إلى مظاهرة ادعت انها ضد الإرهاب، وكان رئيس حكومة العدو الصهيوني في مقدمة المشاركين)    

إن التنظيمات الإرهابية هي عموما من صنع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي (ألمانيا وبريطانيا على وجه الخصوص في أوروبا) وسبق أن أعلن وزير خارجية فرنسا (الصهيوني) “لوران فابيوس” ان “النصرة تقوم بعمل جيد في سوريا”، وللتذكير، تعلن “جبهة النصرة” انها فرع “القاعدة” في سوريا، وللتذكير أيضا، فإن الولايات المتحدة أسست وشجعت وموّلت “القاعدة” في أفغانستان، ومنذ قرابة عام ونصف، أعلنت أمريكا وحلفاؤها من الحلف الأطلسي ومن خارجه “الحرب على داعش”، ولكن كلما طالت هذه الحرب كلما تمددت “داعش” وتوسعت رقعة هيمنتها على أراضي العراق وسوريا، خصوصا في المناطق الغنية بالمياه والنفط، وكلما أصبح سلاحها أكثر تطورا، مثل سلاح “أرض جو” الأمريكي الصنع الذي تبرعت به السعودية للإرهابيين في سوريا (كما اشترت سابقا صوريخ “ستنغر” الأمريكية وتبرعت بها لفرق الإرهاب في افغانستان)، ولكن تقهقرت “داعش” وأخواتها في سوريا، خلال أسبوعين من تدخل سلاح الجو الروسي، الذي ينفّذ عمليات إسناد للجيش السوري، ما أثار احتجاجات وسخط وتنديد الولايات المتحدة وأذنابها في أوروبا وكندا واستراليا، واعتبرت مشيخات السعودية وقطر التدخل الروسي (بموافقة حكومة سوريا) عدوانا وحتلالا، فيما تعتبر العدوان الأمريكي (بدون موافقة الحكومة السورية) تحريرا وإسنادا “للمجاهدين” (تبرّكا بمجاهدي افغانستان الذين أصبحوا “قاعدة” و”نصرة”)…

ساهمت الدول الامبريالية في ترويج خطاب ودعاية المنظمات الإرهابية وتسهيل قدوم واستقرار آلاف الإرهابيين (مع عائلاتهم) من كافة بقاع العام، وخصوصا من القوقاز والشيشان، ونشرت صحف أمريكية وبريطانية معلومات (سربتها المخابرات) عن نية الولايات المتحدة والسعودية إرسال هؤلاء إلى روسيا، بعد تقسيم سوريا والقضاء على الدولة فيها، كما نشرت نفس المصادر أخبارا عن توظيف “داعش” مرتزقة محترفين في المجالات العسكرية والصناعية (النفط) برواتب مغرية، اجتذبت شبانا عرب، ذوي خبرات في هذه المجالات، ولكنهم عاطلون عن العمل في بلدانهم

تتمثل بعض أخطار إنشاء ودعم المنظمات الإرهابية، في رفضها (بعد تصليب عودها) التقيّد بأهداف أولياء نعمتها، وقد تصبح  خارج السيطرة وفي حال المجموعات الإرهابية في سوريا، باتت تمتلك هامشا واسعا من الحركة يمكّنها من تجنيد الإرهابيين “القاعديّين” (أي المنفِّذين، المتبرِّعين بأجسادهم في عمليات انتحارية بالأحزمة الناسفة)، إضافة إلى ذوي المهارات والخبرات، داخل البلدان التي كان لها الفضل في تأسيسها ورعايتها، وهو ما حصل في فرنسا (مثل غيرها) ويعتبر ما حصل في باريس يوم 13 تشرين الثاني 2015 نتيجة لذلك، إضافة إلى عوامل أخرى

تُعتبر هذه العمليات الإرهابية داخل دول “المركز” (أي الرأسمالية المتطورة مقارنة ب”المحيط” أي الدول الواقعة تحت الهيمنة) من “التأثيرات الجانبية” للحروب العدوانية والاحتلال وتدمير الدول، وتحويل الصراع الوطني والقومي والطبقي إلى صراع ديني وطائفي ومذهبي وعرقي وقبَلِي وعشائري (أي إلى ما دون الحقبة الرأسمالية وما دون وجود الدولة المركزية)، وكانت ألمانيا وبريطانيا تشجع وتستقبل منذ عقود زعماء وكوادر الحركات الإسلامية المتطرفة، وادّعت حكومة فرنسا (في عهد رئاسة “الإشتراكي” فرانسوا ميتران) ان المنظمات الإرهابية في الجزائر في عقد التسعينات من القرن العشرين يناضلون من أجل الديمقراطية، وروجت الحكومة آنذاك ووسائل الإعلام صورة ضبابية عن واقع الصراع بشكل تتساوى فيه قوات الجيش والدرك مع فيالق الإرهاب، ما أدخل البلبلة في صفوف التقدّميين، كما تصنّف حكومة فرنسا الحالية عددا من المنظمات الإرهابية في سوريا ب”المعارضة المعتدلة” (قد تكون “جبهة النصرة” تنظيما معتدلا في نظر الوزير الصهيوني الفرنسي للخارجية “لوران فابيوس”)

ساندت حكومات أوروبا (يمينها ويسارها) دكتاتوريات العالم، بل كانت أوروبا (وأمريكا) تحمي كافة الحكام الدكتاتوريين في افريقيا والوطن العربي (إضافة إلى امريكا الجنوبية وآسيا)، وساعدتهم في تنفيذ الإنقلابات ونصّبتهم في مراكزهم، مقابل نهب خيرات هذه البلدان، التي انتشرت فيها البطالة والفقر، كما أشعلت الحروب الأهلية في البلدان الغنية بمواردها (نيجيريا وأنغولا وموزمبيق…) منذ استقلالها، والحروب مع الجيران، ولكن نفس هذه الدول الأوروبية ترفض دخول ضحايا حروبها إلى أراضيها، كما ترفض دخول من أفقرتهم شركاتها متعددة الجنسية، وتريد أن تختار الشباب المتعلم ذوي المؤهلات والخبرات، ممن أنفقت عليهم بلدانهم ملايين الدولارات بهدف تربيتهم وعلاجهم وتعليمهم، حتى أصبحوا شبّانا متخرّجين من جامعات شيّدتها الشعوب الفقيرة بعرقها ودمائها، لكنهم لا يجدون عملا في بلدانهم، فيهاجرون إلى أوروبا وأمريكا (وغيرها) للعمل دون مؤهلاتهم وبأجور تقل بنسبة تفوق 35% عن رواتب زملائهم من الأوروبيين في نفس المهنة وبنفس الخبرة، بحسب منظمة التنمية والتطور الإقتصادي (OCDE)

أدّت السياسات العنصرية الرسمية (أي عنصرية أجهزة الدولة) في أوروبا ضد المهاجرين (خصوصا العرب والأفارقة) وأبنائهم الذين ولدوا وكبروا في فرنسا إلى تهميش نسبة هامة من السكان، وحشرها في ضواحي وأحياء يجتاحها الفقر والتهميش، ما حوّلها إلى هدف ومرتع للمنظمات الإرهابية أو الأصولية (الإسلام السياسي)، فيما أدت الأزمة الإقتصادية إلى تنامي قوى اليمين المتطرف والعنصري، ومواقفها هي طبقية ومعادية للفقراء بشكل أساسي، قبل أن تكون معادية للمهاجرين أو العرب أو المسلمين، لكن بما انهم فقراء وفريسة سهلة، تستخدم قوى اليمين المتطرف (كما بعض الحكومات) التهجم والإفتراء عليهم لبلوغ سدة الحكم، باستعادة الخطاب الإستعماري الموروث عن القرن التاسع عشر، وتساهلت مختلف الحكومات مع الأكاذيب والإيديولوجيات العنصرية التي يروجها اليمين المتطرف، ليتحول إلى “أحزاب سياسية عادية مُحتَرَمَة تنافس ديمقراطيا على السلطة”، وقَوِيَ نفوذ هذه الأحزاب منذ أكثر من ثلاثين سنة، حتى حكمت أو شاركت في حكم عدد من البلدان الأوروبية، منها هولندا وبلجيكا والنمسا وإيطاليا، وكرواتيا وبولندا والمجر وأوكرانيا، وتعززت مواقعهم في بلدان أخرى مثل فرنسا وألمانيا وسويسرا والدنمارك والنرويج والسويد، وارتفع عدد ممثليها من النواب في البرلمان الأوروبي الخ، وأصبح اليمين “المعتدل” الحاكم أو الذي كان حاكما أو ينافس من أجل الحكم، مثل حزب “ساركوزي” وحزب “ميركل” وحزب المحافظين في بريطانيا واليمين الحاكم في اسبانيا، وكذلك أحزاب “اليسار” المزيف مثل الحزب الإشتراكي الفرنسي والإئتلاف الحاكم في إيطاليا، يهاجم علنا العرب والمسلمين ويدّعي ان الحضارة الأوروبية متفوقة على غيرها وان “العرق الأبيض” متفوق على بقية الأعراق، وهي النظريات الفاشية التي انتشرت في أوروبا أثناء الفترة الإستعمارية وأثناء صعود الأحزاب الفاشية والنازية، وفي فرنسا بالذات، وقبل عشر سنوات (تشرين الأول/اكتوبر 2005) ثار شباب الأحياء والضواحي الفقيرة في كافة أرجاء فرنسا لأكثر من أسبوعين، وجابهت الدولة الشبّان المنتفِضين بالقمع والقتل (مع تبرئة القضاء للقاتلين) فيما تجاهلهم اليسار والنقابات و”المجتمع المدني”، وقبل ذلك بسنوات (1983) انتفض أبناء المهاجرين العرب “بأسلوب حضاري”، ونظّموا مسيرة جابت فرنسا من جنوبها إلى شمالها (من مرسيليا إلى باريس)، مطالبين ب”المساواة في الحقوق” (في بلد “حقوق الإنسان” !) ولم ينالوا شيئا، بل استقبلهم “فرانسوا ميتران” وأمر الشباب بالتجرّد من “الكوفيات” الفلسطينية قبل الحديث معهم، لأنها “رمز الإرهاب”، ثم أسس الحزب “الإشتراكي” منظمة للإلتفاف على مطالب هذه الفئة من المواطنين الشبان، غير المُحَنّكين في مجال السياسة والتنظيم، وفي 17/10/1961 نظم الجزائريون في باريس (الذين يعتبرهم القانون فرنسيين غصبا عنهم) مسيرة سلمية احتجاجا على حالة الطوارئ وحظر الجولان ضد الجزائريين فقط، وقتلت الشرطة الفرنسية خلال هذه المسيرة نحو 200 وألقت بعدد منهم في نهر “السين” ليموتوا غرقا (سألهم رجال الشرطة قبل ذلك إن كانوا يحسنون السباحة فأجابوا بالنفي)، واعتقلت شرطة باريس (التي كان يقودها “موريس بابون” المتعاون مع الإحتلال النازي أثناء الحرب العالمية الثانية) نحو 12 ألف جزائري من المتظاهرين، حُشِروا في محتشدات وفي قاعات رياضة في باريس وضواحيها…

لم تراجع الحكومات الفرنسية المتعاقبة (والأحزاب المتداولة على الحكم) السياسة الإستعمارية الفرنسية، ولم تعتذر أو حتى تعترف ب”أخطاء” هذه السياسة، بل تبالغ حكومات فرنسا المتعاقبة (إلى جانب ألمانيا وهولندا) في مساندة الكيان الصهيوني، كقوة استعمارية أوروبية الأصل (اشكنازية) ولا تنشر الصحف الفرنسية أخبار حرق الصهاينة للفلسطينيين (منهم الأطفال) ولا اغتيالهم في ديارهم وحتى في المستشفيات، ولا تصف الحكومة أو الأحزاب الحاكمة والمعارضة ولا وسائل الإعلام، اغتيالات الصهاينة ب”الإرهاب”، بل تصف مظاهرات الفلسطينيين ودفاعهم عن وطنهم وأرضهم وأعراضهم ب”الإرهاب”، وتساند فرنسا العدوان السعودي (وما السعودية سوى أداة تنفيذ) على شعب اليمن، وتشترك معها في العدوان على سوريا، حيث مواقف حكومة فرنسا “الإشتراكية” أكثر تطرفا من موقف الولايات المتحدة، كما كانت فرنسا رأس حربة العدوان على ليبيا، وتمتدح قدرة أسلحتها على التدمير

ساهمت حكومات فرنسا (خصوصا حكومة ساركوزي اليمينية وحكومة هولند “الإشتراكية”) في خلق أزمات في افريقيا وفي الوطن العربي، وخرّبت وقسّمت عددا من البلدان (مالي وافريقيا الوسطى والصومال وليبيا وسوريا، وقبل ذلك في افغانستان ويوغسلافيا…)، ما حوّل جزءا هاما من شعوب هذه البلدان إلى نازحين ولاجئين، وأطاحت فرنسا بحكومات في افريقيا، دفاعا على مصالح بعض الشركات (مثل “توتال” و”آريفا” ومجموعة “بويغ” ومجموعة “بللوريه”، صديق ساركوزي) ضاربة عرض الحائط بحقوق الشعوب وبحقوق الإنسان التي يعاد ذكرها على مسامع العالم بمناسبة وبغير مناسبة، في حين يعاني عمال وفقراء فرنسا وشبابها من ارتفاع نسب البطالة والفقر والأمراض، وغيرها من المشاكل مثل صعوبة الحصول على سكن وعلى الرعاية الصحية الخ

بدلا من مجابهة المشاكل الحقيقية التي تثبتها البيانات الرسمية، كرّست حكومة الحزب “الإشتراكي” جهودها من أجل إلغاء ما تبقّى من القوانين التي كانت تحمي بعضا من حقوق العمال والأجراء، في قانون العمل، وخرّبت ما تبقى من قوانين “المظلة الإجتماعية” (التقاعد والصحة وتعويض المطرودين من العمل…) وخصخصت ما تبقّى من القطاع العام في قطاعات النقل والصحة والتعليم والمرافق مثل الماء والكهرباء، وانتهجت سياسة يمينية ابتهج لها أرباب العمل، وأعلن رئيس نقابة أرباب العمل “ميديف” ان هذه الحكومة حققت لهم أكثر مما كانوا يتوقعون، في مجالات عدّة منها خفض الضرائب وزيادة الحوافز وتحوير قانون العمل لصالحهم وكسر شوكة النقابات الخ، من جهة أخرى، أعلنت هذه الحكومة الحرب على الفقراء واعتمدت الحلول الأمنية والقمع ضد فئات عديدة من الشعب، منها محاكمة نقابيين مضرِبين ومحاكمة مناضلين “معتدلين جدّا” يطالبون بمقاطعة إنتاج الكيان الصهيوني، بينما زادت من المنح والحوافز للمنظمات الصهيونية، بما فيها من تعتبرها أمريكا (وحتى الكيان الصهيوني) إرهابية، مثل “ا ل دي جي”، وزجّت بالجيش في مهم حماية المؤسسات اليهودية الخاصّة (مدارس ومحلات عبادة وجمعيات، وكلها مؤسسات خاصة)، وترفض حكومات فرنسا (السابقة والحالية) البحث عن حلول اقتصادية وإعلامية وسياسية وثقافية، بهدف مواجهة الإرهاب، وأهم هذه الحلول، الكف عن شن الحروب العدوانية ضد الشعوب، بهدف تفتيت البلدان، بما فيها الأوروبية (يوغسلافيا سابقا وروسيا حاليا) وتشريد الشعوب (والفقراء منهم بوجه خاص)، وحل المشاكل الداخلية الحقيقية، بعيدا عن تقسيم العمال والفقراء على أسس اللون ومكان ولادة الوالدين والدين والعرق المُفتَرَضين…

تتحمل وسائل الإعلام والأحزاب والنقابات وما سمي “المجتمع المدني في فرنسا وفي أوروبا، قسطا هاما من المسئولية، إضافة إلى الحكومات، فهي عموما جزء لا يتجزأ من النظام (نظام الحكم الرأسمالي). كم خصّصت وسائل الإعلام الفرنسية (والأوروبية) في صحفها وإذاعاتها وتلفزيونها للضحايا الفلسطينيين منذ بدء الإنتفاضة الحالية؟ وكم خصصت لباقي الضحايا من قنابل وطائرات الجيش الفرنسي، أو من ضحايا استغلال الشركات الفرنسية لشعوب افريقيا والعالم؟ هل قطعت النقابات الفرنسية علاقاتها مع “الهستدروت” الصهيوني الذي كان رأس حربة الإستيطان الصهيوني في فلسطين، قبل ثلاثة عقود من قيام دولة الإحتلال الصهيوني، بل بالعكس، تدافع أكبر نقابة فرنسية (سي جي تي) عن “الهستدروت” وتهدد المطالبين بمقاطعتها بالطرد… كم صفحة خصّصت صحف ومواقع اليسار (الذي يدّعي الماركسية) من سطر لضحايا الجيش الفرنسي وضحايا الكيان الصهيوني؟ ما هي المنظمات السياسية والنقابية و”المدنية” الفرنسية والأوروبية التي تساند حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم؟…

فيما يخصّنا كعرب مستهدَفين من سياسة فرنسا الإمبريالية (وُمستهدَفين من القوى الامبريالية الأخرى)، من حقنا أن نقوم بجرد “موضوعي” لمواقف أصدقائنا وأعدائنا بخصوص قضايانا التاريخية (الإستعمار المباشر) والحالية (احتلال فلسطين واستغلال ونهب الشركات متعددة الجنسية، والحروب ضد شعوبنا في اليمن وسوريا والعراق وليبيا…) ووجب أن لا نكون كمن وصفهم جدّنا عبد الرحمان ابن خلدون ب”المغلوب الذي يتشبّه بالغالب” لأنه يعتقد ان انتصاره علينا دليل على تفوّقه حضاريا وثقافيا وعلميّا، وهي الأفكار التي طوّرها فيما بعدُ المناضل الوطني الجزائري “فرانتز فانون” (أصيل المستعمرة الفرنسية “مارتنيك”) لإرساء “ثقافة المقاومة” لدى الشعب الجزائري، والنضال ضد الإستعمار من أجل التحرر السياسي، والإجتماعي… من واجبنا أن نقاوم إلى آخر رمق، مع نشر “ثقافة الحياة”، بدل “ثقافة الموت” التي ينشرها الإرهاب وسط شبابنا ومجتمعاتنا… نحن نقاوم من أجل تحسين وضعنا المادي في النقابات، كما نقاوم من خلال الأحزاب والهيئات السياسية الأخرى من أجل أن ننتصر على أعدائنا الطبقيين والقوميين، ونعيش لحظة الإنتصار، وإذا ما مُتنا قبل ذلك، في ساحة النضال، فإننا نموت في سبيل هدف نبيل، ونورث الأجيال القادمة ثقافة المقاومة إلى أن يأتي النصر، وهو لا بد آت، فقد علّمتنا مبادئ ثقافة المقاومة “ما ضاع حق وراءه مُطالب”…     

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.