د. أنيس الخصاونة يكتب عن مجلس الأعيان الأردني
يتساءل الكثير من المشرعين ورجال القانون والسياسة والمواطنين عن الدور التشريعي الذي يلعبه مجلس الأعيان الأردني وعن مقاصد المشرعين الأوائل الذين صاغوا الدستور الأردني وجعلوا من مجلس الأعيان مجلس أعلى في البرلمان يتم اختيار أعضاءه وتعيينهم مباشرة من قبل الملك. ويعتقد البعض أنه ربما أن هذا المجلس جاء تقليدا لنظام المجلسين في بريطانيا وعدد من دول الكومنولث التي أخذت بهذا الأسلوب في هيكلة السلطة التشريعية حيث أن النظام البريطاني يضم مجلس العموم المنتخب ومجلس اللوردات وهو مجلس غير منتخب من قبل الشعب.
والحقيقة التي ينبغي عدم تجاهلها من قبل أنصار ومؤيدي بقاء مجلس الأعيان الذين يتخذون من المثال البريطاني في مجلس اللوردات مبررا لاستمرار هذا المجلس أن مجلس اللوردات البريطاني ليس له دور مهم في الحياة التشريعية البريطانية، وليس له أي صلاحيات أو اثر على تشكيل الحكومة، وليس من حقه أن يعيق إصدار مشروعات القوانين المالية – أي القوانين المتعلقة بالإيرادات أو المصروفات – وسلطته على مشروعات القوانين محدودة، فإذا أجاز مجلس العموم قانونا ورفضه مجلس اللوردات فانه يصدر بناء على تصديق ملكي بعد مهلة مدتها عام، وأن عددا كبيرا من أعضاء هذا المجلس (النبلاء) يتمتعون بلقب لورد ويتوارثونه وقد أفادت بعض التقارير غير المؤكدة أن هذا اللقب أحيانا يباع ويشترى. بمعنى آخر فإن هذا المجلس لا دور ولا قيمة له في الحياة التشريعية وأصبحت العضوية فيه عبارة عن لقب اجتماعي فقط كما أن هناك جدل في بريطانيا لإعادة النظر في هذا المجلس وطريقة تشكيله ولذلك فإن الاستمرار في الأخذ بالتجربة البريطانية غير الناجحة لم يعد مفيدا أو مبررا.
وفي الوقت الذي يعتقد البعض أن مجلس الأعيان يسمح بحشد الكفاءات والخبرات التي يمكن أن تثري البرلمان بالآراء والرؤى التي ترفع من سوية التشريعات المختلفة فإن ذلك ربما كان مجديا عند صياغة الدستور في الخمسينيات من القرن المنصرم عندما كانت نسبة الأمية تنوف عن 80% من السكان وعندما لم يكن بالإمكان ضمان أن يكون النواب المنتخبين من قبل الشعب على مستوى رفيع من القدرة والكفاءة على الانخراط في عمل نيابي تشريعي بمستوى رفيع.
أما الآن وبعد سبعون عاما على وضع الدستور وبعد تغير الواقع الاجتماعي والسياسي والتعليمي للمجتمع الأردني فقد أصبح دور مجلس الأعيان في الحياة التشريعية دورا ضئيلا إن لم يكن معدوما نظرا لكونه مجلسا معينا مما جعله واجهة لتأييد مواقف الحكومة، كما أصبح هذا المجلس ذا طابع بروتوكولي وجلساته يغلب عليها الأجواء الممالئة للحكومات وسياساتها وتوجهاتها.
كما أصبح مجلس الأعيان واجهة ليس لحشد الخبرات والكفاءات التي لا ترغب في الترشح للانتخابات النيابية نظرا لصغر حجم العائلات التي ينتمي إليها هؤلاء، أو لعدم توفر الدعم الشعبي لهم ولكن أصبح واجهة لتمثيل يستند لأسس قبلية أو عشائرية أو ولاءات سياسية أو مكافآت لعناصر معينة أو مناكفة بعناصر معارضة أخرى.
لقد أصبح مجلس الأعيان في خارج سياقه وأهدافه وتحول إلى أقرب ما يكون إلى لجنة كبيرة ليس هناك الكثير أو القليل من القواسم المشتركة بين أعضائها لا من حيث الخلفيات ولا التأهيل والخبرات ولا على أسس القدرة على التشريع وسن القوانين. والسؤال الذي يطرح نفسه ما الفائدة من هكذا مجلس؟ والإجابة على هذا السؤال لا شيء إلا مزيدا من النفوذ للحكومة في توزيع الجاه والسلطة والألقاب والامتيازات ما ظهر منها وما بطن بحيث يتسابق كثيرون لنيل هذا الموقع والأبهة والبريق الاجتماعي والرواتب.
والحقيقة أن عدد من أعضاء مجلس الأعيان الذي يحتفلون هذه الأيام باختيارهم لعضوية المجلس الأعلى في البرلمان الأردني ربما لا يمتلكون الخبرات والكفاءات الكافية التي تؤهلهم للقيام بدور تشريعي يحدد ملامح الحياة السياسية والتطور السياسي في المملكة؟
نعتقد بأن مجلس الأعيان الأردني عمليا هو مجلس”بريستيج” أكثر من كونه مجلس تشريع، ومجلس جاه ووجاهة وألقاب أكثر من كونه مجلس شورى وقانون. مجلس الأعيان مجلس لا فائدة تشريعية ترجى منه وينبغي أن يخرج من دائرة السلطة التشريعية إما بإلغائه أو استبداله بمجلس منتخب مباشرة من قبل الشعب، ويمكن تحويله في حالة رغبة الحكومة إلى مجلس استشاري أعلى في الديوان الملكي ولكن دون أي علاقة له بالسلطة التشريعية.
الشعب الأردني يستحق مستوى أكثر تقدما وأكثر رفعة ورقيا من مؤسسات العمل التشريعي والممارسة الحقيقية للديمقراطية من الهيكلية الحالية لمؤسسة البرلمان. نعم مجلس الأعيان مجلس لا حياة فيه ولا منفعة تشريعية ترجى منه وحاله كحال المكروه والمنهي عنه في الشرع والدين حيث أن ضرره للمجتمع أكثر من نفعه.
التعليقات مغلقة.