هل يعفو بايدن عن ترامب كما فعل فورد مع نيكسون؟ / داود عمر داود




داود عمر داود ( الأردن ) – الإثنين 9/11/2020 م …

*ترامب يطالب بالعفو
تطورات المشهد السياسي الأمريكي، تشبه إلى حد كبير أفلام الإثارة والتشويق التي تنتجها هيولوود. فخلال الأيام الماضية، تسمر الناس أمام الشاشات لمتابعة نتائج التصويت، إلى أن أُعلن عن فوز جو بايدن على الرئيس الحالي دونالد ترامب. لكن ذلك تزامن مع مفاوضات ومناورات، قيل انها جرت وراء الكواليس، حول ما يتردد أن ترامب يطالب بعفو عنه، عن أية مخالفات قانونية ارتكبها خلال فترة رئاسته. وهو يستخدم عدم الإقرار بخسارة الانتخابات كوسيلة ضغط، للوصول الى غايته. ويعرض أن يكون ثمن العفو أن يقر بالهزيمة، وأن يغادر البيت الأبيض بشكل اعتيادي، كمن سبقوه في منصب الرئاسة.

الحزب الجمهوري يدعم العفو عن ترامب
وقد ترددت أخبار، مصدرها أوساط مطلعة في الحزب الجمهوري، انه إذا لم يستطع التوصل الى صفقة للعفو، مع الرئيس الجديد، فإن لدى ترامب سيناريو بديل، وهو أن يستقيل، قبيل أيامٍ من انتهاء ولايته، التي تنتهي رسمياً في 20/1/2021، ليتولى الرئاسة نائبه مايك بنس، فيُصدر عفوا رئاسياً عن ترامب شخصياً وعن أفراد عائلته، بمن فيهم زوج ابنته جاريد كوشنر، تشمل أية مخالفات ارتكبوها منذ أن دخلوا البيت الأبيض.

ترامب مرعوب من احتمال دخول السجن
تتحدث السيناريوهات المطروحة عن سعي ترامب للحصول على عفو بأي ثمن، وعن صفقة يجري الحديث عنها، بين المعسكرين الجمهوري والديمقراطي، لأنه مرعوب من احتمالات دخوله السجن. فبعد أن يغادر البيت الأبيض يفقد ترامب الحصانة، ويصبح مواطناً كغيره من المواطنين، ويكون عُرضة للملاحقة القضائية. وتقول مصادر الحزب الجمهوري أن بنس مستعد للقيام بمهمة الإنقاذ هذه، كي يُفلت رئيسه من قبضة العدالة. وأن أوساط الحزب تعتبر التضحية لتجنيب ترامب التعرض للمساءلة القانونية واجباً وطنياً وبطولة، تستحق الثناء. ويقول أعضاء رفيعو المستوى في الحزب الجمهوري، أن الدستور يسمح لبنس أن يعفو عن ترامب، حتى لو تولى الرئاسة لأيام معدودة. ويستشهدون بالعفو الرئاسي الذي يصدره الرؤساء، عادة في أيامهم الأخيرة في البيت الأبيض. وتؤكد المصادر أن ترامب وعائلته ارتكبوا مخالفات بالجملة، إذ كانوا يديرون البلاد وكأنها مزرعة خاصة بهم.

مؤشرات على صفقة العفو
وبالاضافة إلى ما يبوح به الجمهوريون، حول احتمال التوصل الى صفقة العفو، فإن تسلسل أحداث الأيام الاخيرة، بعد يوم الإقتراع، يشير إلى أن الحديث عن (صفقة) يمكن أن يكون حقيقاً. فبينما كانت قنوات التلفزة الأمريكية منشغلة ومندفعة في إعلان فوز بايدن في ولاية تلو الاخرى، وتمنحه أصوات المجمع الانتخابي تباعاً، إذ بترامب يظهر فجأة، الخميس، أمام مراسلي البيت الأبيض، ويلقي كلمة، معدة سلفاً، شكك فيها بنتائج الانتخابات، وبآلية فرز الأصوات، وأعلن أنه سيلجأ للقضاء للطعن في النتيجة.

وبعد ذلك تنبهت القنوات الإخبارية لخطورة اندفاعها لصالح بايدن، فأوقفت نشر النتائج، وتجمدت الأرقام على الشاشات، طوال ما تبقى من يوم الخميس، وليلة الجمعة، وطوال يوم الجمعة، وليلة السبت. وأرهق المعلقون أنفسهم في تبرير توقف نشر النتائج، متعللين ببطء الفرز، وأسهبوا بشرح ذلك. كما أخذ المراسلون، في الميدان، يبالغون في إظهار اللقطات، من مراكز الفرز، التي تُثبت نزاهة الانتخابات، ودقة الفرز، رداً على تشكيك الرئيس ترامب.

رسالة طمئنة من بايدن إلى ترامب
ثم جاء ظهور جو بايدن في اليوم التالي، الجمعة، حيث القى كلمة اتسمت بنبرة تصالحية لإعادة توحيد البلاد، وقال جملة، لفتت نظر المعلقين، وهي أن الشعب منحه (تفويضاً ليقود البلاد)، مع أن التفويض هو تحصيل حاصل لفوزه، فما الحاجة لقول ذلك إذن؟ كثيرون استوقفتهم هذه الجملة وفهموها على أن أمراً ما يجري التدبير له خلف الكواليس، وتمت قراءتها على أنها رسالة طمئنة من بايدن إلى الرئيس ترامب، (أنك يا ترامب لو التزمت بالعُرف الدارج، وقبلت الإقرار بخسارة الانتخابات، وخرجت من البيت الأبيض بدون مشاكل، فإنني سأمنحك العفو الذي تريد، عندما أتولى السلطة). وفي ذات الوقت، حملت جملة بايدن أيضاً رسالة إلى مؤيديه، الغاضبين من ترامب، بأن لا يوجهوا إليه اللوم فيما لو قام بإصدار عفوٍ عن الرئيس … فهو (مفوض) بذلك.

رسالة بايدن لم تُطمئن المستبد
قراءة ما بين السطور تفيد أن حديث بايدن عن (التفويض) كانت كلمة السر التي أدت إلى إعلان فوزه، صبيحة اليوم التالي السبت. فلم تمضي سوى ساعات حتى أعلنت كافة القنوات الأمريكية، في ذات اللحظة، فوز بايدن في الانتخابات. ثم جاء خطابه، مساء السبت، بمناسبة إعلان فوزه، فكرر العزف على وتر المصالحة الوطنية، وتوحيد البلاد، وتجاوز الانقسام والخلافات، وتهدئة خواطر المنقسم على نفسه. لكن يبدو أن رسالة بايدن لم تُطمئن هذا الحاكم المستبد، بما فيه الكفاية، فعاد ترامب وغرد يوم الأحد أنه ما يزال يعتبر الانتخابات لم تنتهي بعد.

تاريخيا: فورد أصدر عفوا عن نيكسون
هناك سابقة تاريخية يعفو فيها رئيس عن سلفه كي لا يتعرض للملاحقة القضائية. فعندما استقال الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، نتيجة فضيحة (ووترغيت)، عام 1974، قام خلفه الرئيس جيرالد فورد بإصدار عفو رئاسي عنه. وقد أُتهم فورد بأنه عقد صفقة بينه وبين نيكسون أدت إلى إصداره العفو الرئاسي. ولاستيضاح الأمر استدعى أعضاء الكونغرس الرئيس فورد، وهو زميل سابق لهم، لاستجوابه. فقدم فورد مرافعة رصينة تحت القسم، وكأنه أمام محكمة، نفى فيها أي اتفاق مسبق بينه وبين نيكسون، وبرر إصدار العفو بأنه أراد أن يخلص البلاد من ذيول فضيحة (ووترغيت) المدوية، ويطوي صفحتها للابد، وأن يركز في رئاسته على شئون الحكم، وحل المشاكل الاقتصادية، وانهاء حرب فيتنام، التي لم تكن قد انتهت بعد. وكانت النتيجة أن ذهب نيكسون في حال سبيله، وتنحى جانباً، ولم يسمع الناس منه إلا بعد عدة سنوات، حين خرج من عزلته وأجرى مقابلة تلفزيونية مع الصحفي البريطاني الشهير ديفيد فروست.

مستقبل ترامب السياسي
وغالب الظن أن جو بايدن الذي عاصر تلك الأحداث، كعضو جديد في مجلس النواب آنذاك، ربما يكون متأثرا بما فعله الرئيس فورد، ويتجه نحو إصدار عفو عن ترامب، حال تسلم مهام منصبه، لنفس المبرر الذي طرحه فورد، حتى ينسى الناس فترة حكم ترامب المضطربة، وتركز البلاد جهودها لحل مشاكل الكثيرة. إلا أن مصادر الحزب الجمهوري تؤكد أن ترامب، بعكس نيكسون، لن يختفي عن الساحة السياسية، وانه سيعود معارضاً شرساً للحزب الديمقراطي، بغض النظر عما يحصل معه، سواءً أفلت من العقاب، أم لم يفلت. وتذكر المصادر الحزبية أنه سيقود أكبر معارضة سياسية شهدتها البلاد، معتمداً على شعبيته الواسعة لدى سبعين مليوناً، أدلوا بأصواتهم لصالحه في الانتخابات الأخيرة. وتقول المصادر أن ترامب يعتقد أنه يطالب بالعفو من موقع قوة، مستنداً إلى شعبيته الواسعة، وإلى تأييد حزبه له، خاصة أن الجمهوريين ربما يحتفظون بالأغلبية في مجلس الشيوخ، مما سيعزز فرص ترامب في التفاوض للحصول على العفو الذي يريد، وكما يريد.

خلاصة القول
حالة الانقسام السياسي الحاد، التي طال الحديث عنها، في عهد ترامب، أكدتها نتائج الانتخابات الأخيرة، فقد اقتسم هو وبايدن مناصفة، تقريباً، أصوات 145 مليون ناخب شاركوا في الاقتراع، مما يوضح أن المجتمع فعلاً منقسم على نفسه. لكن الإنقسام، ليس وليد اليوم، فهو مزمن وتعود جذوره إلى خلل بنيويٍ عميقٍ، متأصلٍ في النظام الرأسمالي الأمريكي، هو سوء توزيع الثروة. حيث يقال أن 1% من الأمريكيين يملكون الثروة، فيما يعيش 99% منهم (على الفتات)، كما يحلو للرئيس السابق باراك أوباما أن يقول. وهذا ما عبر عنه الفيلسوف الايرلندي الشهير برنارد شو حين سُئل عن الرأسمالية، فأشار إلى لحيته الكثيفة، قائلاً: غزارة في الإنتاج، ثم مسح على صلعته، وقال: سوء في التوزيع. فهل يصحو الأمريكيون، يوماً، من سباتهم ليعالجوا هذا الخلل، أم يظلون منقسمين، بين من يملك ومن لا يملك، وهي حالة يعبرون عنها بجملة The Haves & The Have Nots.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.