الإنتخابات الأمريكية “شهاب الدّين أَلْعَنُ من أخيه” ( * )، أو “ما حَكَّ جِلْدَكَ غير ظفرك” / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الخميس 12/11/2020 م …

ليست العِبْرَة بالجنس أو اللَّوْن أو الدّين، إنما العِبْرَة بالمواقف وبالأفْعال




أُعْلِن يوم السّبت، السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2020، عن فوز “جو بايدن” بمنصب رئاسة الولايات المتحدة، واعتبر العديد من المُعلّقين أن وجود “كامالا هاريس” في منصب نائبة الرّئيس “انتصارًا للسود وللنساء وللتقدميين…”، لمجرد كونها امرأة ومن أُصُول غير أوروبية.

هل يُعقَل أن يُشكل الجنس واللون والدّين أساسًا كافِيًا للحُكم على مواقف وأفعال شخصِ مَا؟

أليس الدّكتاتوريون والرجعيون والمُطَبِّعُون العرب (والفلسطينيون أيضًا)، وكذلك أرباب العمل، والمُستَغِلّون لعرق الكادحين، ومُضطَهِدِي الشعوب، من نفس طينتنا وديننا وجنسنا ولوننا؟

نَشَرْتُ يوم 18 آب/أغسطس 2020 مقالاً قصيرًا بعنوان “الإنتخابات الأمريكية – كلّهم صهاينة”، ويمكن تلخيص محتواه في الفقرتَيْن القصيرتَيْنِ الموالِيَتَيْن:

بعد انخفاض شعبيته في أوساط النساء والمواطنين السّود، وفي المدن الصناعية الكبرى، عَيّن مرشح الحزب الديمقراطي “جو بايدن” مرشّحته “كامالا هاريس”، لمنصب نائب الرئيس. قَدّمها الإعلام كأول امرأة سوداء ( هي من أُسْرة مُختلطة هندية جامايكية)، لكننا كعرب نبحث عن نَصِير أو حتى “مُحايد” (إن كان هناك مجال للحياد) في أمريكا الشمالية وفي أوروبا، وفي المُستعمَرات الإستيطانية (أستراليا ونيوزيلندا وكندا…)، ولئن شكّل تعيين امرأة من أصل غير أوروبي، تطوُّرًا في عالم السياسة الأمريكي، فما يهمنا هو موقف هذه المرأة من قضايا الإستغلال والإضطهاد ومن الإستعمار والإمبريالية، وغير ذلك. 

كامالا هاريس ليست نَكِرَة أو وافِدَة جديدة، بل هي خبيرة في عالم السياسة الأمريكية، إذ شغلت منصب مدّعية عامة، ونائبة بمجلس الشيوخ عن ولاية “كاليفورنيا”، وترشّحت لتصفيات الرئاسة الأمريكية، داخل الحزب الديمقراطي (2020)، ولها باع طويل في مجال السّجالات والمجادلات السياسية، ولها خبرة كبيرة في جمع التّبرّعات من الأثرياء للحملات الإنتخابية، وكذلك للكيان الصهيوني، وهي تُمثّل (بمقاييس الولايات المتحدة) تيار “الوسط” في الحزب الديمقراطي، أي اليمين، بمقاييس أوروبا، وهي لا تتطرّق سوى نادرًا لقضايا الإضطهاد والعُنصرية، والمساواة والعدالة الإجتماعية، فهذه المواضيع غائبة عن قاموسها السياسي، لأنها تريد تعزيز علاقاتها الوطيدة بشركات التكنولوجيا، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، وصحيفة “وول ستريت جورنال”… 

لمّا شَغَلَتْ منصب المُدّعي العام، تميزت “هاريس” برفض طلبات إجراء تحقيقات عن إطلاق الشرطة النار على المتظاهرين، وقَتْل العديد من المواطنين، كما رفضت التراجع عن سجن متهمين ثبتَتْ براءتهم، وصدرت ضدّهم أحكام بالحَبْس بعد تحقيقات ومحاكمات سريعة، غير موثقة، أدت إلى سجن العديد من المواطنين الفُقراء والسود والشّبّان… 

في مجال السياسة الخارجية، يهمّنا، كتقدّميين عَرب، موقف أي سياسي (عربي أو أعجمي) من قضايانا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وفي هذا المجال، فإن “كامالا هاريس” دعمت مواقف “دونالد ترامب” المتعلقة بقضايانا العربية (والفلسطينية)، وهي متزوجة من صهيوني (سنة 2014) داعم للإحتلال الصهيوني لفلسطين، وساهمت في جمع التبرعات لصالح المُستوطنات الإستعمارية الصهيونية، وزارت المُستوطنين الصهاينة في فلسطين المحتلة، مرات عديدة، وشاركت الصهاينة في احتفالهم بالذكري الخمسين لاحتلال الضفة الغربية وغزة (1967 – 2017)، وأَبْدَعَت في مُحاباة “آيباك” (لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية)، أكبر منظمة صهيونية في العالم، وحضرت مؤتمر هذه المنظمة، في مناسَبَتَيْن على الأقل، وحاربت، ولا تزال، حركة مقاطعة الكيان الصهيوني، ووصفت حركة “ب يدي إس” (المُعتدلة والمُسالمة) ب”معاداة السامية”، وحرصت على نشر صُوَرٍ لها مع قادة المنظمات الصهيونية الأمريكية والعالمية، وأعلنت إعجابها “بديمقراطية وعدالة” دولة الإحتلال، وصرحت أنها تُعارض “أي دور للأمم المتحدة، وأي ضَغْطٍ من الولايات المتحدة على إسرائيل… (وإنها) تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، من هجمات تشنها حماس من قطاع غزة… “، وأوردت المجلة اليهودية “فوروارد” العديد من المواقف والمُمارسات الصهيونية لكامالا هاريس.

قبل إعلان نتيجة الإنتخابات، كتبت الصحيفة الصّهيونية “تايمز أوف إسرائيل” أن المُرشَّحَيْنِ الرئاسِيَّيْن (ترامب و بايدن) من الأصدقاء المُقرّبين للكيان الصهيوني، ولرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأثبت “جو بايدن”، على مدى أربعة عقود، دعمه القوي للكيان الصهيوني، بالإضافة إلى المُبالغة في خدمة أهداف الإمبريالية الأمريكية في العراق وفي سوريا، وغيرها، وكان، خلال سبعينيات القرن العشرين، يُعبّرُ عن مواقفه المُؤيّدة لسياسات الميز العنصري، وَرَفْض الاختلاط في حافلات نقل تلاميذ المدارس وغير ذلك، ولذا فإن هوية الرئيس الأمريكي تبقى ثانوية بالنسبة لنا، وكذلك هوية نائب الرئيس، رغم ادّعاء صحيفة “عالم الشّعب” (الحزب الشيوعي الأمريكي، وشيوعيته من صنف قيادة الحزب الشيوعي العراقي التي دعمت الإحتلال الأمريكي للعراق)، بتاريخ 12 آي/أغسطس 2020، بأن “كامالا هاريس” تقدّمية، وصديقة النسوة السود والطبقة العاملة الأمريكية، اعتمادًا على شهادة رئيس “الإتحاد الأمريكي للعمل” (نقابة أُجَراء تخترقها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية)، وما ورد في موسوعة “بالوتبيديا”، وما هذا الإدّعاء سوى عينة صغيرة من حال “اليسار” الأمريكي…

تُعتبر “كامالا هاريس” من المتحدّثين الرّسميّين الثابتين في المؤتمرات السّنوية وكافة تظاهرات “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، أكبر وأقوى وأثْرَى مجموعة ضغط صهيونية في العالم، وساهمت منذ كانت طالبة في جمع التبرعات للمستوطنات الإستعمارية الصهيونية، وفي معارضة حركة المقاطعة (ب يدي إس )، وادّعت، هي وزوجها الصّهيوني، سنة 2017، أن الولايات المتحدة “مُقَصِّرَة في معاقبة جرائم الكراهية التي يتعرض لها اليهود”، وبشأن “تقدُّمِيتها” المشبوهة أو المُفْتَرَضَة، كتبت “لارا بازيلون” (جامعة سان فرنسيسكو) “إن كامالا هاريس تحجم عن خوض المعارك التقدمية، مثل إصلاح جهاز الشرطة وإصلاح القوانين المتعلقة بتجارة وحمل السلاح وبتجارة المخدرات وإدانة القضاء للأبرياء من السّود والفُقَراء…”

وصف تقرير نشره موقع “ذا غري زون”، أواخر سنة 2017، السيناتورة “كامالا هاريس” تقدّميتها (المزعومة) بأنها تقتصر على بعض “التّصريحات الفضفاضة ضد العنصرية، في الولايات المتحدة، وتختفي هذه التقدمية الإفتراضية عندما يتعلق الأمر بالعدوان الأمريكي على الشعوب والبلدان، وعندما يتعلق الأمر بالإحتلال الصهيوني، وبحقوق الإنسان الفلسطيني، ويمكن القول أن تقدميتها “انتقائية، وتستثني فلسطين”، وذكرت بعض المواقع الصهيونية أنها انتقدت (سنة 2017) حفيد “نيلسون مانديلا” الذي ردّد كلمة جَدّهِ “إن حريتنا لا تكتمل بدون حرية الفلسطينيين”، وأعلن (الحفيد) “إن الفلسطينيين يتعرضون لأسوأ نسخة من الميز العنصري” ، وتدعم هاريس “التعاون والتنسيق مع السعودية في قضايا مكافحة الإرهاب”، كما تدعم السياسات الإستفزازية والتحرش العسكري تجاه الصين وروسيا، والحرب التجارية، وتتعلّل بحقوق “الإيغور” (أقلية مُسْلِمَة في الصين، يوجد الآلاف من الإرهابيين من أبنائها في سوريا بدعم تركي وأمريكي وقَطَري)، و”حقوق سُكّان هونغ كونغ”… 

يؤيد رؤساء أمريكا وقادة أحزابها ونقاباتها ومعظم جمعياتها، التّحالف الإستراتيجي الأمريكي-الصهيوني، ولا نسمع أو نقرأُ اعتراضًا على مَنْح الكيان الصهيوني 3,8 مليارات دولارا سنويا من أموال الكادحين الأمريكيين، بالإضافة إلى الدّعم السياسي والإقتصادي والتكنولوجي والعسكري، غير المحدود، وغير المَشْرُوط للإحتلال الصهيوني، وعلى أي حال فإن دعم “التّقدّميّين” لا يتجاوز المطالبة باحترام حقوق الإنسان الفلسطيني، وهو ما لا يتماشى مع وضع الإحتلال بشكل عام، والإحتلال الإستيطاني بشكل خاص.

من جهتنا، لا يجب أن نُعوّل على أحدٍ للدفاع عن قضايانا، بل نطلب الدّعم من أصدقائنا، ونُحَدّدُ شروط الدّعم، عندما يكون لدينا، في فلسطين وفي الوطن العربي، وفي أي رقعة من العالم يعيش أهلها الإستغلال والإضطهاد، فضلاً عن الإحتلال، برنامج تحرر وطني واجتماعي، نعمل على إنجازه…

من حقنا ومن واجبنا فرز العدو من الصّديق، ورَفْع الإلتباس (بشأن نائبة الرئيس الأمريكي، على سبيل المثال)، وإزالة الوَهم من أذهان بعضنا.

أعلنت “كامالا هاريس”، قبل الإنتخابات : “إذا فاز بايدن، سيحتفظ بالسفارة الأمريكية في القدس، مع الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة اسمها إسرائيل…” 

قبل أن يُصبح رئيسًا، كان جو بايدن صهيونيًّا، لقّنه أبوه مبادئ الصهيونية، بقوله (بحسب جو بايدن نفسه): ” ليس شرطًا أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً… إن إسرائيل ضرورة لأمن اليهود في العالم… لو لم توجد إسرائيل، لاضطرت الولايات المتحدة إلى إنشائها… إن إسرائيل هي القوة الأمريكية الأهم في الشرق الأوسط، ولذا فأنا أتعهّد بحمايتها…” (و:ان الكيان الصهيوني مُهدّدٌ)، ، وسبق أن لعب “جو بايدن” دورًا خطيرًا ضد مصالحنا كعرب، لأنه ساهم في تفتيت العراق، وتقسيم سوريا، خدمة للمصالح الأمريكية وللكيان الصهيوني.

خاتمة:

رحب الاخوان المسلمون بفوز جو بايدن، فيما عَلّقَ رئيس جمهورية ايران: “لا يُغَيِّرُ رحيل ترامب وفوز بايدن أي شيء!، فأمريكا ستستمر في الانحدار!!”، أما بالنسبة لنا كعرب تقدّميين فإن مقياسنا هو الموقف الأمريكي (أو غير الأمريكي) من قضايانا، في فلسطين والعراق وسوريا وليبيا واليمن، وغيرها والممارسات العدوانية للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، واضطهاد الشعوب، وموقف وممارسات منظومة الحكم الأمريكية، داخليا إزاء السود، أحفاد الأفارقة الذين وقع استعبادهم، والفُقراء والعاملين داخل أو خارج الولايات المتحدة، لأن تغيير الرؤساء أو تغيير لَوْن الأغلبية في المجالس النيابية، لا يُغَيِّرُ الموقف الاستراتيجي الثابت المناصر للكيان الصهيوني، والدّاعم لليمين العنصري في كافة دول العالم، والمُعادي لشعوب أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا والوطن العربي…

يُؤدّي الكيان الصهيوني دَوْرًا وظيفيًّا، عَبَّر عنه “ثيودور هرتزل”، بكل وُضُوح، منذ بدايات تأسيس الحركة الصهيونية الإستعمارية الإستيطانية، كحلقة من حلقات الهيمنة الإمبريالية على الوطن العربي، لكن العلاقات الأمريكية الصهيونية تتميز بتشابه في النّشأة عبر الإستيطان وإزاحة السّكّان الأصليين، وبتداخل المصالح الإستراتيجية، وأصبحت سياسات وبرامج ومخططات الكيان الصهيوني جزءًا من السياسات الأمريكية، ولا تتجاوز الخلافات الجانبية، التي تظهر أحيانًا بين الطَّرَفَيْن، مستوى الشّكل أو الأُسْلُوب أو توقيت إعلان بعض البرامج.

في دولة الإحتلال، تظهر بين فترة وأخرى، خلافات بين مكونات الإحتلال، لكن للقوى الصهيونية قواسم مُشتَرَكَة، فهي تتفق على القضايا الإستراتيجية المُبْنِيّة على مزيد من احتلال الأراضي، وتهجير أصحابها، يُشجّعها غياب البرنامج الوطني الفلسطيني وغياب أو ضُعْف القوى التي تسعى إلى التحرير، وضُعْف القوى التقدّمية والثّورِيّة العربية.

*”شهاب الدّين أَلْعَنُ من أخيه”، مثل يُقال في المُقارنة بين سَيِّئَيْن، وهو في الأَصْل: “كلا الأَخَوَيْن ضَرّاط، لكن شهاب الدّين أَضْرَطُ من أخيه”

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.