أمريكا وطالبان…ورسائل فرنسا / د. خيام الزعبي

سورية وورقة الرهان على المصالحة .. بقلم: الدكتور خيام الزعبي

د. خيام الزعبي ( سورية ) – الثلاثاء 17/11/2020 م …




ما من مرة تدخّل الغرب في دولة إلا وعبث فيها ومزق مكوناتها وأثار فيها الحروب والفتن كي يحقق مصالحه وإستراتيجياته. في عام 2011 رأينا تدخل الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي الصارخ في الشأن الليبي عسكرياً والإطاحة بالرئيس القذافي ونظامه من المشهد السياسي في ليبيا، وفي سورية، تتحمل فرنسا شلال الدماء التي أراقها الإرهاب هناك، كما تعد أحد أضلاع المثلث المدمر لدمشق، بجانب أمريكا وبريطانيا، وفي هذا  الإطار تعتبر أمريكا هي المسؤول الأول والأخير عن معاناة الشعوب والوضع المتدهور الذي آلت إليه المنطقة بأكملها.

في إطار ذلك وبعد أن تيقنت واشنطن أن احتلال أفغانستان باتت مستحيلة بالنسبة إلى الأميركيين وحلفاؤهم بعد إستنفاذ الفرص وعدم حسم الحرب لصالحها، أعلن الرئيس الأمريكي السابق ترامب سحب كافة الجنود الأمريكيين المتمركزين في أفغانستان إثر اتفاق تم توقيعه بين واشنطن وحركة طالبان ويناهز عددهم الـ12 ألف جندي، ، في محاولةً أمريكية لإيجاد تسوية سياسية لإنهاء الحرب هناك، وإجراء محادثات للتوصل لاتفاق سلام شامل وذلك بحلول العام 2021. وعليه السؤال الذي يطرح نفسه هنا: إذا سحبت الولايات المتحدة جنودها من أفغانستان، ما تداعيات ذلك على فرنسا والمنطقة؟

هنا  لابدّ من القول بأن إن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان قد يشعل فتيل الحرب الأهلية هناك في البلاد وسينتهي بسيطرة حركة طالبان على البلاد، كما ستزداد في الوقت نفسه جرأة بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى التي، بالرغم من وجودها في أفغانستان، تتفرّغ للاعتداء على الحكومات الغربية والإسلامية ومدنييها خارج البلاد. بالإضافة إلى أنه سيتيح لتلك التنظيمات الكلام عن انتصار جهادي، وهذا ما سيستقطب المزيد من المجندين للقيام بالأعمال الإرهابية.

اليوم تمرّ أمريكا في مرحلة مفصليّة من إعادة رسم تحالفاتها في المنطقة، في هذا السياق أعرب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، عن معارضة بلاده لقرار الولايات المتحدة سحب قواتها من أفغانستان بسبب قلق فرنسا من “التشدد الإسلامي”، بالإضافة إلى المخاوف بشأن المستوى الأمني لمنطقة الساحل الأفريقي التي تعتبر بؤرة للعديد من الجماعات المتطرفة، وتساعد قوات الولايات المتحدة في التصدي لخطر هذه الجماعات واعتماد فرنسا على المعلومات المخابراتية، والتسهيلات اللوجستية الأمريكية في الساحل الأفريقي.

لذلك فإن واشنطن لم تتمكن من تحقيق أهدافها في أفغانستان، رغم كميات الأموال والأسلحة المتدفقة إلى أيدي التنظيمات المتشددة،  فلم تساعد تلك التدفقات خلال سنوات الحرب في تحقيق نقلة نوعية في سياق العمليات القتالية، بل على العكس، شهد ميدان القتال فشل الجيش الأمريكي الرامي إلى إسقاط طالبان ، بعد أن ضافوا خسارة جديدة وخيبة مضافة إلى رصيد هزائمهم، فكانت الصفعة مجلجلة بعثرت ساسة البيت الأبيض وسماسرة واشنطن لتتخبط الأخيرة بقوة وصمود طالبان.

 

هنا  لابدّ من القول بأن الاتفاق الذي تم توقيعه بين واشنطن وحركة طالبان هو هزيمة لا لبس فيها للولايات المتحدة الأمريكية على أيدي مقاتلي طالبان، فيما العالم كله بات على قناعة أن أمريكا وليس سواها، هي مصدر الفكر المتطرف وأم الجماعات والتنظيمات الإرهابية، التي تزعم أنها بصدد محاربتها والقضاء عليها وإجتثاثها من الجذور .

وأخيراً ربما يمكنني القول: إن الولايات المتحدة أصبحت غير قادرة على التعامل مع جميع الأزمات الدولية، في الوقت الذي تلعب فيه واشنطن دور القيادة من المقاعد الخلفية، عن طريق إعطاء توجيهات ومساعدة القوى الأخرى أكثر من تدخلها بشكل مباشر في حل الأزمات، وبالتالي فإن المصداقية الأميركية على المحك، لذلك من المأمول آن تدرك القيادة الأمريكية  حجم مغامرتها اليائسة في أفغانستان، وتبادر إلى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع  الأفغاني.

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.