لقاء الرياض … التطبيع غير العادل




مدارات عربية – الثلاثاء 24/11/2020 م …
كتب المحرر السياسي …
التطبيع بصيغته الخليجية هو عملية بيع لقضية لا يملك المطبعون الحق في إجرائها.

لقاء الرياض بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي كشف عنه راديو الجيش الإسرائيلي، أزال شكوكاً عن أن الرياض وإن باركت تطبيع علاقات جيرانها مع إسرائيل، إلا أن لها حسابات قد تؤخر انخراطها في التطبيع، إلى حين تأمين غطاء فلسطيني لهذه الخطوة.

الهرولة الخليجية نحو تطبيع علاقات الممالك والإمارات مع إسرائيل تنطوي على استخفافٍ بأثقال مآسٍ كثيرة، يسعى هذا التطبيع للقفز فوقها. ثمة جيل جديد من الحكام قليل الحساسية حيال القضية الفلسطينية. ونحن هنا لا نطلق حكماً “أخلاقياً” فقط على ضعف هذه الحساسية، إنما نسأل أيضاً عن نجاعة التطبيع، ومدى مساهمته في استقرار هذه الممالك والإمارات. ذاك أن القفز عن الأثقال التي مثلتها القضية الفلسطينية على مدى عقود طويلة، هو قفز عن حقائق كبيرة ليست مجتمعات هذه الدول بمنأى عنها، لا سيما أن الأنظمة التي تتحكم بثروات الخليج لا تستمد شرعيتها من مجتمعاتها، وهي بالتالي لم تذهب إلى التطبيع عبر تفويض منحتها إياه هذه المجتمعات. قد يبدو هذا الافتراض ساذجاً، لكن الجيل الجديد من حكام الخليج يسوق لفكرة تجاوزه اعتبارات السلطة كما كرسها أسلافهم. هذا التجاوز بصفته خطوة “تحديث”، يفترض أيضاً خطوات تحديث موازية على صعيد الحريات العامة من ذلك النوع الذي أقدمت عليه الكويت في أعقاب غزوها من قبل صدام حسين عام 1990.

ما تدعيه دول الخليج في تسويقها التطبيع، لجهة أنه خطوة لمصلحة مجتمعات المنطقة ونموها وتقدمها، لم يقترن بخطوة واحدة موازية نحو الإفراج عن المجتمعات المضبوطة بأنظمة أوتوقراطية بالغة الرجعية، لا بل أن للتطبيع الذي تسعى إليه بعداً رجعياً، ذاك أنه عملية توظيف لطاقة نتانياهو العدوانية في صراع آخر مع إيران. صلة وصل بين طاقتين عدوانيتين تمثلهما إسرائيل نتانياهو وايران ولاية الفقيه. أما الحديث عن تقدم المنطقة ونموها في ظل هذا التطبيع، فلا قيمة له في ظل هذه الحقيقة، لا سيما أن الشرط الإماراتي المتمثل في وقف الاستيطان في الضفة الغربية سرعان ما تم تجاوزه في تل أبيب من دون أن تأتي أبو ظبي بأي رد فعل.

الهرولة الخليجية نحو تطبيع علاقات الممالك والإمارات مع إسرائيل تنطوي على استخفافٍ بأثقال مآسٍ كثيرة، يسعى هذا التطبيع للقفز فوقها

وإذا كانت “القضية الفلسطينية” قد هيمنت في السابق على الخطاب الرسمي العربي، ووظفت في حملات القمع وضبط المجتمعات، وهو ما طور حساسية غير إيجابية حيالها في الكثير الدول، فإن ذلك لا يخفف من عدالتها ولا يضعف حقيقة أن ثمة شعباً فلسطينياً من دون دولة ومن دون حقوق. التطبيع بصيغته الخليجية هو عملية بيع لقضية لا يملك المطبعون الحق في إجرائها. التطبيع هو موافقة على أن القدس عاصمة لإسرائيل، وعلى ضم أكثر من ثلث الضفة الغربية إلى إسرائيل. التطبيع العادل يبدأ من هنا، من شرط الاعتراف بحقوق الفلسطينيين كما نصت اتفاقيات أوسلو. وليست حالة العداء قيمة مقدسة يجب عدم المساس فيها، إنما تجب المفاوضة عليها، تماماً كما تفعل إسرائيل.

حين تتولى صحيفة “هآرتس”، وهي من أبرز المنابر الصهيونية، حملة تحفظ على الهدية التي تقدمها دول الخليج لبنيامين نتانياهو، وتتحفظ أيضاً على الاحتفاء الرسمي الإسرائيلي بالتطبيع مع دول أوتوقراطية، فإن هذا يكشف فارقاً كبيراً في أشكال استقبالنا واستقبالهم التطبيع. فالانقسام حول “تطبيعنا” هو انقسام محاور سابق على التطبيع. المصفقون للتطبيع هم امتداد للمحور السعودي- الإماراتي الذي ينتهي عند جاريد كوشنير، وشاتمو “تطبيعنا” هم امتداد للمحور الإيراني الذي يمر ببشار الأسد وينتهي عند فلاديمير بوتين، وهم يشيحون بوجوههم عن حقيقة أن بوتين كان سبق الجميع إلى أحضان نتانياهو.

هذا عن تطبيعنا، أما تطبيعهم فقد خضع لنقاش كان للرأي العام دور فيه. نتانياهو أحرز إنجازاً لإسرائيل بأثمان زهيدة، أو من دون أثمان، وهذا الإنجاز سيوظفه الرجل في موقعه وفي موقع حزبه. وفي المقابل، ظهرت أصوات خائفة من أن نتانياهو ذاهب بإسرائيل نحو ما لا يشبهها، وأن اعترافاً عربياً بضمه القدس ومساحات واسعة من الضفة الغربية سيضعف الأصوات الإسرائيلية المنددة بهذا الضم، والتي ما زالت تراهن على سلام بين دولتين إسرائيلية وفلسطينية.

لكن ماذا بعد لقاء الرياض؟ لا سيما أن متغيراً هائلاً حصل، يتمثل في مغادرة دونالد ترامب البيت الأبيض. ماذا لو قرر جو بايدن استئناف المفاوضات مع طهران؟ شروط التطبيع في هذه الحال ستكون أمام اختلال آخر، وستتطلب أثماناً مختلفة عن تلك التي دفعتها دول الخليج.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.