( تحليل سياسي ) … ما هو تأثير التطبيع الخليجي على الدورين المصري والأردني في القضية الفلسطينية؟
أثار توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، في 15 أيلول/سبتمبر الماضي، التساؤلات حول مستقبل دولة الاحتلال في الشرق الأوسط، وشكل العلاقات المستقبلية بين الدول العربية فيما بينها، ومع دولة الاحتلال، وعن مدى تأثير هذا الاتفاق على دور دولتي مصر والأردن المحوري والمهم في القضبة الفلسطينية.
تطبيع مختلف
المدير العام لمركز القدس للدراسات السياسية، عريب الرنتاوي، أكد لـ”قدس برس”، أن “إقدام دول عربية خليجية على نسج علاقات وطيدة مع “إسرائيل”، سيضعف الدورين المصري والأردني في الملف الفلسطيني”.
وبين أن الأردن تاريخيا، كان قناة التواصل بين “إسرائيل” والدول الخليجية، وأنه كان ينظر للمملكة على أنها منطقة عازلة بين “إسرائيل” ودول النفط العربي، مشيرا إلى أن تطبيع دول الخليج علاقاتها بدولة الاحتلال، هو قفز عن الدور الأردني، وبناء جسور مباشرة للعلاقة بين الدول الخليجية و”تل أبيب”.
وأشار “الرنتاوي” إلى أن “التطبيع الجديد” مع دولة الاحتلال، يختلف عن تطبيع مصر الذي مضى عليه 41 عاما، وعن تطبيع الأردن الذي مضى عليه نحو 26 عاما، مستشهدا باندفاع حكومتي البحرين والإمارات، “نحو التطبيع في كافة المجالات والعلاقات، ومحاولات لتطبيع العلاقات بين الشعبين، بخلاف تطبيع مصر والأردن، الذي ظل محصورا في الأطر الرسمية”.
تطورات قد يحملها قدوم بايدن
وأوضح مدير مركز القدس للدراسات، أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لحل القضية الفلسطينية، كانت تستند إلى فكرة الإطار الإقليمي، والتي منحت الدور الخليجي حضورا أوسع في الوصول لأي ترتيب نهائي للقضية الفلسطينية.
ولفت “الرنتاوي” إلى أن من شأن أي تقدم للدور الخليجي أن يضعف الدور التقليدي لمصر والأردن، لكنه استدرك: “هناك ترقب لموقف الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، والتي قد تقدم مقاربة مختلفة للإدارة السابقة في التعامل مع الملف الفلسطيني، تستند إلى الدور الاعتيادي لمعظم الادارات الأمريكية السابقة، ولذلك رأينا ارتياحا فلسطينيا وأردنيا، مرده أن ما خسره الأردن من مزايا وحضور في الملف الفلسطيني، قد يستعيده مع الإدارة الجديدة”.
وفيما يتعلق بالشأن المصري، أكد “الرنتاوي” أن مصر قد تواجه مشاكل على خلفية حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي، وأنه “رغم دورها المهم والمعقد في ملف غزة، إلا أن التطبيع العربي أضعف الموقف التفاوضي والقدرة على التحرك لدى مصر والأردن والفلسطينيين”.
توتر مؤجل
وفيما يتعلق بالعلاقة بين الأردن ومصر من جهة، ودول الخليج من جهة، ومدى تأثرها باتفاقيات التطبيع الخليجية، “فالعلاقة ليست متكافئة، بسبب الاستثمارات الخليجية في الدولتين، وارتفاع أعداد العاملين المصريين والأردنيين، لدى الدول الخليجية، وما لذلك من دور مهم في التخفيف من مشاكل البطالة، بالإضافة إلى التحويلات المالية للعاملين في هذه الدول، والتي لها تأثير إيجابي ومهم على الاقتصادين، وأثرها في توفير رصيد جيد من العملات الأجنبية”، وفقا للرنتاوي، الذي رأى أن المعطيات السابقة تجعل مصر والأردن في علاقة أضعف.
وأشار “الرنتاوي” إلى أنه رغم الترحيب المصري بخطوات التطبيع، “إلا أنها أكثر قلقا من هذه الاتفاقيات، بسبب مخاوف من إيجاد بدائل لقناة السويس، عبر إنشاء شبكة طرق وسكك حديدية، وخطوط أنابيب لنقل الطاقة، مشيرا إلى أن تأثير هذا الأمر لن يكون فوريا، مبينا أن هذه الإشكاليات قد ترتب لاحقا تأزمات في العلاقات البينية لمصر ودول الخليج.
وذهب الرنتاوي إلى أن موقف نقابة الفنانين في مصر، من الفنان المصري الذي التقط صورا مع فنان إسرائيلي، “ليس مجرد استجابة للموقف الشعبي المصري الرافض للتطبيع، وما كان له أن يكون إلا بضوء أخضر من أجهزة الدولة الرسمية، التي لا تريد لهذه الدول أن تكون مصيدة توقع المصريين في فخ التطبيع، وحتى تمنع تشكيل حاضنة شعبية تدافع عن التطبيع مستقبلا”.
ويرى “الرنتاوي” أن الأردن لديه دافع آخر للقلق، تتمثل في ترتيبات زيارة المسجد الأقصى للزائرين الخليجيين دون المرور بالأراضي الأردنية أو التنسيق مع الأوقاف الفلسطينية، وانتهاج نفس خطوات ترتيب “زيارة” المستوطنين للمسجد الأقصى، بالدخول من باب المغاربة الذي يسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي، وينظم دخول وخروج المستوطنين من خلاله، وبالتالي ضرب الوصاية الهاشمية المتوارثة في تنظيم دخول المصلين والزائرين في آن واحد، وتهديد مستقبل الحرم المقدسي كمكان مقدس، وإضعاف للدور الأردني في رعاية المقدسات الدينية، مبينا أن هذه الإجراءات “جزء من عمليات الأسرلة والتهويد التي تخضع لها المدينة المقدسة”.
وذهب “الرنتاوي” إلى أن “ترحيب رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، خلال زيارته لمدين نيوم السعودية مؤخرا، بدور سعودي في رعاية وتنظيم شؤون المسجد الأقصى المبارك، يشكل تهديدا للدور الأردني، وقد يكون أحد أسباب التوتر اللاحق”.
مؤكدا أن من السابق لأوانه، الحديث عن توقيت وكيفية حدوث الخلاف، “لأننا في لحظة انتقال للإدارة الأمريكية، ويجب انتظار موقف الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة بايدن من الملف الفلسطيني، مشيرا إلى أن طريقة إدارة الأمريكية الجديد للملف الفلسطيني، قد تحدد بشكل كبير مسار العلاقات، واحتمالية نشوء توتر من عدمه على خلفية القضايا التي ستعالجها”.
نقطة خلاف قابلة للتطور
بدوره، ذهب الكاتب والباحث السياسي “حازم عياد”، إلى أن أحد مساعي الاحتلال من التطبيع مع الدول العربية، هو تدعيم موقفه الاحتلال داخل القدس، مبينا اندفاع حكومة الاحتلال باتخاذ أي إجراء يشرعن وجودها داخل المدينة المقدسة، كاتفاقي تطبيع العلاقات مع حكومتي الإمارات والبحرين.
وأضاف: “قد يسفر اتفاق التطبيع المتوقع بين السعودية ودولة الاحتلال، إلى إدخال الرياض كشريك في تنظيم ورعاية شؤون المسجد الأقصى، وهذا سيضعف الدور الأردني في رعاية المقدسات الدينية”.
وذهب “عياد” في حديثه لـ”قدس برس” إلى أن منافسة دول عربية الدولة الأردنية في رعاية الأقصى وتنظيم شؤونه، “نقطة خلاف قابلة للتطور”، وأن أي مساس بالرعاية الأردنية ومحاولة دخول دول عربية على خط رعاية المقدسات، سيحول الصراع “العربي- الإسرائيلي”، إلى صراع “عربي-عربي”؛ ما يحسن صورة دولة الاحتلال.
مصالح قُطرية على حساب المصالح الفلسطينية
ورأى عياد في اتفاق التطبيع، تخليا عن المبادرة العربية للسلام، وهو ما يعني التخلي عن الدور الأردني، وإضعاف المبادرات العربية، والقفز عن القرارات الدولية حول الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي إضعاف الموقفين المصري والأردني، اللذان يعتمدان على الموقف العربي و”الشرعية الدولية” في التعامل مع الملف الفلسطيني، لذلك فإن تغير الموقف العربي، تحول يحد من الدور المصري والأردني في القضية الفلسطيني.
وأما عن الهدف من اتفاقات التطبيع، فيرى “عياد” إلى أن دولا عربية تريد علاقات مباشرة مع دول الاحتلال، لتحقيق مصالح تجارية واقتصادية وأخرى سياسية؛ ما يتيح للاحتلال استغلال هذه العلاقات في خلق لوبي ضاغط بين الدول العربية، مشيرا إلى التقارب العربي الإسرائيلي يحمل مصالح خاصة بالدول المطبعة، مستبعدا تحقق مصالح فلسطينية من هذا التقارب.
ومن شأن هذه الاتفاقيات، إضعاف الدور المحوري لمصر في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، وتراجع أهمية الأدوار اتي تقوم بها، ما يعني انحسار أهمية دورها بالنسبة للوليات المتحدة وإسرائيل.
وحول مدى تأثر علاقة الأردن ومصر بالدول المطبعة، استبعد عياد توجه مصر والأردن نحو الصدام مع الدول المطبعة؛ بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلدان، دون إغفال ظهور بوادر خلاف، “كما يظهر في وسائل الإعلام المصرية”، كذلك استشهد عياد يتصريحات رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز، حول تمسك الأردن بدورها وحقها الحصري في رعاية شؤون المقدسات الدينية في القدس، ورفضها أي تغيير على هذا الدور او مشاركة دول أخرى لها في هذا الأمر.
ورجح عياد أن تتجه كلا من مصر والأردن إلى إنشاء علاقات بديلة خارج إطار التحالفات الإقليمية الحالية؛ لكبح جماح التطبيع.
وأكد: “الشق الثاني الذي تعوّل عليه الدولتان، هو اطمئنانهما إلى إدراك الولايات المتحدة والدول الأوروبية للدور المصري والأردني في الصراع العربي والإسرائيلي، واعتباره دورا محوريا لا يمكن القفز عنه أو تجاوزه”، لافتا إلى هذا الأمر لا يعني عدم تراجع دوريهما، واحتمالية نشوء خلافات مع دول عربية حول هذا الملف.
وشدد “عياد” على أن الخاسر الأكبر من اتفاقيات التطبيع هي فلسطين، و”أن التطبيع خسارة خالصة للعرب، ولا يمكن وقف النزيف إلا بالتراجع عن خطوات التطبيع”.
التعليقات مغلقة.