أساتذة الجامعات الأردنية والعزوف عن الانخراط في العمل السياسي / د. أنيس الخصاونة
من المتعارف عليه عالميا أن الجامعات منابر علم وساحات للحرية الفردية والسياسية والأكاديمية التي تعمل على تنمية فكر الطلبة وتهيئتهم لتأدية أدوار اجتماعية قيادية في المجتمع بعد تخرجهم. ويعتبر أساتذة الجامعات مكونا أساسيا إن لم يكن المكون الأساس في عملية التعليم وصقل شخصيات الطلبة وتنميتها.وعليه فإنه من المتوقع أن يكون هؤلاء الأساتذة والمدرسين أنفسهم مهتمين بالشأن العام للدولة ويبدون أرائهم ومواقفهم مستفيدين من أجواء الحرية الأكاديمية التي تتيحها الجامعات لهم ولطلبتهم مما يجعل من هؤلاء الأساتذة أنموذجا معززا وداعما لانخراط الطلبة واهتمامهم بشؤون بلدهم.
أساتذة الجامعات الأردنية وخصوصا الرسمية منها كما يلحظ كثير من المراقبين عازفون عن العمل السياسي كما أنهم يبدون عدم اكتراث بشان الحراك السياسي الذي يشهده الأردن ،وحتى الأحزاب السياسية في الأردن تكاد تخلو عضويتها من الأساتذة والمدرسين في الجامعات. وبتتبع معظم الأنشطة والفعاليات السياسية التي سادت المسرح السياسي الأردني على مدار عقدين من الزمان لم نشهد أي حضور يذكر لمدرسي الجامعات باستثناء عدد قليل من المساهمات الصحفية وبعض المقالات الصحفية والتي جاءت في معظمهما ممالئة للحكومات ومتزلفة للسلطة. خلال فترة الربيع العربي لم تبقى فئة بالمجتمع إلا وأظهرت اهتماما بالمطالب الشعبية السياسية والاقتصادية وغيرها فالأحزاب والنقابات، والمعلمين ، والتجار ، والعشائر ، والفنانين،وحتى المتقاعدين العسكريين الذين لم تألف السلطة ولا النظام السياسي تحركهم خرجوا وتحدثوا بالشأن العام بإسلوب حضاري مفتخر.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذا الغياب ولماذا هذا العزوف وعدم الاكتراث بالشأن العام للدولة من قبل فئة مدرسي الجامعات الأكثر علما وتعمقا في مواضيع تخصصاتهم وخصوصا الإنسانية منها ؟وهل يمثل صمتهم دليل رضا عن المسيرة السياسية والحراك السياسي أم أنه دليل عجز عن المساهمة في إثراء هذا الحراك بالحلول القانونية والسياسية والإدارية والاقتصادية للمشكلات التي تواجهها الدولة الأردنية؟ ،أم أنه الخوف من التبعات الأمنية التي طالما شكلت هاجسا لأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات من خلال براءة الذمة الأمنية، والاعتراض على التعيين ،أو تجديد عقود العمل أو الاعتراض على التعيين في المواقع القيادية داخل الجامعات ،أو خارجها؟ ، أم هو الطمع بموقع أو منصب في الحكومة يجعل المدرسين يحجموا عن إبداء أرائهم ومواقفهم؟ ،أم هو الإحباط والتشاؤم من الأوضاع الراهنة وعدم الثقة بالحكومات المتعاقبة خصوصا وأننا نرى رموزا لهذه الحكومات تدور حولهم الدوائر وتحوم الشبهات في محيطهم ومداراتهم؟
صحيح أن الهيئات والكوادر الأكاديمية في الجامعات لا تستطيع قيادة الحراك السياسي لا في الأردن ولا غيره وذلك لأسباب معروفة يتعلق بعضها بعدم قدرة هذه الكوادر التدريسية على فهم لغة الشارع وملامسة نبضه ومعاناته المادية والاقتصادية ناهيك عن الشعور بالتفوق والتميز لدى أساتذة الجامعات ،مما يباعد كثيرا بين هموم الناس وهموم العاملين في الجامعات . القضية هنا أن أساتذة الجامعات ليس لهم دور يذكر ولا يظهروا اهتمام بما يدور حولهم من تطورات سياسية وكأنهم فعلا في برج عاجي متحصنين بامتيازاتهم ومواقعهم غير آبهين بالأجواء المفعمة بالحماس والشجاعة في التعبير عن الرأي وطرح الحلول . إنها حقا لظاهرة جديرة بالبحث والدراسة لمعرفة أسباب عزوف هذه النخبة المتعلمة المثقفة والمناط بها صياغة فكرة الأمة عن المشاركة السياسية والمساهمة في صنع المستقبل السياسي في بلدهم . نأمل ويأمل معنا كثيرون أن لا يكون عزوف زملائنا أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات هو شكلا من أشكال اللأبالية السياسية أو عدم الاكتراث السياسي أو ما اصطلح على تسميته بالانجليزية(Political Apathy ) ،أو أن يكون هذا العزوف انكفاء على الذات، أو إذعانا للسلطة أو طمعا في رضاها ومغانمها ومناصبها.
أساتذة الجامعات في معظم دول العالم يشكلون بؤر للإشعاع ومخزونا لفكر مجتمعاتهم وواجهة لبرامجها ورؤاها السياسية والعقدية والفكرية فما بال أساتذتنا على رؤوسهم الطير ساكنين مستمرئين الإذعان لا صوت لهم ولا رأي ولا حراك سياسي مركزين اهتمامهم على تناقل ما يصنعه الآخرون من شرائح المجتمع المختلفة من أحداث وإسهامات في توجيه الحراك السياسي ،أفيقوا يا أساتذتنا ومربينا قبل أن ينساكم المجتمع ويفقد أماله فيكم.
التعليقات مغلقة.