إنصات لِـ “همسات وتغاريد” من الكاتبة عدلة شدّاد خشيبون / هاني سلّوم
هاني سلّوم ( فلسطين ) – الثلاثاء 8/12/2020 م …
- إنصات لِـ “همسات وتغاريد” من الكاتبة عدلة شدّاد خشيبون
إصدار دار طباق للنشر والتوزيع – رام الله 2020 ؛ تصميم أيمن حرب ؛ 74 صفحة من القطع المتوسّط.
هذا الكتاب ليس قصّة واحدة، وليس قصصًا قصيرة. هو همسات وتغاريد نصّيّة تتطلّب التمهّل في القراءة من أجل الإنصات. هي لا تبوح بالأماكن أو الأحداث أو الأشخاص صراحة، لكن يستدلّ إلى بعضها أو يبنيها المُنصِت. هناك بوح من على الوسادة، مناجاة عبر أغصان الأشجار، عتاب في رسائل من الخريف، غرف حبّ في القلب، عناق يطير إلى السماء، وحَبوٌ بين الأزهار تحت شمس آذار.
تنطلق الهمسات والتغاريد عبر سطور كل صفحة بهدوء وتؤدة؛ تترك لكلماتها أن ترسم الصور في المخيّلة، وأن تأخذنا إلى الطبيعة التي تتغنّى بها، وأن تشاركنا بالعواطف التي تعصف أو تهدأ وتدفأ، وأن تنثر الحبّ للإنسان والحياة والطبيعة ونقاء الصداقات، وأن تُشجِننا بعتابها لمن يخذل في عطاء الحبّ واحترام حرّيّة الروح، وأن تحارب الظلم دون فقدان الذات.
الهمسات والتغاريد تنطلق لتحطّ فوق راحة اليد كطائرات ورقيّة ملوّنة بألوان الفصول، نفتحها لتقرأ الرسائل التي فيها ولا نعرف دائمًا لمن هي معنونة، لكنّها، وربّما لذلك، لا تبوح بالأسرار كاملة، لكنّها تكشف ما يكفي لنتأمّل ونتخيّل.
تتجمّع الكلمات في سطور من نثر شعريّ في أحيان كثيرة، فيها تكثيف من ألوان البديع في اللغة.
أنثر هنا بعض الهمسات والتغاريد التي أنصتُّ إليها:
“قبل الفجر بحفنة دقائق التأم جرحي وعانق حُلمي، وسارا معًا بذات الدرب… درب أشواك عفوًا درب أشواق.
…
أوراق الخريف لا تزعجني بتناثرها، بل تمهّدني لفترة جميلة من عراء الباطل وبزوغ فجر الحرّيّة، وهنا عليّ أن أوزّع بطاقات شكر: شكرًا لمن أهداني صفعة على الخدّ فمن خلالها تورّد الخدّ وأزهرت أشواك غربتي. شكرًا لمن أيقظ عاطفتي وتركني أخطّ حنيني على ورقة من ورقات الخريف، شكرًا لمن أرسل رسالته مليئة بالدم الجافّ لتسيّله دموعي من رقّة الجفاف […] هي الحياة يا صديقي بحر صِدق على خارطة الطريق، وأنا يحتلّني الصمت في حضرة الضجيج العقيم.
…
لا تخف حبيبي.. ففي الإنسانيّة محطّة للقاء الأوفياء، وشوق يبعثر ورقة الخريف بمطر موسميّ، ورائحة تراب شهيّة وحفيف
…
الأرض صديقتي الوفيّة
عانقيني أيّتها الوفيّة، وسامحي قدميّ إن داستا على ترابك المقدّس بعفويّة. […] اليوم سأكتفي برغيف خبز أدهنه بزيت، لن أرشّ الزعتر بل سأقطفه ورقات خضراء وأضعه على الرغيف، وأجلس جلسة مريحة وآكله. […] ثمّ سأغسل يديّ بندى العشب الناعم وأجفّفهما بحرارة شمس آذار […] صباح الخير والأرض تصرخ بالأخضر والأحمر والأصفر.
…
المرأة… العالمي… اليوم.
ما أجمل حظّي اليوم! فلي يوم عالميّ بامتياز، يوم يضعني في زاوية العالميّة ليوم.
يوم يوقظ في الظلم قصّة شقاء لتلك المرأة، التي ما لبثت أن فتحت عينيها حتّى كبرت باسم المجتمع، وخاضت معركة الكينونة، تكون أو لا تكون وكيف تكون؟؟
…
بينها وبينه خطوط وهميّة وانكسار… أبرقَ لها برسالة، إنّه ينوي زيارتها، فالحبّ الذي يعشّش في قلبه قد ضاق ذرعًا بعشّه. […] وهاجت بها ذكرى لقياه قبل سنين أكل الدهر على ساعاتها، […] فردّت له برسالة همجيّة الخطّ: الوقت ضاق باللقاء، ونسائم الخريف عصفت بأغصان الشوق، فكلّ ما تبقّى هباء للهباء.
…
هي الأصداف يا أمّي تعرف سرّ الوحدة وعناء البحر من جيفة نتنة لا تعرف سرّ النقاء.
…
صديقي، ماذا قالت تلك الدمعة المتلألئة في مقلتيّ، في ذاك اليوم الذي حاربت به أوهام النصر صراع البقاء؟ هل امتلأ قلبي حبًّا ففاض وأزعج روحك الحائمة على شاطئ النسيان؟
…
وهذا الصباح، يغرّد بعصفور شقيّ ترك شبّاك قفصه يتلاعب بنسيم عليل، وحلّق في فضاء واسع إلّا من حنينه
…
لا تدع حُلمك في محطّة الانتظار، فهناك برد الليل، ينتقم من كل دفء. لا تنتظر قطار الغد فقد يزيد سرعة بطئه إلى تأخّر غير معلوم.
…
لا تطرقي الباب مرّتين، يكفيه طرقة واحدة، فمن أرادك سيفتح لك، وإن تأخّر فلا تقلقي فهو يفتح باب قلبه أوّلًا، حتّى لا تكوني وحيدة في بيته.
**************************
مباركة لك يا عدلة هذه الهمسات والتغاريد.
التعليقات مغلقة.