المفكر الأردني فؤاد البطاينة يكتب: ما طبيعة الحراك السعودي في الملف النووي الإيراني؟ .. وما طبيعة البرزخ بين السلاح النووي الايراني والمشروع الصهيوني؟ … مزاد الدلّالين لبيع فلسطين لن يصنع فرقاً .. وكلام في ايران وتركيا

فؤاد البطاينة ( الأردن ) – الجمعة 11/12/2020 م …




مثل ما شكلت فترة ولاية ترامب قفزة نوعية في استخدام السعودية وكل الأنظمة العربية المزروعة، فقد شكلت الفترة الانتقالية ما بين نهايتها وبداية ولاية بايدن حاضنة لحراك سياسي دولي وإقليمي لم تضاهيها فترة انتقالية سابقة. تعاظمت فيها الطروحات والمواقف السياسية ونزق الكيان الصهيوني. بما اتسع لجمع العنف والجريمة مع السياسة ولخلط الاوراق عند الانظمة العربية وتنوِّع الرهانات. وجل هذا الحراك انصب على ذات السياق الشرق اوسطي إلا أن محوره هو الملف النووي الإيراني. وما تنشيط وتوسيع حفل المزايدة على بيع فلسطين بصانع لفرق. ولفهم ما يدور في المنطقة في هذه الفترة الانتقالية ولما بعدها، علينا أن نفهم ماذا يعني المشروع النووي الإيراني، لإيران وللكيان الصهيوني بالذات. فهو مربط الفرس ولنا به مصلحة ، وأقول….

 يشكل نجاح إيران بملفها النووي خطرا وجودياً على المشروع الصهيوني في المنطقة. إنها مسألة تقض مضاجع الكيان الصهيوني وتصيب وجوده بالصميم. لماذا؟. نعم هذا الكيان يعرف بأن السلاح النووي هو للردع وليس للاستخدام في الأساس. لكنه يفهم بأن نجاح ايران في مشروعها النووي هو وحده الذي يكفل لها بقاءها حرة في قرارها السيادي أمام حشد الإستهداف الضخم، ويكفل صمودها ضد الضغوطات مهما بلغت. ووحده الذي يضمن لهذه الدولة الأصلية والأصيلة في منطقتنا العربية والعالم نجاح مشروعها، قومياً كان أو إسلاميا. لكن الأهم أن الكيان يعلم بأن نجاح المشروع الإيراني في كلا الحالتين لن يكون ولا بأي وجه إلّا على حساب المشروع الصهيوني من مختلف الجوانب وبأن هذا النجاح لن يكون مجرد انتقاص من المشروع الصهيوني بل قضاء عليه حتى لو اعترفت ايران افتراضا ً بالكيان الصهيوني. لأن هذا الكيان بدون تحقيق احتكارية وتكاملية تفاصيل مشروعه وحمايتها سيموت في فلسطين إن لم يرحل . فالمشروع الصهيوني كله أصبح مرتبطاً بامتلاك ايران لقدرة الردع النووي . وأنا هنا لا أتكلم عن افتراضات وهواجس مدسوسة في الوسط العربي، وإنما اتكلم عن الكيان الصهيوني ومشروعه الذي يشكل الخطر الوجودي للعربي ولعقيدته ووطنه، ولمصالح ومستقبل ومصير كل دولة في الإقليم وعلى رأسها فلسطين .

وتوطئة لوضع يدنا على طبيعة الحراك السياسي السعودي الذي يشكل محور سياسة الكيان المحتل دائماً وفي هذه الفترة الانتقالية التي تتبلور فيها طبيعة التعامل الامريكي الأوروبي مع الملف النووي الايراني من بعد جدال وخلاف. يجدر بنا الوقوف على حقيقتين، الأولى، أن طبيعة الموقف الأوروبي والامريكي من الملف النووي الإيراني واهتماماتهم به ليس متطابقاً مع نظرة وموقف الكيان الصهيوني منه. والحقيقة الثانية، أن السعودية لها دوراً حساساً ومؤثراً ورديفاً لدور الكيان في مسار التعامل الدولي مع الملف . أما لماذا هي كذلك ولماذا تقوم بهذا الدور، فهذا يعود لعلاقة عضوية مترابطة بين ولادة النظام السعودي في الجزيرة وولادة تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة. إذ كانت هناك حاجة أساسية لإنجاح وإتمام المشروع الصهيو\غربي وقيام كيان الاحتلال في فلسطين وإدماجه بمنطقة عربية وإسلامية. وكان لا بد من اختراق المنطقة نفسها، وكانت لذلك فكرة صنع النظام السعودي على ارض تمثل رمزا عقدياً جامعاً وموثرا في العالمين العربي والإسلامي وبالتالي دولياً. فوجود النظام السعودي كان وما زال مرتبطا بخدمة نظام الكيان الاحتلالي في فلسطين. والثمن سلطة وشيخة وحياة ماجنة ومن يتابع الوثائق التاريخية يعرف كيف تم تنصيب آل سعود كحكام للدولة وسحق الأخرين وانتقال الهاشميين لسوريا وبقائهم في الأردن .

وقبل أن ألقي الضوء على طبيعة الدور السعودي في الملف النووي الإيراني ، أقول ابتداءً لتعرية مصداقية الإهتمام السعودي بمواجهتها ايران في ملفها النووي، بأنه لا يمكن بالعقل أو بالمنطق أن يَقلق النظام السعودي على نفسه من ايران وهو مكفول من أمريكا والكيان الصهيوني. وليست ايران مجنونه لتطمع بالسعودية ولا بمزاحمة امريكا عليها، وليست إيران بحاجة لسلاح نووي لتقارع أو تحتل السعودية المهترئة. وليست السعودية صاحبة مشروع سعودي وطني أو عربي لتخاف على إفشاله أو تهديده من إيران وغير ايران ، ولا هي بمستوى الحدث والحديث عن ملف نووي ما . أم هي تخاف على حريتها وسيادتها على قرارها الوطني المصانين ؟…وبعد، فلا يمكن أن يكون الموقف السعودي وبمعيته الخليجي من ايران وملفها النووي، إلا بتكليفِ ورعاية الكيان الصهيوني.

أما طبيعة هذا الدور السعودي في الملف النووي الإيراني فهو حيوي جدا للكيان الصهيوني وموجه للدول الأوروبية وأمريكا تحت عنوان أن السعودية ودول الخليج والعرب لهم هواجس ومخاوف وقلق من هذا الملف النووي وليست “اسرائيل” وحدها. وبأنه قضية عربية كما هو قضية “اسرائيلية “. فالكيان الصهيوني يهدف من الدور السعودي إلى إعطاء هذا الملف بعداً اقليميا لتعظيم الادعاء بخطره وجعله هماً سياسيا وأمنياً اقليميا . ومن هنا فإن المتابع يلحظ بأن الدول الأوروبية التي لا تتطابق نظرتها من لملف النووي مع نظرة الكيان أخذت تستحلي التعاطي مع هذا الهم العربي المزعوم في غمرة تخبط الكيان الصهيوني باتجاه البحث عن طريقة لفرض موقفه من الملف النووي الإيراني على بايدن.

ومن الضرورة أن يعلم المواطن العربي أن كل المعطيات النظرية والميدانية تؤكد بأن كل ما يصدر عن النظام السعودي بالعلن من أقوال وتصريحات ومبادرات وأفعال مهما بدت لنا أحياناً إيجابية فهي مجرد إفك وتضليل للعرب وللمسلمين، مُلَقن. وأن كل ما يتخذه من سياسات تخص القضية الفلسطينية والدول العربية والاقليمية هي من توجيه الكيان الصهيوني مباشرة. وأن عمليات التطبيع العربي المفتوح والقائمة على قرار ادارة ترامب بأن يعلن عملاؤها ووكلاء الصهيونية من العرب اعتراف أنظمتهم بالكيان الصهيوني وشرعنه الاحتلال وكيانه وفتح أقطارهم له، كانت مهمةً تولت السعودية تنفيذها بخطورتها . نفذتها من تحت الطاولة المعرّاة . فللسعودية كأرض ومقدسات وضعاً مميزاً ومؤثراً في العالمين العربي والإسلامي ، ولنظامها دور خبيث على ذات المستوى ، والكشف عنه يتسبب بردة فعل مدمرة على النظام ودوره الذي يشكل سيرورة صهيونية لا تنتهي قبل انتهاء المشروع الصهيوني. وها نحن اليوم نشاهده يتلون ويتفذلك مع فترة انتقال الادارة.

وفي سياق ختامي متصل،. نُقرُّ بأن العرب اليوم يتدحرجون لهاوية تبدو بلا قاع . فقد هوجموا مُبكرا بثقل المنتصرين بالحرب العالمية الأولى ثم الثانية بنسب متفاوتة ومعهم الصهيونية وما زال الاستهداف يتعاظم علينا حتى نال الشعب والمقاومة الفلسطينية منه نصيبا نوعيا، مما جعل الأنظمة العربية تتوالى في استغلال ما تبقى من وقت لولاية الدلّال ترامب لتدخل حفل المزايدة على بيع فلسطين، وأخرها التي تترأس لجنة القدس. فعندما يغيب أصحاب الحق يصبح الأخير مشاعاً ومحل دلالة. إلّا أن العرب سينهضون يوماً، ولن ينهضوا إلا برافعة المقاومة المسلحة التي أغلقوا عليها كل باب حتى ضاق المكان والزمان بها. والأمل يضيق بسحق سلطة الدلّال الأول في رام الله، ولكن الأمل يكبر بتشكيل حاضنة إسلامية للمقاومة العربية الفلسطينية، خالصة لله ولفلسطين. ولدي كلمتين في ايران وتركيا من صلب المقال .

أما في ايران أقول، ليس من قوة خارجية خشنة أو ناعمة قادرة على منع ايران من تطوير السلاح النووي. هذه حقيقة تعلمها امريكا وأوروبا وصرح بها أوباما أنفاً. لكن إضعاف وضعها الداخلي سياسيا واقتصاديا وصولاً لإضعاف جبهتها الداخلية هو الذي سيعيقها أو يمنعها. وهو ما عملت عليه ادارة ترامب بضغط صهيوني وفشلت. ومن هذا الفشل يُخطط بايدن للعودة للإتفاق وسيحاول إجراء بعض التعديلات، إلا أنه بالمحصلة الزمنية لأي اتفاق ستتمكن ايران من تحقيق مشروعها النووي. وهذا ما يرعب نتنياهو. ومهما حصينا من أهداف لاغتيال الشهيد محسن زاده فهي صحيحة، لكن على ايران التقاط أهمها في أنه استهداف ” إسرائيلي ” مبكر لموقف بايدن. فهل تقف ايران مع هذا الهدف ؟ أم يجدر بها أن تضع كل المعارك الاستفزازية التي تشنها “اسرائيل” في سياق سياسي لا عسكري، وأن لا تتخطى حجمها الذي لا يطاول حجم مشروعها الذي من أجله كان الإستشهاد، وأن لا تنساق بعقلية الإنتقام وفخه . وهذا هو وقت الحكمة وسعة الصدر. أمامها اسابيع فقط هي من أثمن الأوقات التي تتيح أو لا تتيح بضاعة جديدة ونظيفة على الطاولة.

وفي تركيا أقول، إذا كانت إيران هي معركة الكيان الصهيوني، فإن تركيا هي معركة الدول الأوروبية. وما كان لتركيا بموقعها الجغرافي أن تكون بعد الحرب الأولى مقبولة في حضن أوروبا إلا بتخليها عن كل تفاصيل ثقافتها ومصالحها الوطنية ومفاهيمها السياسية طوعاً على يد صهاينة الزي التركي . لكن الخوف من انتعاش إرث خلافتها الإسلامية وإمكاناتها الطبيعية الكبيرة ومخزونها الوطني بقي مطبوعا في العقلية الأوروبية، بحيث إن فُعِّلت سينتفضون لإعادتها للمربع الأول. لذلك لا بد للقيادة التركية من حماية منجزاتها التي طالت تفعيل إرادتها وتمردها على التبعية واستعادتها لقرار تركيا الوطني السيادي، وطالت استعادة ثقافتها الوطنية وما بنته من قوة اقتصادية وعسكرية مبهرة. ولا بد من حماية تطور موقفها من الكيان الصهيوني وتطويره ليتجاوز إدانة الممارسات الصهيونية إلى رفض الإعتراف بوجود الكيان الصهيوني في فلسطين كأكبر خطر مستقبلي على تركيا. ومن الحكمة أن يستوعب الرئيس أردوغان الرأي التركي الوطني الأخر حفاظا على نجاح المسار ووحدة الجبهة الداخلية ولوقف قوى الشد العكسي. وأن يرتب الأولويات ويُقلصها لتوفير الجهد وتخفيف العبء . ولعل أعظم خطوة يقوم بها هو التحالف مع ايران فهناك من المكملات معها ما يحقق الصمود والإنتصار لكلا البلدين، وما يلبي نداء الأقصى.

كاتب وباحث عربي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.