القاضي الدولي ” تغريد حكمت ” : القضاء علم وفن وفهم / يوسف عبدالله محمود
اذا كانت النفوس كباراً تعبت في مُرادها الأجسام
تغريد حكمت سيدة أوتيت من الموهبة والعلم حظاً وفيراً أتاح لها ان تشق طريقها في الحياة لتغدو بكل هذه القدرات قاضياً دولياً وأول عربية مسلمة ترأس القضاء الجنائي الدولي. وبحق كانت مفخرةً يباهي بها وطنها الاردن. وفية له على الدوام.
في كتابها “القضاء علم وفن وفهم” تستعرض تغريد حكمت كقاضٍ عركته التجارب وعركها “صفات القاضي” الجدير بأن يُسمى قاضياً وهي:
العدل
الاستقامة
الاستقلال المطلق
النزاهة التامة
سعة الصدر
ضبط النفس
التمتع بموهب الذكاء
التمكن من العلوم القانونية وتطبيقها
ان يكون فيلسوفاً هاديء الفكر واسع الاطلاع
ان يكون اجتماعياً متواضعاً
دائم النظر في احوال الناس
ان يكون بعيداً عن السياسة “لأنه اذا دخلت السياسة حرم القضاء خرجت منه العدالة”.
القدرة على مقاومة أهوائه
وبصدق أقول إنها صفات تمثلها هذا “القاضي الدولي على امتداد مسيرته القضائية إيماناً منه انها هي التي تكسبة الاحترام والتقدير”
وكما تقول تغريد حكمت “إن مَثَل القاضي كمثل المصور، فالمصور مع مزاولة عمله يعتاد كيف يحسن النظر” (المرجع السابق ص 20-21)
وفي حديثها عن أول واجبات القاضي تقول: “ان اول واجب على القاضي هو ان لا يلتفت الى مراكز الخصوم ولا الى تنازعهم ولا الى
الوسط الاجتماعي الذي يُدرجون منه”. (المرجع السابق ص 22)
تثشدد تغريد حكمت على توخي العدل والاستقامة فلا محاباة لمصلحة الاقوياء والمحظوظين ولا محاباة ايضاً للمستضعفين على حساب الغير ولو ان مصدرها إحساس إنساني شريف لكنه أيضاً خطأ عظيم.
وهنا يورد هذا القاضي صاحب الشموخ والعنفوان هذه المفردات الممتلئة: “يستحيل على القاضي ان يجمع بين محبة الجمهور له وميله اليه واستحسانه له. (المرجع السابق ص 22)
وفي هذا السياق تورد ما ورد عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في حادثة المرأة المخزومية التي سرقت حيث قال: “إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه، واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد”. (المرجع السابق ص 22)
عبارة مانعة جامعة لو تتمثلها أنظمة الحكم في العالم اضافة الى الهيئات القضائية، اذن لانتفى الظلم ولسادت العدالة في الارض.
وهنا أضيف ان “السرقة” تشمل ايضاً سرقة “الارض” على نحو ما هو حاصل في فلسطين المحتلة، حيث بحكم شريعة الغاب التي
تمارسها امبريالية عالمية ظالمة تم تشريد شعب عن دياره دون التفات الى القوانين الدولية التي ادانت هذا الاحتلال الصهيوني.
وأنا أذرع هذا الكتاب الثمين استوقفني تطرق هذا القاضي النابه الى صور التعذيب التي تُمارس بحق المتهمين او حتى الابرياء على نحو تُنتهك فيه إنسانيتهم كما الحال في فلسطين حين تُنتهك “البراءة”، وفي تعريفها للتعذيب تقول تغريد حكمت: “يقصد بالتعذيب اي عمل ينتج عنه ألم او عذاب شديد، جسدياً كان ام عقلياً يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص او من شخص ثالث على معلومات او على اعتراف او معاقبته على عمل ارتكبه او يُشتبه في انه ارتكبه هو او شخص آخر او تخويفه او إرغامه هو او اي شخص ثالث، او عندما يلحق مثل هذا الألم او العذاب لاي سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه او يحرض عليه”. وهنا يشير هذا القاضي الى نص المادة (8) من الميثاق العربي لحقوق الانسان على “حظر تعذيب اي شخص بدنياً او نفسياً او معاملته معاملة قاسية او مُهينة او حاطة بالكرامة او غير انسانية”. (المرجع السابق ص 135)
ومما يؤسف له ان ما نصت عليه هذه المادة كثيراً ما يتم انتهاكه وبخاصة في المجتمعات النامية التي لا تقيم السلطات الحاكمة في غالبيتها اي احترام لما ورد في هذه المادة، بل تستخف بها أيما استخفاف!
وبعد تحية اكبار واعتزاز للقاضي تغريد حكمت عنفوان وشموخ وقدرة قضائية يُشاد بها. لقد ارتقت كسيدة كرسي القضاء عن جدارة واستحقاق. وكما وصفها دولة العين فيصل الفايز “تغريد حكمت اقتحمت اسوار المحاكم الوطنية والدولية عنصراً فاعلاً وحاضراً في فضاءات القضاء”.
تغريد حكمت امد الله في عمرك، اعطيت فأجزلت العطاء. مِن جِبِلة عظماء القضاة انت. تبوأت ارفع المناصب القضائية ونلت ارفع اوسمة التكريم.
التعليقات مغلقة.