بين الماجد وأبو كوثر.. إبداع متوهج واقتدار في التوظيف / نايف عبوش
نايف عبوش ( العراق ) – الأحد 13/12/2020 م …
ظلت العتابة، بما هي لون من ألوان الموروث الأدبي الشعبي ، لمجتمع ريف الديرة، من أروع ألوان الأدب الشعبي، واوسعها انتشارا، وتداولا بين الأجيال ، ليس فقط من خلال اعتبارها جزءاً من هويّة ذلك الموروث وحسب؛ بل لأنها تعبير شاعري مرهف عن وجدانيات مجتمع، بكل تفاعلاتها الإنسانية، والزمانية، والمكانية، الشجية منها، والسارة.
وعلى الرغم من خفوت وهج الأدب الشعبي في مجتمعاتنا الحديثة، بتداعيات العصرنة الجامحة، والعتابة منه بشكل خاص، إلا أن الوجدان الشعبي الريفي لمجتمع الديرة ، لازال يحفل بثراء زاخر في موروثه منها ، بسبب عراقتها الضاربة في وجدانه، واستجابتها الجامحة للتعبير عن أوجاع هذا الوجدان، كلما سعرها لهيب عاديات الزمن.
واليوم، كعادته، اتحفنا أديب عتابة الوجع، بيج الماجد، بعتابة إبداعية غاية في الروعة والجمال، نظما وتوظيفا للمفردة الشعبية( شدفاه)، والمثل الشعبي الدارج( حية ثليج ما ينحط بالعب) .. يقول فيها :
تمحلني زماني بحيل شدفاه
كسير بنص برد كانون شدفاه
يلولا إن البعب ثليج شدفاه
ركضنا جان للشيمه حفى
وقد عارضها نظما، الشاعر المبدع أبو كوثر أحمد العلي السالم، في تفاعله المرهف معها باقتدار إبداعي مدهش، نظما وتوظيفا بليغا لمفردة(يسراه)، لتتلاءم، وتتناغم مع مفردة( شدفاه) في عتابة بيج الماجد، التي من معانيها الأعسر، وهو الذي يستخدم يده اليسرى في الأداء ، مع أن أبا كوثر كان، لتوه ، قد تعافى من مضاعفات كورونا، وما تركته في نفسه من تداعيات مريرة ، حيث يقول :
تمحلني زماني بترس يسراه
عسير وماترك للعسر يسراه
هواكم ياشريج العگل يسراه
إبدمي وطار عن عيني الكرا
ولعل مثل هذه المجاراة الإبداعية، ليست بغريبة على الشاعر الكبير، ابو كوثر، فهو سليل أديب العتابة المعروف، درويش الخضر العابد رحمه الله تعالى، الذي ترك رصيدا ثرياً من نصوص العتابة البليغة ،والتي لايزال البعض منها يتردد ، على ألسنة الناس، بالرغم من مضي فترة طويلة على نظمها، حيث أدى له بعضاً منها على الربابة، الفنان الريفي الكبير الملا ضيف الجبوري .
وهكذا نجد أن بيج الماجد وأبا كوثر.. قامتان سامقتان في ساحة نظم العتابة، وظاهرة إبداعية متوقدة، ومتميزة حقاً، في هذا الضرب من الأدب الشعبي، في وقتنا الحاضر .
ولا ريب أن نتاجهما الإبداعي من العتابة، سيعمل على تنشيط هذا النمط من أدب التراث، نظما ، ورواية، وتداولا، وتناولا،وتلقيا وقراءة ، سواء على المستوى الشعبي الدارج في مجالس السمر، والدواوين، كما هو معتاد ، او حتى على المستوى الثقافي، والأكاديمي، في بحث، ودراسة، أدب الموروث الشعبي ، وذلك لإعادة نفخ الروح فيه ، والحفاظ على ما تبقى منه من الضياع، قبل أن تكنسه وسائل العصرنة الصاخبة، المفتوحة في كل الاتجاهات، بلا قيود، فيغيب عن الحضور، ويتلاشى من الوجود .
التعليقات مغلقة.