حكومات المحاصصة الطائفية تمنع قيام الدولة في لبنان ( الجزء الثالث ): 2005/1989 / موسى عباس

 موسى عباس ( لبنان ) – السبت 19/12/2020 م …




الجزء الثالث:
مرحلة :1989-1992
الحرب الأهلية استمرّت متقطّعةً حتى أواخر العام1989، حين قرّرت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الفاعلة أنّه حان الوقت لإيقاف القتال في لبنان وفرض تغيير على نمط التعامل السياسي بين اللبنانيين المتحاربين وألزموا الدول العربية التي كانت تلعب دوراً أساسيّا في السياسة اللبنانية ولا سيّما(السعودية وسوريّا ) بالمشاركة في الإجتماعات التي حضرها 62 نائباً من أصل73 كانوا لا زالوا أحياءً من أعضاء مجلس النوّاب اللبناني (الذي كان انتُخب في العام1972) في مدينة الطائف السعودية  حيث جرت محادثات برعاية الدول المذكورة الأجنبية والعربية، وتمّت الموافقة على ما عُرف لاحقاً  باسم (إتّفاق الطائف) 22تشرين الأوّل  1989 وصادق عليه مجلس النوّاب في اجتماع عُقِد في لبنان في 5 تشرين الثاني 1989 تحت اسم (وثيقة الوفاق الوطني ) أعتُبِر حيهنا إصلاحاً في خلل الدستور ، والذي لم يُطبّق فيه أهم بند جاء فيه :
-“إلغاء الطائفية السياسية” والسبب هو الإصرار على المحاصصة الطائفية لما فيه من مكاسب شخصيّة للزعامات الطائفية والمذهبيّة السياسية والدينية.
كذلك لم يُطبّق بند :
-انسحاب القوات السورية من لبنان خلال عامين من بدء تنفيذ الإتّفاق.
– كان عهد أمين الجميل انتهى في 22 أيلول 1988دون التوافق على  انتخاب  الرئيس البديل , ولم يوافق رئيس الحكومة الدكتور سليم الحصّ على الشروط التي حدّدها أمين الجميّل لتسليمه السلطة حسب ما ينص الدستور ،قام الجميّل  في الساعة الأخيرة من حكمه بتكليف(العماد ميشال عون)قائد الجيش آنذاك لتسلُّم السلطة الذي شكّل بدوره حكومة عسكريّة ، سُرعان ما استقال منها الضبّاط المسلمون.
وهكذا أصبح هناك حكومتان واحدة عسكريّة في بعبدا برئاسة “العماد ميشال عون” والثانية في بيروت الغربية برئاسة “الدكتور سليم الحصّ”.
-كانت القوات السورية قد عادت إلى بيروت في العام 1987 بعد معارك دارت بين الحزب التقدمي الإشتراكي وحركة أمل، وبعد عودتهم عادت المخابرات السورية لتتحكّم بجميع الأوضاع السياسية والأمنيّة في مناطق سيطرتها .
من المضحك المبكي ما يتندّر به أهل بيروت عندما يتحدثون ويصفون تلك المرحلة، يقولون:
“اختصّ الضابط الشهير ”جامع جامع” بتأديب الناس وتصفيتهم.
بعضهم يطلق عليه لقب “الجزّار  بعد إقدامه على إعدام 23 من شباب حزب الله في ثكنة فتح الله” في بيروت في 25 شباط من العام 1987 “.في الوقت الذي كان “العميد غازي كنعان” يقوم  بتأديب السياسيين اللبنانيين من دون استثناءا، وبعد إقالته من منصبه في لبنان تولى المُهمّة مكانه العميد “رستم غزالي” حتى العام 2005.
وتصاعدت تلك الهيمنة بعد إقرار اتفاق الطائف وإلغاء سيطرة العماد ميشال عون واخراجه بالقوة من القصر الجمهوري في بعبدا”بتاريخ 13 تشرين الأوّل 1990
– حكم  اللواء غازي كنعان لبنان فعلياً لعقدين من الزمن حيث اطلق عليه اللبنانيون لقب ”الحاكم بأمره” و”صانع الشخصيات” كان الآمر الناهي في جميع الأمور  حيث أدار الملف اللبناني بالكامل  بدءًا من تحكّمِه في تشكيل الحكومات وترتيب لوائح الإنتخابات النيابية، وصاحب الحَظوَة من كان يعيّنه نائباً أو وزير ، وكلّ ذلك تحت إشراف “عبد الحليم خدّام”، (الذي فرض ولده”جمال خدّام”نفسه شريكاً في العديد من المؤسسات الإقتصادية ).
حتى أنّ قانون الإنتخابات اللبناني الذي صدر عام 2000 أُطلِقت عليه تسمية”قانون غازي كنعان”.
-كانت العمليات  العسكريّة ضد مواقع الجيش الصهيوني وعملائه في جنوب لبنان متواصلة وتزداد وتيرتها عندما تمّ تشكيل أوّل حكومة برئاسة رجل الأعمال رفيق الحريري القادم من السعوديّة “صاحب الباع الطويل في العلاقات الدوليّة”بعد توافق سعودي سوري وبالطبع دعم الغرب في تشرين الأوّل من العام 1992 .
كان لدى رئيس الحكومة الجديد مشروعاً لإعادة إعمار لبنان على خلفية أنّ هناك في المستقبل مشاريع سلام في المنطقة مع الكيان الصهيوني وعلى هذا الأساس لا بدّ أن يكون لبنان مؤهلاً سياسيّاً واقتصادياً وفي البنى التحتية للمشاركة في أيّ مشروع سلام قادم، حتى أنّهم على أوتوستراد بيروت الناقورة إسم”أوتوستراد السلام”.
مرحلة: 1993-2000
بناء على أنّ السلام قادم، حاول منذ توليه رئاسة الوزراء وبالتوافق مع عبد الحليم خدّام  وغازي كنعان وبالطبع مع رئيس الجمهورية إلياس الهراوي وقوّات الطوارئ الدولية إزاحة العقبة الأساسية التي تعيق مشاريع السلام في لبنان والمنطقة ألا وهي “المقاومة في الجنوب”.
   طلب رئيس الجمهورية آنذاك  وبحضور الرئيس رفيق الحريري والوزراء من قائد الجيش اللبناني حينها “العماد إميل لحود” إرسال الجيش إلى المناطق التي تنطلق منها عمليّات المقاومة ضد مواقع الصهاينة في الجنوب اللبناني ومنع استمرارها واعتقال من يقوم بها ولكن قائد الجيش رفض تنفيذ الأمر  وهدّد بالإستقالة كما روى هو بذاته .
-رواية الرئيس لحود:
 “على اثر عملية قامت بها المقاومة، باشر العدو الإسرائيلي بالإعتداء على لبنان لمدة أسبوع. وخلال هذا الوقت، كان رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، كعادته عندما يشعر بالخطر، وطوال مدّة العدوان، يسكن في منزله في دمشق. عند انتهاء العدوان، عاد الحريري الى بيروت وارسل بطلبي على عجل قائلا: “أخيرا اقتنعت الدولة السورية بضرب حزب الله، وانا أحمل لك رسالة من القيادة السورية لضرب حزب الله غدا صباحا، وانت غير مسؤول لان قرارا من مجلس الأمن سيصدر مساء لقوات الطوارئ بأن يسيروا أمامك ويقوموا بتنظيف الجنوب من حزب الله، والجيش اللبناني يتسلم السلاح الذي تصادره قوات الطوارئ من حزب الله، وعلى طريقك احرق اي مسلح يظهر بقاذفة اللهب، وكذلك تخلص من الجبهة الشعبية في الناعمة بقاذفة اللهب”.
-وتابعت المقاومة عملياتها العسكريّة تخلّلها معارك طاحنة في شهر تمّوز1993 تحت مُسمى (تصفية الحساب) وفي شهر نيسان 1996 ، تحت اسم(عناقيدالغضب)،
وفي 25 أيّار من العام 2000  أُجبِرَ الجيش الصهيوني على الإنسحاب مُرغماً يجرُّ أذيال الهزيمة ودون قيدٍ أو شرط.
-اطلقت تسمية الفترة الأولى من رئاسة الرئيس رفيق الحريري  للحكومة بعهد (الترويكا) وتقاسم الحصص والمناصب بين الرؤساء وازدهار الفساد  والهدر  والإثراء غير المشروع في جميع مؤسسات الدولة وأكبر مثال على الفساد والهدر كان في تلك الفترة(وزارة المُهجّرين وشركة كهرباء لبنان) ، حيث عشرات المليارات من الدولارات، وتضاعفت نسبة الدّين العام على الدولة  دون تحقيق أي ازدهار فعلي أو أي إصلاح لمصلحة المواطنين.
مرحلة 2000-2006
– عاد الرئيس رفيق الحريري إلى تولّي رئاسة الحكومة  بين العام 2000 و2004 وتميّزت تلك الفترة بالخلاف الشديد مع رئيس الجمهوريّة” إميل لحود”على أسلوب إدارة الحكم في لبنان.
-تبدّل العلاقة بين الحريري وحزب الله
الأسلوب العدائي من قبل رفيق الحريري في التعامل مع المقاومة تغيّر بعدما تأكد للحريري أنّ الصهاينة لا يريدون السلام لا سيّما بعد رفضهم ما سُميَ “مبادرة السلام العربية”2002، وأنّهم يرون في لبنان عدوّاً هزمهم لا بدّ من الإنتقام منه ومنافساً اقتصاديّاً لكيانهم في مجالات عدّة.
 كان “حزب الله “مقتنعا بأن حماية لبنان غير ممكنة من دون المقاومة، وأن حماية المقاومة غير ممكنة من دون وفاق داخلي لبناني ووفاق بين لبنان وسوريا، لذلك كان يعمل جاهداً على رأب أي صدع بين سوريا والرئيس رفيق الحريري ،لذلك ارتقى الحزب بعلاقة تطورت من علاقة الاضطرار الى بناء جسور من الثقة المتبادلة مع رفيق الحريري، جعلت الطرفين يقاربان أمورا كثيرة من زاوية أن تفاهما محصنا بتفاهمات لبنانية، يمكنه أن يؤسس لشراكة كفيلة بحماية المقاومة من جهة، وبجعل مشروع الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي عنصر حماية للمقاومة من جهة ثانية.
لكن المشروع سقط مع إغتيال رفيق الحريري.
إقتنع رفيق الحريري أنّ عمل حزب الله يُشكّل امتداداً لعمله، أو العكس، على طريقة تعريف “كارل فون كلاوزڤيتز” للدبلوماسية والحرب. وكان يرى أن حماية «الحزب» و«السيّد» واجباً من واجباته، وهذا ما دفعه سنة 2004، زمن حسم الخيارات الكبرى إلى عقد ذلك الاتفاق التاريخي مع السيّد:
«أنا معك ومع سلاحك ومقاومتك، حتى إنجاز التسوية الكاملة في المنطقة،بعدها نجلس ونتناقش، إذا اتفقنا نكمل معاً، وإذا اختلفنا أترك الحكم، ولا نصطدم أبداً “. 
هذا ما رواه وسيط اللقاءات والشاهد عليها مستشار الرئيس رفيق الحريري المرحوم “مصطفى ناصر”.
-الهدف من إغتيال الرئيس رفيق الحريري:
-في 14 شباط 2005   أغتال الصهاينة والأعراب والأمريكيون (حسب ما جاء في اعترافات أحد ضباط الإستخبارات الأمريكية “جون بيركينز”)الرئيس رفيق الحريري، ربّما حصلوا على معلومات عن لقاءات تجمع بين  السيّد نصرالله والرئيس رفيق الحريري فأخافهم التقارب بين الرجلين فأقدموا على إغتياله وكان الهدف من الإغتيال إثارة فتنة مذهبية بين المسلمين السنّة والشيعة بهدف الإنتقام والقضاء على المقاومة التي هزمتهم في أيّار العام2000.
منذ لحظة إعلان إغتيال الرئيس الحريري ولاحقاً عملت الإستخبارات الصهيونية والغربية والعربيّة بكامل قوّتها ودفعت عشرات الملايين من الدولارات لوسائل  إعلامية ولشخصيّات سياسية ودينية محليّة وعربية وغربيّة للتحريض ضد سوريا والمقاومة ولزرع بذور الفتنة المذهبية بين المسلمين السُنّة والشيعة وهيأت الواقع الشعبي في مناطق  بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع ،وخرجت القوات السوريّة من لبنان،  في الخامس والعشرين من نيسان 2005 وعاش لبنان فترة حرجة جدّاً كادت فيها أن تنجح مخططات إحداث الفتنة لولا حكمة ووعي قلّة من القيّمين على شؤون الطائفتين، لا سيّما وأنّ إغتيالات عديدة حصلت بعد إغتيال الحريري وجميعها كانت سياسية لا علاقة لها باغتيال الرئيس رفيق الحريري مباشرةً باستثناء اغتيال لشخصيتين أمنيتين كان أحدهما المسؤول المباشر عن أمن الحريري (وسام الحسن) أمّا الآخر فكانت مسؤوليته تتعلق بالتحقيقات بحوادث الإغتيال(وسام عيد) وجميع تلك الإغتيالات تم توجيه الإتهامات فيها لسوريا ولحزب الله من وسائل الإعلام المعادية لهما دون أيً دليل ، وإنّما الهدف فقط هو التحريض الفتنوي الطائفي والمذهبي الذي تصاعد  بشكل أكبر بعد هزيمة الصهاينة في عدوانهم وحربهم على لبنان في تموز/آب 2006, الأمر الذي لم تخفيَه الإدارة الأمريكية وأعلنه :
السفير الأميركي الأسبق في لبنان “جيفري فيلتمان”​ في إفادة له أمام ​الكونغرس الأميركي​ عن مبالغ دفعها ل 700 سياسي وإعلامي لبناني بلغت 500مليون دولار في إطار حملة واشنطن لتطويق “​حزب الله​” وحلفائه، وما صرح به لاحقا وكيل ​وزارة الخارجية​ الأمريكية للشؤون السياسية ​”ديفيد هيل​” عن مليارات دفعت للغاية نفسها مباشرة عبر برامج ” متخصصة” استقطبت لبنانيين قدموا أوراق اعتمادهم  للإدارة الأمريكية مباشرةً أو عبر السفارة الأمريكية في”عوكر” بادعاء القدرة على التشويش على حزب الله وتقديم معلومات عنه. وبعض هؤلاء استحدثوا مواقع وشكلوا جمعيات اقتصرت عضويتها عليهم، وهم تقاضوا مبالغ من NGOS دانماركية وهولندية. وأن احدى المؤسسات الاميركية مولت برامج لإحدى الجمعيات غير الحكومية ذات وظيفة إعلاميّة تتقاضى تمويلا من ​الاتحاد الأوروبي​. إضافة إلى أن جمعية ألمانية توظف إحداهن على رأس جمعية استحدثتها حول الإعلام و​السلام​، تعددت العناوين والمايسترو واحد.
“يتبع”

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.