المغرب بين الحلم الأوروبي وإجبارية التصهين / كمال ازنيدر

كمال ازنيدر* ( المغرب ) – السبت 19/12/2020 م …




* كاتب إسلامي وباحث في الأداء السياسي والمؤسساتي …

علينا أن نفرق بين الموقف التاريخي للشعب المغربي من القضية الفلسطينية وبين موقف الدولة المغربية. فالمغرب ليس بالبلد الديمقراطي لكي نقول أن الحكومة المغربية هي صورة طبق الأصل من الشعب المغربي. ففي العديد من المناسبات، نلمس تباينا صارخا وتعارضا مطلقا بين مواقف هذا الشعب وبين سياسات وتوجهات حكامه.

هذا الشرخ العظيم بين موقفي الشعب المغربي وحكومته يسري على العديد من قضايا الأمة ومن بينها القضية الفلسطينية. فالشعب المغربي شعب مساند لفلسطين ورافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني ولطالما عبر عن هذا في العديد من الوقفات والمسيرات وغيرهما من المناسبات.

ما أقدمت عليه المؤسسة الحاكمة مؤخرا أحدث له صدمة وجراحا عميقة في أعماق أعماقه. لكن مع هذا لا تنتظروا منه أن يثور، أن ينزل للشارع بكثافة ليحتج أو يطالب بإسقاط النظام الحاكم، إلى غير هذا من ردود الفعل. فللشعب المغربي خصوصيات تاريخية وثقافية دينية تفرض عليه تلقي الصدمات والضربات والمعاناة في صمت من دون إبداء أية ردة فعل.

الشعب هذا، فئات عريضة منه مستواها الثقافي والفكري مستوى جد متدني وهي لم تتحرر إلى يومنا هذا من الموروث المالكي الذي يربي المالكيين على السمع والطاعة لأمير المؤمنين مهما فعل… حتى وإن ضرب ظهورهم وأخذ مالهم كما جاء في أحد الأحاديث المنسوبة ـ زورا أكيد ـ إلى أعظم خلق الله (عليه الصلاة والسلام) التي يروج لها فقهاء المالكية.

هذا الموروث “أفيون المغاربة” الذي ترعاه الدولة وتعمل على نشره والترويج له في المساجد والأضرحة والزوايا والبرامج السمعية والبصرية الدينية يضعف المعارضة الشعبية بشكل كبير جدا ويضع الملك بصفته أمير المؤمنين في موضع قوة ويمنح كذلك قراراته التي في حالات عديدة لا تتوافق مع الإرادة الشعبية ولا تتم صناعتها ولا مناقشتها لا بالمجلس الوزاري ولا بمؤسسة البرلمان قدسية وشرعية مسبقة.

إلى جانب هذا العامل الثقافي الديني هناك عامل آخر هو العامل التاريخي. فسنوات الرصاص وما شهدته من اختطافات واختفاءات وسجن وتعذيب وقتل ليست بالبعيدة عنا. ذكرياتها المؤلمة والمرعبة مازالت راسخة، منقوشة ومحفورة في أذهان العديد من المغاربة… الشيء الذي يفرض عليهم المعارضة في صمت وعدم المجاهرة برفضهم لقرارات المؤسسة الحاكمة.

أما فيما يخص هذه المؤسسة، فموقفها من التطبيع من الكيان الصهيوني معروف منذ القدم. ومن يعتقد أن صفقة ترامب هي من غيرت من موقف الدولة المغربية من التطبيع مع هذا الكيان فهو مخطئ للغاية. فملف التطبيع مع الكيان الصهيوني كان دائما حاضرا في ذهن المؤسسة الملكية وفي صلب سياساتها منذ عهد الحسن الثاني… ولهذا تمت عرقلة العديد من مقترحات القوانين المجرمة لهذا التطبيع التي كان يتقدم بها بين الفينة والأخرى بعض النواب البرلمانيون أو الفرق البرلمانية.

صفقة ترامب فقط خلقت الأجواء المثالية للإعلان الرسمي عن عودة التطبيع مع الكيان الصهيوني مرة ثانية، إذ بفضلها تمكنت الدولة المغربية من إلباس خيانتها للقضية الفلسطينية ثوب النصر الدبلوماسي العظيم في القضية الصحراوية. أما التطبيع فكان حاضرا في أجندة المؤسسة الملكية وممارساتها منذ عقود طويلة.

فالمؤسسة الملكية منذ عهد الحسن الثاني أصبحت تؤمن بأن مصالحها ليست مع دول العالم العربي ولا الإسلامي بل مع قوى الإمبريالية الغربية. وعلى أساس هذا الإيمان، أدارت ظهرها للقضايا العربية والإسلامية وأصبحت تجري خلف الحصول على رضا القوى الأوروبية العظمى وتأشيرة القبول للانضمام للاتحاد الأوروبي… وهذا ما جعل بعض الدول العربية تصطف إلى جانب البوليساريو في صراعه ضد الدولة المغربية.

الرغبة هذه في الانضمام للاتحاد الأوروبي فرضت على الدولة المغربية منذ عهد الحسن الثاني اختيار توجهات ونهج سياسات مشابهة لتلك التي تنهجها وتسير عليها دول هذا الاتحاد وخصوصا فرنسا. هي فرضت عليها تبني النموذج الأوروبي واستنساخ الهياكل الإدارية والمنظومة القانونية المعمول بها في دول أوروبا، إذ سرعان ما شرعت في القيام بمجموعة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والإدارية بغية تحقيق تطابق أو على الأقل تقارب مع المعايير المعمول بها بهذه الدول.

كما فرضت عليها الانقلاب على سياساتها الخارجية المتبعة في عهد محمد الخامس وتبني مواقف دبلوماسية لا تنأى عن مواقف الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار، تم التخلي عن الموقف العربي والإسلامي الرافض لقيام دولة إسرائيل وتبني الموقف الأوروبي المنادي بحل الدولتين.

وقد وجد الاتحاد الأوروبي في الدولة المغربية ممثلا ومفاوضا من الطراز الرفيع لإقناع دول العالمين العربي والإسلامي وكذا منظمة التحرير الفلسطينية بتبني هذا الحل. كما وجد فيها آلة لقمع وإقبار الحركات اليسارية والإسلامية المعارضة للصهيونية والإمبريالية الغربية.

أما المؤسسة الملكية المغربية فاستفادت الكثير من ارتمائها في أحضان المنظومة الأوروبية التي أغدقت عليها بالقروض والمساعدات المالية وكذا المشاريع الاستثمارية. مع الإشارة أن كل هذا لم يعد على الشعب المغربي سوى بالنفع القليل.

وبخصوص التطبيع مع الكيان الصهيوني، فقد ساند هذا الكيان النظام المغربي ودعمه بشكل كبير في حربه ضد البوليساريو كما سانده في معركته ضد معارضيه، الاشتراكيين منهم والإسلاميين. فالموساد لعبت دورا كبيرا في تصفية المهدي بن بركة، وليس مستبعدا أن تكون لها يد في تصفية، سجن أو اختفاء معارضين آخرين.

سنة 2000، أعلن المغرب عن قطع علاقاته الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني. لكن مع هذا سمعنا بعد ذلك عن زيارة مسؤولين حكوميين إسرائيليين للمغرب من بينهم مجرمي حرب. كما عاينا مرارا وتكرارا مشاركة منتخبات الكيان الصهيوني في البطولات الرياضية الدولية المنظمة بالمغرب ناهيك عن رفرفرة علمه في سماء مراكش.

واليوم سمعنا عن تطبيع العلاقات مع هذا الكيان بشكل رسمي. وغدا سنسمع لا محالة عن فوز شركة من شركات الكيان الصهيوني بإحدى الصفقات العمومية المغربية. فبيان الديوان الملكي المغربي واضح وضوح الشمس في عز النهار : المملكة المغربية عازمة على تطوير علاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي مع الكيان الصهيوني.

أيضا سنشاهد استثمارا رهيبا لهذا الكيان في مجالي الإعلام والبحث العلمي بجامعاتنا ومدارسنا ومعاهدنا العليا. كما لدينا اليوم إعلاميون وأساتذة جامعيون يسبحون بحمد النظام المغربي صباح مساء سيصبح لدينا غدا آخرون يهللون لكل ما يقوم به الكيان الصهيوني… أصلا ملامح الإعلاميين المتصهينين بدأت تظهر، والباقي ما هي إلا مسألة القليل من الوقت لكي تتضح معالمه.

فاليوم ممكن أن نقول أنه أصبح لدينا بالمغرب إعلاما متصهين يعمل هو الآخر على شيطنة الفلسطينيين على غرار ما تقوم به وسائل الإعلام الغربية المتصهينة التي لها تاريخ طويل في مساندة الصهيونية وجرائمها ضد الإنسانية. فبالغرب، الإعلام المتصهين يعمل دائما على تصوير الفلسطينيين كإرهابيين لتبرير جرائم الكيان الصهيوني وسياساته الاستعمارية. وببلدنا الحبيب، إعلامنا المتصهين هو اليوم يعمل على تقديم الفلسطينيين كأعداء لوحدتنا الترابية لتشتيت التفاف المغاربة حول قضيتهم وتبرير التطبيع مع عدوهم وعدونا الصهيوني.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.