إنحسار الموروث الشعبي بضجيج العصرنة / نايف عبوش

نايف عبوش ( العراق ) – الأحد 20/12/2020 م …



اللافت للنظر حقا، ان الجيل الجديد من الشباب، يكاد يكون بفعل تداعيات العصرنة الصاخبة، وإلتصاقه الشديد بالواقع الإفتراضي، وانغماسه الكلي فيه، وتماهيه التام مع معاييره، قد انفصل عمليا عن واقعه الاجتماعي الحقيقي، وبالتالي فإنه
لم يعد يتفاعل مع الوالدين، والجدات، والآخرين من أقرانه، ومجايليه، بنفس روحية، وحميمية الجيل السابق.
وهكذا بدأ الجيل الجديد، يفقد دفء العلاقة العاطفية مع العائلة، والأقارب، والمجتمع ، ويخسر التواصل مع ذاكرة الماضي، بالإنفصال عن مجتمع كبار السن، وغياب حالة الترادف معهم، وخسارة الاستماع لمروياتهم في أحاديث السمر بالمجالس، وخسارة تلقي احجيات الجدات، التي كانت سائدة في مساءات أيام زمان الحالمة ..
وبذلك فقد غابت ظاهرة تواصل الأجيال بالترادف، بالتواصل المباشر ، وتفككت حلقات سلسلة انتقال التراث من السلف إلى الخلف، بالسياقات التقليدية الموروثة، التي حتى وان كانت في جانب منها ذات طبيعة خرافية، أو اسطورية، الا انها كانت تترك في نفس الجيل من الشباب، والصبية، والاطفال،ملكة الخيال الخصب، وتنمي لديهم القدرة على التصور، وتفجر عندهم طاقة الإبداع، وتزيد آصرة الألفة العائلية،والاجتماعية متانة، من خلال اسلوب التواصل الاجتماعي الحقيقي التقليدي، بما هو آصرة مجتمعية تراثية متراكمة، متناقلة من جيل الى جيل ..
وهكذا فإن ضياع الجيل الجديد، بتداعيات العصرنة الصاخبة، وبإنغماسه الكلي في العالم الافتراضي، وتهافته في تقليد الموديلات الحديثة، ومحاكاته الموضات المستوردة، وانهماكه فيها من دون تمحيص، يكون قد انفصل عمليا عن واقعه الاجتماعي الحقيقي ، ولم يعد يتفاعل مع الآخرين في وسطه العائلي والاجتماعي ، بنفس روحية، وحميمية الجيل السابق، حيث بدأ يفقد دفء العلاقة الروحية مع العائلة، والأقارب، والمجتمع، ويخسر ميزة التواصل المعنوي مع ذاكرة الماضي،في نفس الوقت،بعد أن بات يعيش حياة جامدة، بحس متبلد، ووجدان جاف ، رغم كل ما تتيحه له حياته العصرية من معطيات إيجابية.
ولا ريب أن تباشير هذا المأزق الاجتماعي بتداعياته السلبية، باتت تدق جرس إنذار حقيقي بتلاشي أحد أهم مصادر تشكيل أصالة الهوية الاجتماعية، مما يتطلب الإنتباه لمواجهة سلبياتها، بترشيد الإستخدام، والعمل على إعادة تنشيط واقع التواصل الحي، والترادف بين الأجيال في الأسرة والمجتمع ، والنهوض بثقافة التراث في نفس الوقت ، والحفاظ على ما تبقى منه من الضياع، قبل أن تكنسه وسائل العصرنة الصاخبة، المفتوحة في كل الاتجاهات بلا قيود، فيصبح حاضرنا عند ذاك، راهنا مقطوعا، بلا جذور، ووجودا متبلدا، بلا ذاكرة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.