بوتين في طهران أو.. سقوط رهانات الخلاف! / محمد خروب
محمد خروب ( الأردن ) الثلاثاء 24/11/2015 م …
تدرك واشنطن عميقاً كما باريس ولندن وخصوصاً أنقرة (دع عنك بلاد العرب)، ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يذهب اليوم الى طهران لعقد صفقات تجارية يشتري فيها الفستق الحلبي ولا هو في صدد التوقيع على اتفاقيات لامداد بلاده بالسِجّاد العجمي، الذي يُبدي الايرانيون خلال صناعته صبراً وهدوءاً واتقاناً، انعكس–ضمن امور اخرى – على مقارباتهم السياسية والدبلوماسية وكيفية ادارة الصراع مع قوى الاستكبار العالمي او معسكر الشيطان الأكبر، وتلك المصطلحات التي يحفل بها قاموس الجمهورية الاسلامية في ايران.
ان يهبط بوتين في طهران لحضور منتدى الدول المُصدِّرة للغاز ثم ليلتقي المرشد الاعلى علي خامنئي , بما ان الاخير هو في النهاية صاحب القرار ومُوَجِّه السياسات فيها، (وفي هذه المرحلة بالذات التي لم تستقر فيها الأمور ولم تُحسم المعارك ميدانياً , رغم كل المؤشرات الذاهبة في هذا الاتجاه)، يعني ان الحليفين الأبرز لنظام الرئيس بشار الأسد يحرصان على تنسيق خطواتهما والتوافق – في حال تعذر الاتفاق او التطابق في وجهات النظر – على ما يريدانه فT ي المرحلة الراهنة , وخصوصاً في المدى القريب الذي سيكون اشارة دالّة على طبيعة موازين القوى ومعادلة التحالفات والاصطفافات الجديدة التي ستلي نتائج المعارك المحتدمة الآن والتي تزداد وتيرتها مع اقتراب موعد فيينا 3 , وبخاصة بعد الاجتماع الذي دعت فيه الرياض مجموعات المعارضات السورية السياسية وخصوصاً المُسلّحة للالتقاء في منتصف الشهر القريب للاتفاق على وفد «مُوَحّد» للتفاوض مع النظام السوري على ما نصت نقاط فيينا 2…التسع، والتي اكد عليها المبعوث الدولي دي ميستورا وحث «المعارضات» على بلورة وفد موحد يعلم الداعون لمؤتمر الرياض كما المدعوون والاطراف الداعمة لهم , استحالة اتفاق هذه التنظيمات «صفرية» التمثيل الشعبي والمناضلة فقط في فنادق النجوم الخمس وعلى شاشات الفضائيات، اما تلك المُسَلّحة فيدرك رُعاتها ومُمولوها و»الاصدقاء» انها منظمات ارهابية في الخطاب والممارسات والدور الذي أُنيط بها، ما بالك ان نفوذها الميداني يكاد هو الاخر أن يكون صفرياً, ليس بعد الانخراط الروسي في الازمة السورية منذ الثلاثين من ايلول الماضي , بل قبله بكثير.
ما علينا..
جدول اعمال قمة بوتين روحاني أو قل مباشرة بوتين خامنئي , سيكون حافلاً ومضغوطاً وكاشفاً للطرفين عن المستوى الذي وصلت اليها علاقاتهما سلباً أم ايجاباً, صراعاً أو تحالفاً, تربصاً أو لعباً على المكشوف في اطار أهداف مُحددة وواضحة تلحظ اتفاقهما على عدم السماح باسقاط النظام في دمشق (وهي مسألة باتت محسومة وغير قابلة للمساومة او النقاش ميدانياً وسياسياً وواقعياً).
لعب كثيرون في الاقليم وعبر المحيطات على استثمار وتوظيف وتكثيف الشائعات التي فبركوها على خلافات بين طهران وموسكو, وان الاخيرة هيمنت على المشهد السوري وتمارس دوراً اقصائياً لايران لِلحَد من نفوذها سورياً, وبالتالي –كما يتوهمون – فإن بوتين يريد في النهاية ان يقول لواشنطن والاتحاد الاوروبي أن « الامر لي» في سوريا وانا جاهز الان لعقد الصفقة الكبرى , بدءاً من اوكرانيا وليس انتهاء بكل مواقع الازمات والنزاع في الشرق الاوسط الذي عادت اليه روسيا بقوة, بعد أن اجبرها السادات – وبإذلال مقصود – على مغادرة المنطقة (عندما كانت موسكو سوفياتية) في العام 1972.
ليس بوتين ساذجاً أو هاوياً أو استعراضياً كما بينت الاحداث ووقائع الايام ومسار المواجهات مع الغرب…الساخنة منها والباردة, والتي تنوعت أدواتها بين الضرب تحت الحزام أو التراشق الاعلامي والمقالات الصحفية أو الخطابات وخصوصاً في منتدى ميونيخ السنوي للأمن, عندما رفض همروجة «الاستثناء الاميركي» الاستعلائية , واعتبر أن سقوط الاتحاد السوفياتي هو أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين.. لهذا فإن ذهابه الى طهران ليس أقل من رسالة للغرب بأن الرهان على خلافات «بنيوية» بين موسكو وطهران يمكن أن تؤدي الى طلاق بائن, هو رهان خاسر , في الوقت ذاته الذي يدرك فيه بوتين أن حدة الخلافات بين طهران ودول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة ليست كما كانت قبل اتفاق 14 تموز الماضي (اتفاق فيينا النووي) وهو في غير وارد دعوة طهران الى قطيعة مع الغرب وإن كان يفضل ان لا تذهب ايران بعيداً في التقارب مع ما كانت «وربما ما تزال»…الشيطان الاكبر, الذي يواصل اللعب على تناقض «الحلفاء» الثلاثة في دمشق وطهران وموسكو.. رغم أن الاخيرة معنية تماماً بأن ترد لها طهران «الجميل» , بعد أن وقفت الى جانبها طوال المفاوضات النووية ودائماً في مسألة العقوبات والعقود التجارية والتسهيلات في الدفع بالعملة المحلية والمقايضة.
لن تختلف موسكو وطهران عميقاً , ولن تحدث بينهما قطيعة ,أقله في المديين الوشيك والمتوسط , فهما في حاجة مُتبادلة الى بعضهما البعض أقل في المعركة الحاسمة الدائرة الان وبعنف على الاراضي السورية, ما بالك انهما سيظهران (والرئيس الاسد) قريباً وقريباً جداً على منصة المنتصرين بعد أن ينجحا في كسر شوكة الارهاب وداعميه في المنطقة وخصوصاً تركيا التي ما تزال تتحدث بهذيان عن إقامة منطقة آمنة خلال اسبوع من الان؟
دعهم يهذون..إذاً.
التعليقات مغلقة.