“حرب الفرقان”.. ذاكرة الفلسطينيين لا تنسى يومه الأول
في مثل هذا الوقت من العام 2008، أفرغت 70 طائرة حربية إسرائيلية حمولتها من القنابل، فوق قطاع غزة، إيذانا بانطلاق حرب عسكرية، هدفها إسقاط المقاومة في غزة، وإعادة احتلال القطاع.
بدأت دولة الاحتلال عدوانها، عند الساعة الحادية عشرة والثلث من ظهيرة 27 كانون الأول ديسمبر 2008، بقصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي، المواقع الأمنية والشُرَطية داخل القطاع، في محاولة لمباغتة المقاومة الفلسطينية، والعمل على إنهاء الحرب من الضربة الأولى.
امتصاص الصدمة
عاش سكان القطاع أوقاتا صعبة خلال هذه الضربات، وتناثرت جثث الشهداء في الشوارع والطرقات، وسادت حالة من الخوف والفزع، حتى انقشع غبار هذه الغارات، وشيع الفلسطينيون شهداءهم، وما هي إلا لحظات حتى انطلقت صواريخ المقاومة الفلسطينية، تدك الأراضي المحتلة عام 1948، مفشلة بذلك أول هدف من أهداف الحرب، وهو وقف إطلاق الصواريخ.
تمكن سكان القطاع الذين أنهكهم الحصار من امتصاص الضربة الجوية الأكبر، والتي قضى فيها 330 شهيدا من قادة وعناصر الأجهزة الأمنية في غزة، بينهم قائد الشرطة وقائد الأمن الداخلي، وغيرهم من القادة، واستعادوا عافيتهم في وقت قصير، ونظموا صفوفهم وبدأوا العمل بخطة الطوارئ، سواء على صعيد المقاومة أو الأمن الداخلي أو توفير احتياجات الناس.
وأخذت أجهزة المقاومة مواقعها برفقة الأجهزة الأمنية، ضمدوا جراحهم، وعملوا بشكل سري باللباس المدني في تنظيم شؤون الحياة، بالإضافة إلى دور الطواقم الطبية، التي واصلت عملها بشكل طبيعي.
وفي خطوة ذات دلالات، فوجئ موظفو الحكومة التي كان يرأسها إسماعيل هنية آنذاك، بوصول رواتبهم عن شهر كانون الأول/ ديسمبر في وقتها المحدد، من خلال ظرف مغلق لكل موظف؛ ليدلل على أن الوزارات عادت للعمل بشكل طبيعي، وأن تأثير الحرب لم يكن كبيرا عليها.
جنود “الفرقان” يصدون “الرصاص المصبوب”
حددت الدولة العبرية أهدافها الـ3 من هذه الحرب التي أطلقت عليها اسم “الرصاص المصبوب” وهي: وقف إطلاق الصواريخ من غزة، القضاء على حكومة هنية، وتحرير الجندي جلعاد شاليط من الأسر.
واستمرت طائرات ودبابات وبوارج الاحتلال، بقصف القطاع بشكل مكثف ليلا ونهارا، دون أن تلتفت لكل النداءات والدعوات الدولية لوقف حربها، مرتكبة الكثير من المجازر بحق العوائل الفلسطينية مثل الداية والسموني والنجار وغيرهم، ومستخدمة الأسلحة المحرمة دوليا كالفسفور الأبيض.
وكانت حكومة الاحتلال، طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية 3 أيام من اجل شن هذه الحرب والقضاء على حكم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في غزة، متوهمة أن أهالي القطاع سيرفعون الرايات البيضاء لتستمر هذه الحرب 3 أسابيع كاملة.
لكن صمود رجال المقاومة طيلة 22 يوما في “حرب الفرقان” -كما أسموها-، حال دون تمكن الاحتلال، من بسط سيطرته على القطاع، والقضاء على المقاومة فيه.
وساطة مصرية للدخول في مفاوضات
بعد 10 أيام من الغارات المكثفة، طلبت السلطات المصرية من حركة “حماس”، إرسال وفد يمثلها إلى القاهرة عبر معبر رفح، من أجل التفاوض حول وقف إطلاق النار، وذلك بعد مبادرة أطلقها الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك؛ لتمارس ضغوطا جديدة على الحركة آنذاك للقبول بهذه المبادرة، وذلك بالتزامن مع بدء الحرب البرية على غزة، حيث رفضت الحركة هذه المبادرة لقوة موقفها في الميدان.
ورغم شراسة العدوان الإسرائيلي فإنّ المعركة التفاوضية التي بدأت في النصف الثاني من الحرب لم تكن أقل شراسة، فقد كان هدفها جني مكاسب سياسية إسرائيلية من القصف الميداني، لكنّ صلابة المقاومة الفلسطينية وصمود المواطنين الفلسطينيين في غزة؛ كانا عامليْن مهمّيْن في دعم صمود المفاوض الفلسطيني في القاهرة، ورفضه الإعلان عن وقف إطلاق نار قبل الجانب الإسرائيلي، رغم كافة الضغوط المشددة التي مورست عليه من قبل المسؤولين المصريين آنذاك؛ ليضطر الإسرائيليون إلى الخروج في مؤتمر صحفي تأجل عدة مرات، للإعلان عن وقف إطلاق النار من طرف واحد، وتضع الحرب أوزارها.
صمود رغم إجرام الاحتلال
وبعد 22 يوما من الحرب على غزة، وتحديدا في 18 كانون الثاني/ يناير 2009، أوقف جيش الاحتلال الإسرائيلي إطلاق النار من طرف واحد، دون توقيع أي اتفاق، وتبين لاحقا انه استشهد في هذه الحرب قرابة 1500 فلسطينياً، بينهم وزير الداخلية الفلسطيني سعيد صيام والقيادي في حركة “حماس” نزار ريان، فيما أصيب حولي 15 ألفاً آخرين.
ودمّر العدوان معظم المراكز والمؤسسات الحكومية، وهدم 5 آلاف بيت بشكل كامل، و15 ألفاً بيتاً آخر بشكل جزئي.
وشردت آلة الحرب الإسرائيلية حوالي 400 ألف فلسطيني، ودمّرت أكثر من 700 مصنعاً ومعملاً، بالإضافة إلى أكثر من 1500 محلاً تجارياً.
كما هدم العدوان 50 مسجداً بشكل كلي و100 مسجد آخر بشكل جزئي، ومثل ذلك من المدارس.
وجرفت الآليات الحربية الإسرائيلية المئات من الدونمات الزراعية، واقتلعت الآلاف من الأشجار المثمرة، ودمّرت عشرات المزارع التي يقتات منها المواطنون الفلسطينيون المحاصَرون.
ثبات رغم التحديات
وفي هذا السياق قالت وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة إن “ما عجز الاحتلال عن تحقيقه قبل اثني عشر عاماً بالعدوان والقتل والدمار، سيظل عاجزاً عن تحقيقه بكل الوسائل الخسيسة أيّاً كانت”.
وأضافت الوزارة في بيان، اليوم الأحد، في الذكرى السنوية الثانية عشرة للحرب الأولى على غزة: “تأتي ذكرى العدوان في ظروفٍ صعبةٍ واستثنائيّة، حيث تقف وزارة الداخلية بقيادتها وجنودها في ميدان الدفاع الأول من أجل التصدي لجائحة كورونا، وتبذُل في سبيل ذلك كل طاقاتها، وتُسخّر إمكاناتها كافة من أجل حماية أبناء شعبنا، والحفاظ على حياتهم”.
وشدد البيان على أن وزارة الداخلية قدّمت نموذجاً في مجابهة العدوان بكل بسالة، ولملمت جراحها، وشكّلت صمام أمانٍ للشعب الفلسطيني، ولجبهته الداخلية واستقرارها.
التعليقات مغلقة.