تقرير خاص من فلسطين … “خضر عدنان” .. إرادةُ حرٍّّ هزم السجان بجوعه وصبره




 

“حريّة، اعتقال إداري، تحدي، إضراب عن الطعام، ثبات”،  كلماتٌ تختصر حياة الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال خضر عدنان، لا سيّما الإضراب عن الطعام الذي خاضه عدنان احتجاجاً على اعتقاله الإداري دون أي سبب أو تهمة.

“الإضراب مستمر حتى الحرية والعزة والكرامة”  جُملةٌ قالها الشيخ خضر عدنان،  بنبرةٍ عالية وبصوتٍ يملؤه التحدي والعزيمة وقوة الإرادة، سُمِعَت من داخل المستشفى الذي كان يرقد فيه بعد مرور شهران وخمسة أيام على خوضه معركة الامعاء الخاوية.

الشيخ خضر عدنان ذو اللحية السوداء الكثيفة، والنظارات الطبية التي لا تفارقه والأب لـ6 أطفال قايض جوعه بحُرّيته، وانتزعها انتزاعا من بين أسنان الذئاب المتمثّلة بسلطات السجون الاسرائيلية.

معركة الامعاء الخاوية

هكذا سمّاها وخاضها 3 مرات. ففي المرة الأولى، عام 2012 خاض إضراباً استمر لمدة (66) يوماً ضد اعتقاله الإداري، وكذلك عام 2015 استمر لمدة (54) يوماً. وكان آخر إضرابٍ له عام 2017 استمرّ لمدة 58 يوماً رافضاً كلّ الرفض سياسة الاعتقال الإداري التعسفية.

ففي الاعتقال الإداري يجد الأسير نفسه تائهاً بين جدران السجن لا يدري ما هي التهمة التي سيلفّقها الاحتلال له، وغالباً يعتقل الاحتلال إدارياً من يشتبه بارتباطهم بقوى المقاومة أو يلحظ تأثيرهم في الوسط الفلسطيني، فيعتقلهم إدارياً ظنّاً منه أنّ في تلك الخطوة استباقٌ لأحداث خطيرة قد تؤذيه، غير آبهٍ بالمواثيق الدولية التي تحرّم اعتقال الأشخاص دون تهمة.

كان الإضراب عن الطعام الوسيلة الأنجع للثورة على التنكيل والتعنيف الذي واجهه ولا يزال يواجهه منذ لحظات اعتقاله الأولى في سجون الاحتلال.

فأثناء التحقيق، لم يترك السجّان أسلوب تعذيب إلاّ واستخدمه بحقه من التعذيب النفسي والجسدي. يقول الشيخ عدنان بصوتٍ متهدّج “أثناء إخراجي من الجيب العسكري معصوب العينين قاموا بدفعي إلى الحائط، ما أدى إلى اصابتي في وجهي ونزفت الكثير من الدم، عدا عن توجيه الشتائم لي والعبث بلحيتي وشدها ونزع شعرات منها والدوس عليها. كما لا انسى الجملة التي قالها لي أحد المحققين في عيادة سجن الرملة (هون إنكسر رووس كثير ناس من الفلسطينيين)، في محاولة لإرهابي وإخضاعي أثناء التحقيق”.

محاولاتٌ كثيرة بذلتها إدارة سجن الرملة لإجهاض إضراب الأسير عدنان عن الطعام، من خلال التحايل عليه لتناول فيتامينات، وكذلك الضغط عليه بوسائل شتى، لكنه كان يرفض حتى تناول الملح ويعيش فقط على الماء مما جعله يعاني من هزال شديد، وبرفضه إجراء فحوصات طبية، لإجبار الاحتلال على الإذعان لمطالبه.

لمّا اشتدّ التعب في جسد الأسير عدنان ونال منه الوهن بعد أيامٍ طويلة من الإضراب، اقتاده الاحتلال الى مستشفى سجن الرملة. ذلك المكان الذي يرفض آلاف الأسرى تسميته بالمستشفى مصرين على تسميته بمقبرة الأحياء لكونه غرفة اعتقال تفتقد الحد الأدنى من متطلبات الرعاية الصحية.

أكثر من شهرين على معركة الامعاء الخاوية، خرج منها عدنان منتصراً ، فلم يكن يتوقع من عرف أستاذ الرياضيات الذي عمل “خبازاً” وأطعم سكان بلدته “عرّابة”، أنه سيزهد بالطعام ويسكن الجوع معدته الخاوية مراتٍ ومرات ليكاسر فيها الخضوع والركوع لعنجهية السجان وعذاباته.

حرب على الاعتقال الإداري

فالشيخ خضر خاض معركة الامعاء الخاوية لبناء المجد الفلسطيني ولإنهاء الاعتقال الاداري وتفعيل قضية الأسرى الفلسطينيين، وبعث الحياة في كل أشكال التضامن والمساندة مع هذه القضية المقدسة وإعادة الاعتبار لها.

فقد أشعل الأسير عدنان الضوء الأحمر ودق ناقوس الخطر حول ما يمرّ به الأسرى الفلسطينيين. فحرّك بجوعه أصوات أحرار العالم ومؤسساته وسلط الضوء على قضية الأسرى وما يلحق بهم من ظلم واستبداد، وما يقترفه الاحتلال بحقهم من انتهاكات. هذا الاحتلال الذي يضرب بعرض الحائط كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، ويصر عن سبق إصرار وبنية مبيتة على قتل وقهر الإنسان الفلسطيني ومصادرة أرضه وهدم بيته واقتلاع أشجاره وتدمير ممتلكاته وتهويد أرضه ومقدساته وتزوير تاريخه.

قصة هذا الشيخ تُلخّص معاناة أسرى الشعب الفلسطيني خلف قضبان الاحتلال منذ إقامة الكيان على الأراضي الفلسطينية قبل سبعين عاماً ونيّف. فلم يترك الاحتلال أُسلوبا رخيصاً إلا ومارسه ضد الأسرى، فكانت قرقعة الأمعاء الخاوية سلاحاً بوجه تلك الأساليب، مؤكداً أنه ليس بالطعام أو الماء فقط يحيا الإنسان، فما فائدة الطعام إن كان الإنسان سليب الحرية والكرامة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.