هل التنوير ضد الإسلام؟ / د. عدنان عويّد
د. عدنان عويّد ( سورية ) – الخميس 31/12/2020 م …
إن طرح أية قضية نعتقد بأنها تساهم في تقدم هذه الأمة أو تخلفها, يتطلب منا وضعها على بساط البحث والنقاش والتحليل لمعرفة دورها وأهميتها وكيفية التعامل معها.
فها نحن نطرح اليوم السؤال التالي – أمام ضرورة التنوير لعامنا العربي المفوت حضارياً وعلاقته بقضية الخطاب الديني الإسلامي وخوف بعض المتنطعين عليه من التنوير:
أين هي مكامن الخوف على الدين من التنوير?.
الدين برأي الجميع ينقسم إلى:
1- عقائد
2- عبادات
3- معاملات
ونحن نسأل: هل هناك منا من يعمل على مسألة التنويرينكر وجود الله والتوحيد به.. ?. لم أجد ذلك, فالكل يعترف بوجوده ووحدانيته وربوبيته. وإن وجد هناك آراء لدى التنويرين تشتغل على الجانب العقيدي, فهي تشتغل في الرد على الذين لم يزالوا يشتغلون من القوى الظلامية التكفيرية على قضايا القضاء والقدر, والصفات, والقدم, والمعاد, والرؤية, والكلام, والجنة والنار, والخلق والزمان.. وهذه قضايا أُشبعت نقاشاً منذ ظهور علم الكلام في الفكر الإسلامي على يدي المعتزلة والأشاعرة ولم يصلوا إلى نتيجة… حيث اشتغل عليها الكثير من الفلاسفة الإسلامين, وقد تجسدت هذه الأفكار العقديّة في كتابي التهافت للغزالي, وتهافت التهافت لابن رشد..
والسؤال المشروع الذي يطرح نفسه علينا أيضا اليوم هو: ماذا حققت هذه الحوارات حول مسائل العقيدة سوى التكفير والزندقة لبعضهم, وقتل البعض وسجنه وحرق كتبه؟!. ثم ظهور الفرق والطوائف وانقسام المسلمين إلى ثلاث وسبعين فرقة, كل واحدة تقول هي الفرقة الناجية, علماً أن النقاش في هذه القضايا لا يعلم في جوهرها إلا الله.. لذلك من منا يستطيع أن يجزم مثلاُ بأن الله يرى بالعين المجردة يوم القيامة وهو الذي يقول عن نفسه (ليس كمثله شيء)?.
أما بالنسبة للعبادات: من منا وقف ضد الصلاة أو الصوم أو الحج …الخ. لا أظن أن هناك أحداُ.
أما مسألة المعاملات: وهذه تدخلنا بمجال الفقه.. والفقه أساسا وضع لحل قضايا الناس وخلافاتهم في حياتهم اليومية المباشرة, حيث وضعت الفتاوى لهذا الأمر. ومن هذه الفتاوى ما هو نص ديني قرآني.. ومنه ما هو حديث للرسول مسند ومشهور, أو يتفق في متنه مع النص القرآني, وغالباً ما يؤخذ بسنده فقط.. ومنه ما هو موضوع ومنحول… الخ. كما وضعت أسس للاجتهاد وضعها الشافعي في كتابه الرسالة, حيث حدد مصادر التشريع بالقرآن والحديث والاجماع والقياس.. ولكن كل منتجات الاجتهاد ظلت محكومة حتى اليوم بمناهج التفسير والتأويل القروسطي, دون النظر بمقاصد الدين الإنسانية. الواردة في القرآن والحديث.. بالرغم من وجود الكثير من المجتهدين التنويريين الذين أقروا (بتبدل الأحكام بتبدل الأحوال) فكانت عندهم المصالح المرسلة والاستحسان وقول الصحابي وغيرها من قواعد التشريع الفرعية لمجاراة تطور أحوال الناس.
مشكلتنا مع الفقه, هي مع الفقهاء الذين يرفضون حركة وتطور الواقع, ولا زالوا يتعاملون مع قضايا عصرنا بعقلية القرون الهجرية الثلاثة الأولى, ومحاولة لجم حركة الواقع ولي عنقه كي ينسجم مع ما جاء في صحيحي البخاري ومسلم. وبالتالي فكل جديد عندهم بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.. كما اتكأوا على حديث فهموا دلالاته خطأ. وهو من شاهد منكرا فليغيره بيده الى آخر الحديث, فباسمه أوجدوا (الحسبة).. التي كان من نتائجها في عصرنا الحديث, تطليق زوجة حامد أبي زيد من زوجها لأنه خالفهم الرأي باستخدامه للعقل.. أو قاموا بتعليق الناس المختلفين معهم وصلبهم وذبحهم وأكل أكبادهم!!!. كما فعل الدواعش والوهابية. وغيرهم.
أما الشيعة الجعفرية أو الامامية: فقد جعلوا من القرآن والأحاديث النبوية التي تتفق مع موقفهم السياسي ومع ما قاله الأئمة المعصومون إضافة إلى العقل, هي مراجع التشريع, وبذلك رفضوا الاجماع والقياس.
عموما نقول: الدين بالنسبة لنا اليوم مقاصد, وخاصة في المعاملات.. فالزمن يتغير ويتطور في معاملاته, والعلم يتطور, ومناهج البحث تتطور وخاصة المتعلق منها بالعلوم الإنسانية, لذلك,ف كل ذلك يتطلب منا أن نعمل على تجديد فقهنا وفقاً لمصالحنا. فنحن خلفاء الله على هذه الأرض ..أما من يقول غير ذلك فهو يفكر ويسير معاً عكس التيار.
كاتب وباحث من سورية
التعليقات مغلقة.