الدكتورة حنين عبيدات .. قلم ماسي / اسعد العزوني
تحتاج الثروات الباطنية لخبراء جيولوجيين مختصين، لسبر أغوار الأرض وإكتشافها ومن ثم إستخراجها ليتنعم الشعب بها ،والمبدعون شأنهم شأن الثروات الوطنية والقومية بحاجة أيضا لمن يكتشفهم ويسبر أغوار انتاجهم لتشجيعهم على مواصلة العطاء،دون أن يمارس عليهم السلطة الأبوية ويمارس عليهم دور المعلم ويمطرهم بالنصائح الفارغة ،ويؤكد لهم انه شيخ المبدعين،وأن عليهم السير في ركابه ،وهنا ربما نحصل على مبدع ولكنه سيكون أسير معلمه،وحياة الأسر كما يعلم الجميع ناقصة للحرية ،وبالتالي فإن إبداعه سيكون ناقصا وشخصيته مضطربة لتأرجحه بين تأكيد ذاته وإرضاء معلمه،وهذا يعني أن زرعنا لم يكن مكتملا ،ولذلك فإن الثمر سيكون ليس بالمستوى المطلوب.
تواصلت مع د.حنين عبيدات بالصدفة من خلال مواقع التواصل الإجتماعي ،وشدّتني بكتاباتها الجليلة العميقة ،فهي أنثى بالمعنى المفهوم والمحافظ ،وتراعي القيم والتقاليد والعادات وتدعو بنات جنسها إلى العودة إلى الأصالة ،بدلا من التيه في غياهب حضارة الغرب التي لا تتناسب معنا كشرقيين،وعند قراءة العديد من مقالاتها الإبداعية الملتزمة وجدت أنها مبدعة في أكثر من جانب ،وطلبت منها مقالات للنشر ،وإستمر التواصل عبر وسائل التواصل الإجتماعي،وبدلا من أن تكون أسيرتي ،أصبحت أنا أسيرا لها أنتظر مقالها بفارغ الصبر لتعطشي لقلم لا يكتب بحبر غادة السمان أو من تسير في ركبها من الكاتبات العربيات الجدد المتغربات والداعيات إلى حرية الغرب.
مقالاتها حكم لا تخرج إلا من لدن حكيم ،فهي خارطة طريق للصغار والكبار معها ،ودعوات صادقة للحفاظ على الذات وصون الكرامة ،وتوحي بالأمان لقارئها ذكرا كان أم أنثى،لأن من كتبتها أنثى محصنة ،كالصدفة الصلدة التي تحتضن لؤلؤا منثورا ،وهي كذلك،ولعمري أن على المعنيين في مجال التربية والتعليم ،أن يدرجوا كتاباتها كمساق دراسي في المدارس والجامعات ،للحفاظ على النشء وحمايته من الإنزلاق في مهاوي الردى التي رسمها لنا الغرب المتصهين ،لهدم مجتمعاتنا وكسر عامود الأسرة الأساس وهو المرأة.
تقول في مقالها بعنوان”دقة قديمة”،أن المرأة الباحثة عن الطمأنينة وسط الضياع والفوضى تأسرها ،تلك الأنثى التي ترى بالرجل مقدسا،وبنفسها تعطي ولا تأخذ وتعتبر بيتها مكان سعادتها،بينما نجدها في مقالها بعنوان”فراغ فكري مجتمعي”،ماهرة في تشريح المجتمع المعاصر الغارق في القشور الفارغة والبارع في المغيبة والنميمة وتداول الإشاعات المغرضة ،دون النظر لمصدرها وتداعياتها على الأفراد والمجتمعات بشكل عام.
كما نجد د.حنين عبيدات بارعة أيضا في مقالاتها بتشخيص الداء ووصف الدواء،وهذا ما ينقص كتاب اليوم الذين لم يخرجوا من مرحلة كتابة موضوع الإنشاء في سني دراستهم الأولى،ويقيني أن الدارسين يستطيعون إشتقاق أكثر من رسالة دكتوراة من كل مقال تخطه كاتبتنا الملتزمة،وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على براعتها ونزاهتها ونظافة فكرها وطيب نشأتها.
أستطيع مطمئنا أن أصف د.حنين بأنها أم الحلول والقادرة على تشخيص الواقع والمشكلة ،وهذا ما نريده من كاتباتنا وكتابنا،ففي مقالها بعنوان”أنت جزء من البشر”،تدعو لمعالجة القضايا المجتمعية بدلا من التستر عليها بحجة التقاليد والعادات ،وهذه دعوة أجددها للجميع أننا نريد كتّابا لديهم الحلول الناجعة لمشاكلنا وما أكثرها ،أكثر مما نريد كتابا يشخّصون الواقع وكفى وينصبون انفسهم علينا منظّرين لا طائل من ورائهم.
عادة ما يبتعد المتخصصون بعلم ما عن تخصصهم في حال انخراطهم في الكتابة الإبداعية بحثا عن الشهرة ،على حساب شهرتهم في تخصصهم،وهذه مثلبة تحسب عليهم وليس لهم،لكن د.حنين الصيدلانية تتعامل مع تخصصها العلمي وإبداعها الكتابي كالخطين المتوازيين ،وتعطي الإهتمام المطلوب لتخصصها وتكتب مبدعة فيه ،تماما كما تبدع في الكتابة عن قضايا مجتمعها،وهذه حالة نادرة تدل على أنها إنطلقت من قاعدة متينة محصنة،ولذلك جمعت بين جناحي المجد:التخصص كصيدلانية ناجحة والإبداع ككاتبة إجتماعية ،فمثل ما يوجد في لوحها الإبداعي مقالات إجتماعية تندرج ضمن مصاف الحكم ،يوجد أيضا مقالات طبية في مجال الصيدلة وتفرعاتها لا تقل أهمية عن مقالاتها الإجتماعية.
وعليه فإنني أبشر المجتمع الأردني بميلاد نجمة إبداع أردنية جديدة تكتب بمذاق خاص نفتقده ،وتؤشر على أن قيمنا ما تزال بخير،إنها د.حنين عبيدات التي تمتلك مخزونا لغويا كبيرا ،ومقدرة فذة على تطويع الكلمة حسب ما تريد دون تحريف أو تزوير لتناسب الموضوع ،بدون خدش حياء الحرف أوالإنتقاص من قدسية الكلمة،وأتشرف بأن يكون هذا المقال مقدمة باكورة انتاجها الأول الذي ننتظره بفارغ الصبر.
التعليقات مغلقة.