خريف أردوغان …وسقوط الأقنعة وكشف المستور / د. خيام الزعبي
د. خيام الزعبي * ( سورية ) السبت 28/11/2015 م …
*كاتب سياسي …
ما زال حادث إسقاط المقاتلة سوخوي الروسية من قبل مقاتلات تركية فوق الأراضي السورية يثير الكثير من الجدل حول عواقب هذه الخطوة التركية المفاجئة التي وصفها الرئيس الروسي بوتين بطعنة في الظهر من داعمي الإرهابيين والقوى المتطرفة، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا، ما الذي دفع أنقرة الى إتخاذ خطوة خطيرة تلحق ضرراً كبيراً بعلاقاتها مع دولة عظمى كروسيا قد تؤدي الى قرع طبول الحرب في المنطقة؟.
من دون أدنى شك، إن الطائرة الروسية التى أسقطتها تركيا تعد صفحة جديدة في ملف إثارة المشاكل بين أمريكا وحلفائها من جهة وموسكو من جهة أخرى، ولكن روسيا ليست الهدف الوحيد للمخططات الأمريكية، بل تعد منطقة الشرق الأوسط هدفاً مهماً لها فكان نصيبها من المخططات الأمريكية هو الربيع العربي الذى قدمته واشنطن كسبيل لتحقيق العدالة والديمقراطية ولم نحصد من ورائه سوى القتل والتدمير وملايين اللاجئين وظهور تنظيم داعش والقوى المتطرفة الأخرى.
بعد سقوط الرهانات والأقنعة وظهور التعنت التركي تجاه ما كان يعتقد أنه حليف روسيا جاء يخلص المنطقة من نشاط القوى المتطرفة والمجموعات المسلحة الأخرى التي تهدد أمن وإستقرار دول المنطقة، فتحت موسكو ملف الأسرار لتلقي الضوء على جانب من الحقائق والمعلومات التي جمعتها وتظهر أسباب الغضب التركي من النشاط الروسي ضد الجماعات المتطرفة في سورية، إذ أعلن الرئيس بوتين أنه تم نقل كميات كبيرة من النفط ومنتجاته من مناطق يحتلها تنظيم داعش إلى الأراضي التركية، والتي يعتمد عليها التنظيم إعتماداً رئيسياً فى تمويل عملياته العسكرية، وخلال ضرب المقاتلات الروسية لمواقع التكرير وأسطول نقل البترول من سورية إلى ميناء ” جيهان” التركي على سواحل المتوسط لتهريبه للخارج، خرجت تركيا لتعلن إحتجاجها على العملية الروسية، وأدعت أن المقاتلات الروسية قصفت مواقع التركمان في سورية وكذلك مواقع تركية، وفي الوقت نفسه اتهمت روسيا تركيا بأنها ستفيد من النفط التي تهربه عناصر داعش للخارج، كونه يمر بالأراضي التركية ويصدر من ميناء جيهان التركي بأسعار تقل عن الأسعار العالمية، كما أن تركيا ترى أن الضربات الروسية تطول جماعات وتنظيمات مسلحة تحظى بالدعم التركي والغربي من أجل تحقيق أهدافها في سورية.
وفي سياق متصل شعرت أنقرة أن الجيش السوري المدعوم بغطاء جوي من المقاتلات الروسية بات على وشك السيطرة على كامل جبهة ريف اللاذقية خلال الفترة القادمة، وأن المعركة الدائرة هناك باتت شبه محسومة لصالح سورية وحلفاؤها، حيث تم السيطرة الكاملة على التلال والقرى القريبة من الحدود التركية في ريف اللاذقية والتي تساعد الجيش السوري والطيران الروسي على رصد تحركات المسلحين داخل الأراضي التركية، إضافة لقدرتها على مد غرف العمليات الروسية بالمعلومات اللوجستية التي تمكن الطائرات الحربية من ضرب أهدافها القادمة بدقة من الحدود التركية، وكذلك منح الجيش السوري وحلفاؤه ضوءاً أخضر للسيطرة على باقي مناطق ريف اللاذقية الشمالي وفي مقدمتها بلدتا سلمى وربيعة، وفي إطار ذلك لم يكن مصادفة أن تقرر أنقرة إسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضي السورية في جبهة ريف اللاذقية.
في ذات السياق إن الحلم التركي بمنطقة عازلة وخطط أردوغان بالتوسع أصطدمت مع روسيا التي قضت نهائياً على الآمال التركية المعقودة على المجموعات المسلحة، بالسيطرة على أقصى الشمال السوري لفتح الطريق لها، حيث أنّ الغارات المكثفة التي يشنها سلاح الجو الروسي والسوري على مواقع وتجمعات المسلحين في المناطق الحدودية، قطعت معظم خطوط الإمداد التي كان يعتمد عليها الجانب التركي ومجموعاته، وشكلت ممراً آمناً للجيش السوري وحلفائه بالتقدم شمالاً بإتجاه الحدود مع تركيا، وبالتالي فإن اسقاط الطائرة الروسية أدت الى عدة عواقب أهمها، توتر في العلاقات بين روسيا والناتو وكشف تركيا على حقيقتها في أنها توفر الحماية لمسلحي داعش، فضلاً عن نسف العلاقات بين روسيا وتركيا وإلغاء عدد من المشروعات التجارية والإقتصادية المشتركة، ومنع السياح الروس من السفر إلى تركيا وقطع الإتصالات العسكرية بين الطرفين.
مجملاً… تخيم على تركيا اليوم أجواء غير عادية مشحونة برائحة الحرب والبارود، أجواء إحتمال وقوع حرب مع كل من روسيا وتركيا، وقد لا يمر يوم دون أن تتصدر الصحف المختلفة أنباء عن إحتمال وقوع هذه الحرب، وهنا لا بد من القول إن إرهاصات التوتر الروسي – التركي بدأت بالظهور من النافذة السورية، وفي حال تكرار الأتراك هذا العمل وزيادة التدخل والدعم العسكري واللوجيستي والمادي للقوى المتطرفة والمجموعات المسلحة الأخرى، سيبادر الروس الى ضرب الجيش التركي، العضو في حلف الناتو، الذي ستُفتح له الأبواب للتدخل الخارجي خارج إطار مجلس الأمن بحجة مساعدة تركيا، وهذا ما سيشعل النار في كل المنطقة، ولذا فإن تركيا ستدفع ثمن تهورها وإندفاعها المشبوه في سورية، وسمعنا أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أعطى إيعازات للحرس الجمهوري بأن لا يبقى مكتوف الأيدي، ويتبع هذا بأن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي في حال إندلعت حرب شاملة ضد سورية كونها الحليف الرئيسي للنظام السوري، وبإختصار شديد إن التوقعات التي خططت لها تركيا وحلفاؤها جاءت في غير صالحهم، لو تابعنا المسار الذي رسمته تركيا في سورية والتي وضعت به كل إمكاناتها من أجل إسقاط نظام الأسد، نجد بأنها خسرت رهانها على أن تكون هي الراعية وبيدها الورقة الكردية، لذلك نرى إن سياسة أنقرة تجاه سورية في حالة يرثى لها وتعاني من ضربات مستمرة، فالأخبار القادمة من الميدان السوري لم تكن سارة بالمرة لتركيا وحلفائها، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل بدأت تركيا بدفع الثمن كونها طرفاً أساسياً في الأزمة السورية؟، وماعلينا سوي ان ننتظر ونراقب ردود أفعال الدب الروسي خلال الأيام المقبلة، فالمرحلة المقبلة ستكون بمثابة اللعبة الأخيرة ما بين موسكو وأنقرة.
التعليقات مغلقة.