تصفية حسابات أم محاربة الإرهاب ؟ / النائب حسن عجاج عبيدات

 

النائب حسن عجاج عبيدات ( الأردن ) الأحد 29/11/2015 م …

تميزت سوريا باهتمام الوطنيين العرب منذ بداية كفاحها للتخلص من الوجود الاستعماري الفرنسي ، و رفضها للسيطرة الأجنبية . و تحولت طاقات شعبها بعد التصفية الأجنبية على أرضها لبناء دولتها المستقلة ، و التحول إلى رفع شعار الوحدة العربية .

و في هذا السياق وقعت سوريا في وسط التيارات المتعارضة في المنطقة و أصبحت مرآه تعكس المصالح المتنافسة على المستوى الدولي مما جعلها في موقع الأهمية ، و جديرة بعناية خاصة من الدول الأخرى ، و أن من يعمل على الهيمنة على المنطقة العربية ، لا بد أن يفكر في السيطرة على سوريا . و إن الأسباب من وراء ذلك عديدة ، أحدها الموقع الاستراتيجي ، و إشرافها على الطريق البري ما بين العراق و البحر الأبيض المتوسط ، و على شمال الجزيرة العربية ، و الحدود الشمالية للوطن العربي .

و ظلت سوريا منذ استقلالها ، ترفع شعار الوحدة العربية ، فأصبحت رأس الحركة القومية العربية ، و منبعاً للأفكار السياسية التقدمية ، و مهوى أفئدة العرب الأحرار الذين يحلمون بأحلام وطنية و قومية لا تحصى . و إن جزءً كبيراً من تراث الحركة القومية العربية يقع على عاتق من يحكمها .

و تمتعت سوريا خلال الصراع من أجل النفوذ الذي تمثل في تصميم مصر و السعودية و تطلعهم إلى ضم سوريا إلى محورهم ، و طموح الهاشميين و توقهم إلى ضمها لدولتهم الموعودة . فبإسم الوحدة العربية سعت هذه الأطراف للتقرب من سوريا ، حيث لا يزال هذا التنازع على سوريا قائماً و إن أخذ ابعاداً خطيرة أدت إلى وقوع جميع دول المنطقة في المأزق الخطير الذي تعيشه اليوم . و كما هي مركز المنافسات بين الدول العربية ، فهي أيضاً المحور الذي تدور حوله أكثر التحركات الدولية .

فليس ما نراه اليوم في سوريا إلا عملية صراع مستمرة عليها و لكن بأسلوب و أدوات جديدة . فالصراع اليوم تقوده و تحركه قوى كبرى دولية ليس للعرب دور فيه إلا تنفيذ ما تطلبه الدول الكبرى منهم و هو التمويل و تسجيل المواقف المساعدة لإنجاح استراتيجياتها الهادفة للسيطرة على سوريا ثم على المنطقة العربية و الإستئثار بمخزونها النفطي ، و أسواقها الواسعة .

لقد استغرقت الأزمة وقتاً زاد عن الاربع سنوات ، و أخذت أبعاداً عديدة ، و وصلت إلى نهاية معقدة ، و دخلت بنفق مظلم لا يمكن الخروج منه إلا بالحسم العسكري . ولا تشير الحوارات و الاجتماعات بين الأطراف العديدة التي أصبحت جزءً من المشكلة إلى إقتراب هذه الأطراف من الوصول إلى تفاهم إلى الحدود الدنيا على الحل . و يبدو أن النشاط الدبلوماسي لها قد وصل إلى حوار الأضداد . فالولايات المتحدة الأمريكية تتحدث عن الحل السياسي للأزمة و لكنها تمارس العكس ، فتقوم بإرسال جنودها و ضباطها في محاولة ليكون لها موقع على الأرض من خلال سعيها لتشكيل ما يُسمى ( جيش سوريا الديمقراطي ) ؟. بالإضافة إلى إمدادها لما تسميه ‘ المعارضة المسلحة المعتدلة ‘ بالأسلحة و التمويل ! أما حلفاؤها الذين يشكلون صدى لما تصرح به ، فليسوا إلا أدوات هامشية ، مهمتهم التصعيد بالتصريحات الحمقى التي تدل على عقم في الأداء السياسي ، و ضحالة في الممارسة الدبلوماسية . و تبين من خلال متابعة و مراقبة سياسة الغرب أن الهدف من تدخلهم ليس حرب داعش و الارهاب ، و إنما تنفيذ مخطط يسعى لغزو سوريا و السيطرة عليها و إسقاط نظامها ، و هذا ما لفت انتباه روسيا الاتحادية التي سارعت للتدخل العسكري و إرسال قواتها الجوية و شبكات صواريخها للدفاع عن حليفتها في المنطقة . فأحبطت بهذا التدخل ما كان المحور المعادي يخطط لتنفيذه .

و لم يكن الوجود الروسي وجوداً طارئاً في سوريا التي ترتبط مع الاتحاد السوفياتي سابقاً ، و روسيا الاتحادية لاحقاً بعلاقات تفوق علاقات سوريا بالدول العربية . و ظلت سوريا وفيّة لهذه العلاقات و حريصة على تطويرها و توسيعها . فمن هنا جاء الموقف الروسي الأخير لحماية سوريا و الحفاظ على استقلالها و وحدة أراضيها و سيادتها .

جاءت ردود الفعل من القوى و الأنظمة المعادية لسوريا على الموقف الروسي بالاعتداء على الطائرة الروسية المدنية و تفجيرها فوق سيناء أثناء مغادرتها الأراضي المصرية ، و التي راح ضحيتها ما يزيد عن المائتي مواطن روسي ، كما قامت تركيا بإسقاط طائرة السوخوي فوق الأراضي السورية مما أدى إلى استشهاد أحد طياريها ، و انقاذ الطيار الأخر على الأيدي الكوماندوز السوريين . كان الهدف من هذه الأعمال العدوانية محاولة لخلق ردة فعل روسية تؤدي إلى سحب قواتها من سوريا ، و لكن العكس حدث ، فقد أعلنت القيادة الروسية تمسكها بالتدخل و الدفاع عن سوريا ، و عززت قواتها بإرسال شبكات الصواريخ ال إس 400 التي تغطي السماء السوري و تحصنه من أي اختراق خارجي . كما كثفت من طلعاتها ووصلت إلى الحدود مع تركيا ضاربة معظم القواعد و الإمدادات الآتية من تركيا للمنظمات الارهابية .

إن الإجراءات و العمليات المتسارعة و المتصاعدة نوعياً في الميدان ، و الانتصارات المتلاحقة للجيش العربي السوري ، أجبر الغرب أن يدعو إلى بناء محور واسع تدخله الأطراف الداعمة لسوريا لمقاتلة داعش و المنظمات الارهابية. و بدأ يعترف بدور الجيش العربي السوري المحوري و الرئيسي في الحرب على داعش و الارهاب ، و يقُّر بضرورة التنسيق معه في المواجهات المستمرة .

أما تركيا فقد بدأت مروحة الاجراءات العقابية الروسية تتصاعد و تتسع و سيعود ذلك على علاقاتها العامة بالضرر و الخسران ، و إلى تقليص دورها السياسي .

أعلنت روسيا في آخر مؤتمر صحافي جمع الرئيس الروسي و الرئيس الفرنسي في موسكو ، على لسان قائدها بوتين عن موقفها الثابت من سوريا و تمسكها بالرئيس السوري ، و عن ثقتها بقدرة الجيش العربي السوري على محاربة و هزيمة الارهاب ، و طالب بوتين الدول الغربية أن تكون صادقة في محاربة الارهاب ، أو أنه سيرتد عليها كما حدث في باريس .

و هكذا ، يمكن اختصار المشهد المتمثل في الصراع على الأرض السورية بأن معركة واسعة مصيرية ستقرر مستقبل المنطقة و العرب إلى عقود قادمة ، تدور بين محور يدعو للدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها ، و محور أخر يسعى لاستغلال الأزمة الراهنة و يسخر بعض الأطراف الداخلية و العربية لتحقيق أهدافه .

و إن التدخل الامريكي في الشأن السوري بهذا الأسلوب العدواني الفج ، سيؤدي إلى ترسيخ الوجود الروسي كحامي أمين لسوريا في تصديها لعدوان الغرب كما كان دور روسيا داعماً و نصيراً لقضايا العرب و في مقدمتها قضية فلسطين .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.