ماذا بعد إسقاط الطائرة الروسية .. ؟

 

محمد شريف الجيوسي

الأردن العربي ( الأحد ) 29/11/2015 م …

يعتبر إسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضي السورية،من قبل تركيا وباعترافها الصريح ، حدث خطير جدا،بغض النظر إن كانت قد حسبت للأمر جيداً أو لم تحسب ، سواء كان بتنسيق وعلم مسبق مع حلف النيتو والولايات المتحدة الأمريكية ، أو دون علمهما  ، ومن ورط الآخر في هذا الفعل الأحمق الخطير.

ولوضع الحادث التركي العدواني في إطاره لا بد من استذكار العديد من المواقف والتطورات والأحداث ، منها :

1 ـ حقق الجيش العربي السوري تقدماً كبيراً وسريعاً على الأرض بالتزامن مع دعم الطيران الروسي الهام والمنتج، وزادت تصريحات الرئيس الروسي بوتين في قمة الغاز الأخيرة في طهران ، بأن روسيا لن تخذل حلفاءها، الأمر وضوحاً.

2 ـ مطالبة تركيا المتكررة بفرض منطقة عازلة أو آمنة شمال سورية على طول حدودها معها، ودعمها المكشوف والمستتر لعصابات الإرهابيين على اختلاف مسمياتهم وجلبهم وتمريرهم عبر أراضيها الى سورية،فضلا عن تدخلها في الشأن الديمغرافي السوري باعتبارها السوريين التركمان في سورية رعايا أتراك ودعمهم ضد دولتهم السورية وغير ذلك من ارتكابات تركية عدوانية واستفزازية، قبل بدء الحرب على الدولة الوطنية السورية بإقامة مخيمات استقبال مزودة بأشكال الراحة للاجئين سوريين لم يكن متوقعا أن إقامتهم ستطول وستزداد اعدادهم .

3 ـ كشفت غرفة بغداد الروسية السورية العراقية الإيرانية جدية هذا الحلف في شن حرب حقيقية على الإرهاب ، وكذب التحالف الأمريكي في شن حرب حقيقية عليه ، بل إن العصابات الإرهابية تلقت دعماً تسليحيا وغذائيا من هذا التحالف، ما ساعدها على تحقيق تقدم خلال فترة ألـ 13 شهراً التي عمل التحالف خلالها . 

وافتضاح حقيقة موقف التحالف الأمريكي كشف عدم صدقيته عالميا، وعزز عدم الثقة به.

4 ـانعقاد مؤتمر الغاز في طهران بحضور روسيا والدولة المضيفة(إيران) ودول صديقة أخرى لهما كـ العراق وفنزويلا وبوليفيا ، وغيرها ، ينذر بولادة حلف غازي عالمي هام، خارج دائرة السيطرة الأمريكية والغربية، ويخفف من ضغوط الحصار على روسيا وفنزويلا وغيرهما. 

ومثل هذا التحالف الإقتصادي غير مرغوب به غربياً ، وبمثابة تحدٍ له ، بما في ذلك تركيا .

5 ـ يجد الحكم التركي نفسه بعد 5 سنوات من التآمر الحثيث على سورية، بدون أي إنجاز على الأرض،بل إن شعبيته قد هبطت ونسبة نموه الإقتصادي تراجعت كثيراً، وكذلك علاقاته بدول الجوار(سورية والعراق وإيران ) ولم تعد علاقاته كما السابق مع كلٍ من روسيا وأرمينيا .. في حين لم يقدم له الغرب والكيان الصهيوني( عصا النجاة ).

6 ـ لم تعد تركيا الحاكمة قادرة كما السابق على استجلاب ودعم الآلاف من الإرهابيين الشيشان والداغستانيين ومن مناطق ودول أخرى إسلامية آسيوية وعربية ، وتأمين التسلل الآمن لهم إلى سورية وتقديم ما يستلزمهم من دعم ، فقد حرصت تركيا على منافسة السعودية بالظهور بمظهر الحامي الأول للإسلام (السني) بخاصة، وأمام اهتزاز هذه الصورة تجد تركيا الحاكمة أن سياستها العدوانية أمام اختبار جدي ، ما يستوجب من وجهة نظرها القيام بمغامرة حمقاء جديدة ،تخلط الأوراق،وقد تستفز النيتو  وتعيد بعض الإعتبار لها أمام مكتب الإرشاد الإخوني العالمي وامام من ورطتهم في الحرب على سورية وكانت بصدد توريط المزيد منهم في سورية وروسيا والعراق واليمن ولبنان ومصر وليبيا والجزائر وتونس .

7 ـ لقد ولدت السياسات الخرقاء لحكام تركيا مشكلات عديدة فالأكراد استعادوا شعورهم القومي ، وعادوا للتحرك ضد التعصب القومي التركي، وانتعشت المشاعر القومية العربية مجدداً في الإسكندرون ومناطق أخرى، وعلى الطريق صعود مشاعر أخرى ، بما في ذلك مشاعر مذهبية ، غذاها التعصب المذهبي للطبقة الحاكمة ( رغم ان الأكثرية العددية التركية تعتنق المذهب الشيعي وهو ما يجهله كثيرون ) !؟

8 ـ لم تعد تركيا الحاكمة قادرة على الإستفادة من النفط السوري والعراقي المهرّب عبرها وغيره من المنتجات الزراعية والآثار المسروقة .. بعد أن دمر الطيران الروسي نحو 1000 صهريج نفط والبقية على طريق التدمير ، وهكذا أصبحت العصابات الإرهابية عبئاً على تركيا ، بعد أن كانت مصدر إنعاش اقتصادي ، ودور تركي إقليمي وربما دولي .

9 ـ بات هامش المناورة امام التحالف الأمريكي ومن يليه،محدوداً جداً،ولا يحظى بتعاطف عالمي جراء تكشف حقائق كانت غائبة؛ الأمر الذي يفترض أن لا ينجرّ هذا التحالف وراء حكام تركيا الذين تكشف دورهم المنخرط في الإرهاب مباشرة وبالمطلق ، فيما بقيت جوانب قليلة من تورط اللص الغربي غير مكشوفة ، وليس من مصلحته تكشف المزيد منها

10 ـ إن روسيا وإيران وفنزويلا وسورية والعراق وكوريا الديمقراطية والصين ، وغيرها بتصديها للتحالف الأمريكي ومن يليه ، تدافع عن مصالحها وأوطانها وامنها القومي واستقرارها السياسي والإقتصادي وثقافتها ، فيما يعمل التحالف الأمريكي ومن معه ، على  تدمير الآخرين واحتلالهم واستعمارهم واستحلالهم ونهب ثرواتهم وقتل المزيد منهم واستخدام الإرهابيين واموال التابعين لتحقيق أجنداتهم العدوانية والظلامية المتخلفة .

11 ـ يعاني الغرب بعامة ومن ضمنه الولايات المتحدة الأمريكية من حالة أفول عام ، فيما التحالف الآخر في حالة صعود، ومصالحه أكثر إنسجاماً ، وأكثر صدقية واستقلالية بين مكوناته ،وليس بين أعضائه تابع ومتبوع ، والثقة أكبر بين أعضائه ، ولم يعد الغرب ومن ضمنه تركيا ليمتلك عنصر المبادرة، فالمبادرة بيد التحالف الشرقي الجنوبي إن صح التعبير بمواجهة التحالف الغربي الشمالي .

في ضوء ما سبق ، يرجح أن روسيا لن ترد بشكل أهوج على تركياً ، بدليل أنها وصلت إلى ما وصلت إليه في المنطقة بتدرج وبالتنسيق مع حلفائها ، ولم ( تخمّ ) أحداً او تتجاوز على سيادته ، مسنودة بقرارات دولية مشروعة خالها الغرب لصالحه ، فأساء استخدامها ، فيما كان الغرب يهرّب إرهابيين روس لمحاربة سورية ومن بعد روسيا ، فحصدهم الطيران الروسي على حدود تركيا التي نقلتهم الى سورية .

وعناصر إسقاط الحكم الإخوني التركي عديدة، ولن تحتاج روسيا لأي نوع من الحرب العسكرية أو الأمنية عليه، فاستخدام الغرب؛ لـ تركيا الإخونية لمحاربة روسيا على الأرض السورية حرب خاسرة،ستسقطها إسلامويا وقوميا،وستشتت حزب العدالة والتنمية ، بل وستخلق حالة من الاختلاف في مكتب الإرشاد العالمي ولن توفق في لملمة النتائج المزرية التالية لورطة النظام الإخوني التركي  .

وستكون الحرب الإقتصادية على تركيا الحاكمة الآن والقطيعة المطلقة معها، الخيار الأهم والأسلم ، مع توجيه ( فركة أذن ) موجعة لا بد منها، وهي قطيعة وفركة أذن  لن تخفف من ضرورتها أو وطأتها علاقات أخرى ، فتركيا رغم عضويتها في النيتو ليست صديقة حميمة لأوروبا بل هي مستعمر سابق لمناطق أوروبية شرقية مارست فيها كل أشكال التنكيل ، وهي تطمح الآن لوراثة ذات ذاك النظام التركي المتخلف والمتعصب .

وهي في آن منافس قوي للسعودية على صعيد زعامة العالم السني الإسلامي ، وعلى خصومة تاريخية مع الوهابية ، كما هي على خصومة حالية شديدة مع مصر ، فضلا عن إيران والعراق وسورية وغيرها .

باختصار ، إسقاط الطائرة الروسية قفزة تركية وقحة وغبية في الهواء الفاسد، بدون ضمانات ولا حسابات ولا مصالح حقيقية ، بل هي في أحسن حالاتها قبول خانع لدفعة من آخرين بدون مظلة هبوط آمن ، وعلى إخونيي تركيا وحدهم تحمل النتائج دون الشعب التركي ودون حلفاء النظام الإقليميين والدوليين ، وقد اقترب النظام الإخوني التركي كثيراً من الهاوية منفرداً .

[email protected]

عن موقع ” البعث ميديا “ 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.