النفاق السياسي وتسيير الشؤون الشرق أوسطية لصالح المظلة الصهيو أمريكية / عبدالحميد الهمشري
عبدالحميد الهمشري ( فلسطين ) – الثلاثاء 19/1/2021 م …
تباً لزمان ، أصبح فيه النفاق ذكاءً والتملق إخلاصاً ، يكون فيه وفق هذا المضمون والمفهوم وحسب ظنون من يسيرون في دربه ذوو اليد الطائلة ، مهابو الجانب ، يصولون ويجولون دون رادع أو وازع من ضمير ، ويصنعون وفق ما يتفق مع مصالحهم ووفق المثل الشعبي : ” يا أرض اهتزي ولا حدا قدي ” ، فصوتهم مسموع ومناصبهم مؤمنة ، ما دام أنهم يتقلبون بمواقفهم وفق مقتضيات الحال ، خدمة لكل صاحب شأن في الوطن وخارجه ما دام أنه يصب في ميزان مصالحهم ، فهم يندسون في أوساط المجتمع كالثعبان الناعم الملمس والأنياب الحادة سمها زعاف يشل مفاصل المجتمعات ، يعرفون من أين تؤكل الكتف ويعتبرون الوطن مزارع لهم ولخلفهم ، ولا يترددون بإلحاق الأذى حتى بمن هم على شاكلتهم ليأمنوا جانبهم حتى وإن كانوا من أقرب الناس إليهم ، أمثال هؤلاء غير مؤتمني الجانب وما أكثرهم ، وهم مطلوبون دائماً وبلا تردد ، حينما تسود في المجتمع النظرة الميكافيللية ” الغاية تبرر الوسيلة ” ، وتعتمد فيه هذه النظرة كقاعدة عامة في تسيير شؤون البلاد والعباد .
فيسود في ظل هكذا قاعدة الفساد وتغليب المصلحة الخاصة على العامة ، فينتشر الظلم وتسود المحسوبية ،ويبتلى الوطن والأمة بأفعالهم ، فتنعدم المصداقية ويعم الفساد وتصبح الأمانة عملة نادرة ، وهذا ما حذرنا من مخاطر تفشيه رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم سيدنا محمد الصادق الأمين في المجتمعات العربية والإسلامية.. ففي ظل هكذا قاعدة يعتبر الصدق غباء فيتعرض صاحبه للتجاهل ، لا شأن ولا حول له ولا قوة وتنال منه الخطوب دون رحمة.. والتملق إخلاصاً والعدل ضعفاً والظلم غاية لتبرير الفعل ، والمستشار المعتمد إمعة لا يناقش ، وينفذ ما يملى عليه دون تردد ، وهذا يدخل في باب النفاق الذي يقوم على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة فيصنعون ما يصنعون لأولياء نعمتهم ، أعداء نهوض الأمة والرفع من عزتها وكرامتها فيستخدمونهم كأحصنة طروادية ينفذون من خلالهم في حصونها فيصنعون ما يصنع نافخ الكير في تطويع الحديد.
في مجتمعاتنا العربية منذ كانت تركيا رجل أوروبا المريض كانت هذه الثقافة وما زالت هي السائدة ، فالأنانية والمصلحة الذاتية هي من تحدد المواقف ، الميل إلى هذا أو ذاك أو بعبارة أخرى الوقوف إلى جانب الحيط الواقف ، أي التلون فيها حسبما تميل الريح وإلى جانب من يملك القرار دون أن تحكمه قاعدة تغليب المصلحة العامة على الخاصة .
هذا يدفعنا للبحث في المواقف الغربية تجاه قضايانا خاصة ما يتعلق فيها بالنهوض العربي وقضايانا الرئيسية الأخرى والمعروف عنها أنه يحكمها مبدأ الضحك على الذقون ، فهي كما سبق وذكرت تصنع ما يصنعه نافخ الكير في تطويع الحديد ، وما كان لهذه المواقف الغربية تجاهنا أن تدوم وأن تبقى على حالها ودون تغيير لولا وجود أطراف بين ظهرانينا تداهنها وتغض الطرف عما تصنع طمعا في جاه زائف يتحصلونه من وراء تلك المواقف النفاقية والتي تضر في بلداننا ، وبطبيعة الحال هذا مرفوض وفعل شائن ، لكن الرفض دون فعل لا يسمن ولا يغني من جوع ، لذا استمر حالنا منذ الحرب العالمية الأولى ولغاية الآن من سيئ إلى أسوأ ، حتى بات التسليم بالأمر الواقع في بلداننا نهجاً بل مدرسة لها جذور وامتدادات تحول دون نهوضنا وأصبحت الحاجة ملحة لتكاتف القوى الخيرة بين صفوفنا لتجفيف شرايين وأوردة تلك الجذور والامتدادات لنتمكن من ضبط وقع الشارع لصالح نبض نهوض الأمة والأخذ بيدها من حالة التخبط والهبوط الذي تعود أسبابه إلى استشراء الفساد وتمادي من يغردون خارج سرب مصالح الأمة ومن يتقلبون بمواقفهم ويميلون فيها إلى حيث تميل الريح العاصفة ليس من باب الدهاء والخدعة بل من باب الرضوخ والاستسلام ، ويعملون عل هدم تطلعات أبنائها نحو النهوض والرفعة لصالح أعدائها من فرس وترك وصهاينة وأوروبيين وأمريكان .
وإلا لماذا حصل ما حصل في فلسطين ؟ ولماذا الانقسام ؟ ولمصلحة من ؟ وما الهدف من ورائه ؟ ومن يخدم ؟ ولماذا التغير في التحالفات ؟!
ولماذا غض الطرف بل تم تقديم العون لتدمير العراق واحتلاله والتخلص من قيادته الوطنية وحل جيشه ونشر الفوضى والطائفية والفلتان الأمني فيه ؟
ولماذا جرى تدمير ليبيا ونشر الفوضى في ربوعها وتمكين الإرهاب فيها ؟
ولماذا اشعلت الفتنة في سوريا والتي أكلت الأخضر واليابس في كل أرجائها وكان شعبها ضحية هذه الفتنة فشرد في الآفاق ودمرت بنيته التحتية وأصبحت مرتعاً للإرهاب وتنمر الطيران الصهيوني في أرجائها وتدخل دول يقال أنها عظمى وأخرى إقليمية في شؤونها ؟
ولماذا تم تحويل اليمن لخراب بعد تدمير بنيته التحتية وإلحاق الأذى قتلاً وتشريداً وتجويعاً بشعبها ؟ ولماذا ولمصلحة من المحاولات المستميتة لإعادة تفتيت وحدته ودولته والعبث بأمن شعبها الصابر والمرابط على ثراه الوطني ؟
ولماذا التآمر على لبنان والسودان والعبث بوحدة كل منهما المجتمعية ؟
ولماذا يجري ترتيب الأوضاع في المنطقة لصالح العدو الصهيوني على حساب الشعب العربي الفلسطيني ودول إقليمية أخرى تحت المظلة الصهيو أمريكية ؟
ما يجري في المنطقة العربية أمر لا يمكن تقبله وتحت أية مبررات ،لأنه لا يخرج عن حدود المنطق والمعقول فقط ، بل يتجاوز ذلك للتفكير بالانسلاخ عن الذات وممارسة سياسة النفاق والإسهام في تمزيق جسد الأمة ، تثبيتاً للوجود الصهيوني وتقوية للنفوذ الفارسي والتركي لمصلحة اليمين الغربي المتطرف بقيادة أمريكية على عالمنا العربي والتقلب بالمواقف من قبل من كانوا محسوبين على حركات النهوض العربي تصب في صالح هذا التوجه.
فعندما مالت الكفة لصالح أعداء هذا النهوض انقلبوا على أعقابهم وغيروا مواقفهم كما تغير الأفعى جلدها ، فانسلخوا عن واقعهم وارتموا في أحضان أعداء الأمة على خلاف ما كانت عليه مواقف قياداتهم التي جرى استهدافها من قبل أعداء الأمة من صهاينة وآخرين إقليميين ودول الناتو عصابة البيت الأبيض الأمريكي ، جرى استهدافهم لمواقفهم النهضوية التي لا زالت تحسب لهم وينظر لها بكل تقدير واحترام ، فما كان مثلاً قبل احتلال العراق من مواقف وطنية ضد التدخلات الأجنبية تبدلت حيث جرى الارتماء في أحضان أعداء الأمة من إقليميين وصهاينة وطائفيين يتدثرون بعباءة المظلة الصهيو أمريكية وهذا الحال ينطبق على حركات متأسلمة وأخرى محسوبة على حركات اليسار التي كانت مناهضة للرأسمالية الغربية ، فهذه المواقف النفاقية أدت بالشعب العربي لأن تتقاذفه الرياح السياسية بكل اتجاه خاصة كما ذكرت مسبقاً في فلسطين والعراق وليبيا واليمن والسودان وسوريا ، حالت تلك الممارسات التناقضية دون ترتيب البيت العربي لصالح النهوض والتحرر ونفض غبار العبودية والاستعباد المفروضة على كل أرجائه والتي فرضت واقعاً مغايراً لما تتبناه كل القوى الخيرة النهضوية في وطننا العربي في تحقيق وحدته وتلاحمه ورد كيد كل معتد أثيم .
التعليقات مغلقة.