سورية … وقلب المعادلة على المراهنين / د. خيام الزعبي

 

د. خيام الزعبي * ( سورية ) السبت 28/11/2015 م …

* كاتب سياسي

إن دخول روسيا عسكرياً حلبة الحرب السورية بصورة مباشرة قلبت الموازين الدولية والإقليمية بما لها من أثر ميداني متصاعد، بحيث أغلق الوجود العسكري الروسي في سورية فصلاً مهماً أمتد في المنطقة سنوات طويلة، وقد جاء التدخل الروسي المفاجئ نتيجة تسرّب معلومات لموسكو عن لقاء سرّي جمع أصحاب القرار في كل من أميركا وإسرائيل وما يسمى بالتحالف العربي لأخذ القرار بالتدخل العسكري المباشر في سورية في سيناريو مشابه للسيناريو اليمني، للقضاء على الجيش العربي السوري ومحور المقاومة، لكن الصورة الواضحة في سورية اليوم هي إنهيار بين صفوف القوى المتطرفة والمجموعات المسلحة الأخرى، يقابله عزم وإصرار من دمشق وحلفاؤها على تحرير سورية من ذيول الغرب وحلفاؤهم.

إن العمليات الروسية لم تكتفي على ما يبدو بالغارات الجوية بل تعدًتها الى عمليات برية منسقة مع الجيش العربي السوري تجلت ثمارها بعد إنقاذ الطيار الروسي الناجي من حادث إسقاط  المقاتلة سوخوي الروسية من قبل مقاتلات تركية فوق الأراضي السورية، وبالنظر الى معطيات الحادث يرى المراقب الدولي بأن حجم التنسيق الروسي السوري المشترك أكبر من تنفيذ ضربات جوية مساندة للقوات السورية أو مستهدفة لمواقع تنظيم داعش في العمق السوري، فالمجموعة الجوية الروسية العاملة في سورية استطاعت خلال فترة وجيزة تحقيق مئة ضعف ما حققه التحالف بقيادة أمريكا في مكافحة تنظيم داعش، وكان لموضوع إسقاط  القاذفة الروسية دور كبير في تعميق الدور الروسي وتوسيع نفوذه في المنطقة.

اليوم تشير جميع المعطيات بشأن الأعمال العسكرية الروسية في سورية إلى وجود قرار بحسم العديد من نقاط الإشتباك المهمة على الساحة السورية، ومنها مناطق ريف حمص والطرق التي تربطه بالعاصمة وبالساحل السوري، ويضاف إلى هذه المنطقة المهمة، ريفي اللاذقية وحماه، واستعادة إدلب وريف حلب، وتجري العمليات الجوية من خلال سلاحي الجو السوري والروسي، تساندهم الصواريخ البعيدة التي تطلقها البوارج الروسية والتي تصيب هدفها بدقة، كما أصبح واضحاً أن المعركة الشاملة للقضاء على البنية الأساسية للجماعات الإرهابية لا تقتصر على روسيا وسورية، بل إنها تجري بمشاركة إيرانية، بالتنسيق والتعاون مع السوريين والروس، بمعنى أن الوقائع الميدانية وتقدم الجيش والمقاومة تحت غطاء الطائرات السورية والروسية يشير إلى أن الأمور أبعد من تنسيق أمني، وهي تصل إلى حدود التفاهم السياسي لجعلها معركة حسم شامل، بالمقابل تم السيطرة الكاملة على التلال والقرى القريبة من الحدود التركية في ريف اللاذقية والتي تساعد الجيش السوري والطيران الروسي على رصد تحركات المسلحين داخل الأراضي التركية، وكذلك منح الجيش السوري وحلفاؤه ضوءاً أخضر للسيطرة على باقي مناطق ريف اللاذقية الشمالي وفي مقدمتها بلدتي سلمى وربيعة.

لقد أعاد الروس المبادرة في سورية، بعدما أعادوا التركيز على الوضع الميداني، وتعديل ميزان القوى لمصلحة الدولة السورية، وبذلك أثبتت روسية بأنها قادرة على تعطيل أي قرار أمريكي في عدة ملفات وتوجيه مسارها نحو مصالحها، في إطار ذلك هناك تغيير كبير حاصل الآن على المسرح الدولي بما فيه من تراجع ثقل وتأثير واشنطن وتقدم موسكو وعودتها بكل زخم وقوة لمقارعة واشنطن، وقضية سورية أحد تلك المؤشرات، وبالتالي فإن الصراع الروسي الأمريكي على سورية سوف يرسم طبيعة العلاقات في منطقة الشرق الأوسط.

مجملاً… وعلى المدى البعيد يرسّخ الوجود الروسي على الساحل السوري مع استمرار غياب أفق حل للأزمة السورية هدفين أساسيين أولهما سورية الموحدة، والأخر تصاعد التوتر الروسي ـ الأميركي وانعكاساته السلبية على بؤر الصراع المختلفة بينهما في المنطقة، وبإختصار شديد إن المنطقة تعيش اليوم مرحلة مفصلية وما سيحدد وجهتها هو صمود الشعب السوري في وجه ما يتعرض له ووقوف الدول الصديقة إلى جانبه، إضافة إلى قناعة أطراف دولية أخرى بخطورة الإرهاب على إستقرار المنطقة والعالم وصولاً إلى تعاون دولي حقيقي وصادق في وجه هذه الآفة الخطيرة، ويقول الخبراء إن الجيش السوري القوي هو الصخرة التى سوف تتحطم أمامها كافة مشروعات الدولة الدينية وأوهام الخلافة فى المنطقة ، وبذلك خسرت القوى الغربية وحلفاؤها العرب رهانهم على نشر الفوضى في سورية وإنهاك جيشها  وتقسيمه على النحو الذي جرى في جيوش العراق وليبيا واليمن، بل على العكس فقد استمر تماسك الجيش السوري، و تطورت قدراته القتالية، وكانت صفقة الأسلحة الروسية الأخيرة إحدى مظاهر هذا التطوير، حيث دخلت سورية وروسيا مرحلة بناء إستراتيجية جديدة في المنطقة كون كل منهما يحتاج للآخر، فضلاً عن أن قوة العلاقة بينهما يعطى لأمريكا رسالة واضحة وقوية بأن دمشق لديها علاقة متنوعة مع الدول الكبرى.

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.