طوارق ليبيا ، قطر … و ما بينهما .

 

كتب أحمد الحباسى ( السبت ) 28/11/2015 م …

لعله من المثير للاستغراب أن لا يخلف الاتفاق الحاصل بين قبائل التبو و الطوارق الليبية برعاية قطرية منذ أيام أي جدل سياسي خاصة و أن الاتفاق المذكور قد لاقى استغراب قبائل الطوارق نفسها و بسرعة قياسية تم الإعلان عن أن الذين حضروا هذا الاجتماع لا يمثلون إلا أنفسهم و أن القبائل لن يعترفوا بهذه الاتفاقية و لا يعتبرون أنفسهم ملزمين بمضمونها الأمر الذي يزيد من حيرة المتابعين و من الأسئلة المطروحة حول الأسباب الحقيقية التي دفعت بالمحمية القطرية الصهيونية إلى استدعاء هذه الأطراف المشبوهة لإبرام اتفاق ولد ميتا ، خاصة و قد سبق هذا الاجتماع اليتيم سنوات من الاشتباكات الدموية بين القبيلتين المتصارعتين تسببت في قتلى و جرحى من الجانبين ، و بالتالي فمن الواضح أن هذا الاتفاق المشبوه قد جاء ليكشف جزءا ضئيلا من اللعبة القطرية القذرة في ليبيا و يعطى الجواب على بعض الأسئلة المعلقة حول ماهية الدور القطري و إلى أين تجر قطر المنطقة.

المعلوم لكل المتابعين أن الصراعات القبلية في ليبيا صراعات خطيرة و مزمنة و هي تكمن في ثلاثة مناطق مختلفة ، الحدود المصرية الليبية ، الليبية التشادية ، الليبية الجزائرية ، و بحكم المنطق الجغرافي فان النزاعات بين القبائل في هذه المناطق تتعلق بالتهريب و بالسيطرة على ممرات التهريب ، و مع بداية ما يسمى بالربيع العربي فقد استغلت الجماعات التكفيرية الإرهابية علاقتها بهذه القبائل و بالمخابرات التركية القطرية الصهيونية لتشكل تلك المنطقة ممرا استراتيجيا لا مفر منه للأسلحة و للجماعات الإرهابية و للتجارة الممنوعة التي توفر جانب من الدعم المالي لتلك الجماعات ، و بهذا المعنى فقد سعت قطر المتحالفة مع قبائل الطوارق و بعد سقوط النظام السابق و احتلال ليبيا على يد الحلف الأطلسي و المخابرات القطرية الصهيونية التركية إلى فرض تفاهمات معينة و نسج علاقات مصالح بينها و بين هذه القبائل سواء لطلب مساندتها و دعمها للإرهاب أو ضرب مساعي الإمارات العربية المتحدة المتحالفة مع قبائل ” التبو ” للسيطرة على عمليات شراء الذهب المستخرج من الأراضي الليبية ، بحيث أن قطر الساعية ” لتأميم” الغاز الليبي لصالحها لا تريد أن تستفرد الإمارات بمجال استخراج الذهب و دعم مخزونها الاستراتيجي من هذه المادة المهمة للاقتصاد الإماراتي .

هناك تساؤلات مهمة تطرح حول الدور القطري اللئيم في ما يحدث في الصحراء الجزائرية ( بالإشارة إلى حادثة عين أميناس الشهيرة ) أو في جمهورية مالي و بالقرب من الحدود الليبية التونسية ، يؤكد المتابعون أنه منذ احتلال العراق سنة 2003 فقد أصبحت قطر الذراع المرنة التي تستعملها الإدارة الصهيونية الأمريكية لضرب الدول العربية و بالذات الدول التي تمثل خطرا على الوجود الصهيوني المتعدد الأشكال في المنطقة العربية ، و مع تسلم الشيخ يوسف القرضاوى لملف زرع الفتنة التكفيرية داخل الوطن العربي بالاعتماد على الذراع الاخوانية الإرهابية فقد تطلبت لعبة الشطرنج القطرية أن تضع مخابراتها المتعاونة مع الصهيونية العالمية يدها على جميع الأماكن ” الحساسة” في الوطن العربي و بالذات المناطق الصحراوية التي تحيط بالدول العربية الإفريقية لاستغلالها لتمرير الأسلحة و المجموعات التكفيرية إضافة إلى خلق حالة أمنية من الذعر لدى الدول المحاذية تدفعها دفعا للالتجاء إلى الحماية الأمريكية الصهيونية .

بمنطق الجغرافيا فان قبائل التبو و الطوارق المنتشرة بالمناطق الحدودية مع عدة دول افريقية مثل النيجر و تشاد و السودان و مالي تمثل كنزا استراتيجيا لمنظومة الإرهاب الدولي التي تديره الدوحة ، و إذا كانت قبيلة الطوارق قد لاقت دعما معينا من النظام الليبي السابق فهناك رموز معينة تسعى اليوم للتحالف مع قطر و مع المخابرات القطرية الصهيونية لخدمة مصالحها خاصة بعد أن أصبحت ليبيا منطقة يتقاسم النفوذ فيها كل من هب و دب من الجماعات المسلحة ، و قطر التي تسعى اليوم لمواجهة الوجود الفرنسي في هذه المنطقة المهمة للمصالح الصهيونية الأمريكية فهي لا تدخر جهدا لإزاحة المخابرات الفرنسية و نصب ” الكمائن” لعملائها في المنطقة حتى تثير بعض النعرات الطائفية ضد هذا الوجود الغير المرغوب فيه ، في هذا المضمار ، يجيب كتاب ” قطر هذا الصديق الذي يريد بنا شرا ” للكاتبين الفرنسيين نيكولا بو و جاك مارى برجى على كل الأسئلة المتعلقة بحالة الاشتباك المستعرة بين قطر و فرنسا في جنوب الصحراء الليبية و داخل الأراضي المالية بحيث يتساءل المتابعون كيف يمكن للوضع الليبي أن يستقر في ظل هذه التجاذب الدولي المجنون .

يقول الزعيم التشادي خوكونى وداى أنه بدون قبائل التبو و الطوارق لا يمكن لأي أحد السيطرة على الطريق الصحراوي الذي يعد منطقة خارجة بالكامل عن ليبيا سواء في عهد النظام السابق أو في ظل الصراع الدموي الدائر في ليبيا حاليا ، و إذا فهمت الجزائر حقيقة اللعبة الدائرة الآن في ليبيا بحكم قربها و تواصلها مع اغلب القبائل الليبية و سعت إلى جمع هؤلاء حول طاولة المفاوضات لإيجاد حل للازمة فان قطر بحكم ميولها الصهيوني و معاداتها للمصالح العربية قد سعت منذ انهيار النظام السابق إلى ” تحرير” هذه المنطقة بالكامل و ذلك بخلق عملاء لها بين القبائل باستطاعتهم تنفيذ مخططاتها القذرة و بالتالي فان هذا ” الاتفاق” الميت سريريا المطبوخ عبر القنوات الصهيونية سيزيد من ارتفاع حرارة المشكل الليبي و يعمق الجراح بين القبائل المتصارعة على النفوذ ، و هو أحد الأهداف الصهيونية في ليبيا بعد سقوط النظام ، و أحد أهداف الإدارة الأمريكية التي طالما شكل هذا النظام حجرة عثرة في مواجهة مخططاتها الجهنمية في المنطقة ، و قطر في هذا تلعب دورا قذرا تعودت عليه و لن يهمها في هذا المجال أي تنديد .

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.