هل ستنهار أميركا ؟ – عوامل الإنهيار الوشيك / اللواء عمر معربوني

أميركا

اللواء عمر معربوني* ( لبنان ) – السبت 23/1/2021 م … 




 * باحث لبناني في الشؤون السياسية والعسكرية …

قبل الدخول في صلب الموضوع لا بدّ من الإشارة الى بعض المعلومات التي تؤكد في مكان ما أحد ثوابت الإدارة الخارجية لأميركا وهي الإلتزام الدائم بمصالح كيان العدو ، وهو ثابت يرتبط بقوة تأثير اللوبي الصهيوني في الدولة العميقة ، مع الإشارة الى أن هذا العامل يبقى ثابتاً طالما بقيت أميركا على صورتها الحالية .
ومن عوامل ثبات السياسة الخارجية بخصوص الحفاظ على مصالح كيان العدو نورد بعض المعلومات التي قد تبدو شكلية في ظاهرها ولكنها تعبّر عن طبيعة التزام بايدن وعلاقته الحميمة باليهود والصهيونية بحسب ما جاء في صحيفة ” جيروزاليم بوست ” .
وللدلالة على ما أريد توضيحه اقتبس بعض ما ورد في مقال الجيروزاليم بوست الصادر بتاريخ 16/1/ 2021 :

1- اولاد بايدن الثلاثة متزوجين من يهوديات متدينات واحفاده جميعهم يهود ويتم تربيتهم حسب الديانة اليهودية ( بكل ما يعنيه ذلك ) .

2- جو بايدن يفخر بصهيونيته ، وقد أعلن ذلك بصوت عالٍ ولعدة مرات أمام الإعلام واثناء حملته الانتخابية ، وهو داعم متشدد جدا ل ” اسرائيل ” .

3- زوج كمالا هاريس دوغ إيمهوف هو يهودي متشدد ، ويعتبر أول يهودي يدخل الى البيت الأبيض بشكل رسمي كزوج لنائبة الرئيس ، وكمالا هاريس تحتفل سنويا بجميع الاعياد اليهودية وتنشر احتفالاتها على وسائل التواصل الاجتماعي ، وهي داعمة قوية جدا ” لأسرائيل ” وتفخر بذلك دائم. انتهى الإقتباس .

هذا بما يرتبط بالسياسة الخارجية وتأثيرها المباشر على المنطقة وهو أمر سيكون في دائرة إهتمامنا المقبل لإرتباط هذه السياسة بما تعانيه المنطقة من ويلات .

أمّا بالنسبة لما حصل في الآونة الأخيرة داخل أميركا وهو موضع بحثنا الحالي ، فالوقائع تشير الى أننا أمام تحوُّلات جذرية ستشهدها أميركا خلال سنوات وربما أقّل بسبب أنّ ما حصل يعبّر في الحقيقة عن أزمة عميقة وكبيرة يمكن تعريفها على بأنها :

1- أزمة بنيوية ، إجتماعية ، وإقتصادية ، وعنصرية ، وديموغرافية ، ونزعة انفصالية

  • البعد الاقتصادي : وهو بعد يبين حقيقة أزمة ” الرأسمالية المتوحشة ” والتي باتت تُعرف ب ” النيوليبرالية ” وهي إنعكاس لإنتقال الرأسمالية من مرحلة التطور الى مرحلة الأزمة ، وهذا البعد بدأ بالتشكل في النصف الثاني من القرن العشرين حيث بلغت الرأسمالية حدّاً هائلاً من التطور كان يحصل في الواقع على قاعدة أزمة تتمثل في عدم وجود حوافز دافعة للاستمرار في المراكمة. فهناك أزمة على مستوى الاستثمارات ناجمة عن ركود عام في الاقتصاد العالمي بسبب الاستنزاف الحاد والعنيف الذي قامت به الشركات الرأسمالية العملاقة المرتكزة إلى كتلة مالية ضخمة.
    وحتى لا نغرق كثيراً في البعد الاقتصادي بصيغته الأكاديمية لا بدّ من الإشارة الى الى أن أميركا باتت تواجه ثلاث أزمات كبرى: وباء كورونا وركود اقتصادي عميق وحركة مناهضة للعنصرية، تعيد تحديد الرهانات السياسية الكبيرة .

– في أزمة كورونا : تتربع أميركا على رأس قائمة الدول في أعداد المصابين وعدد الوفيات وما انتجه الوباء من إنكشاف للنظام الصحي الاجتماعي الذي سيكون له تداعيات كارثية على وحدة النظام برمتّه حين ستظهر التباينات في بعدها الاجتماعي – الطبقي بشكل حاد الى السطح .

– الركود الاقتصادي : حيث يؤكد عدد كبير من الخبراء أن أميركا ستبقى عالقة لسنوات قادمة في الركود الاقتصادي ، ويتوقع حوالي نصف أعضاء الرابطة الوطنية ” لإقتصاديي الأعمال ” أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وهو أوسع مقياس للاقتصاد، لن يعود إلى مستويات ما قبل الوباء حتى العام 2023 ، ويقول غالبية هؤلاء الخبراء أيضاً إن سوق العمل في الولايات المتحدة لن يعود الى مستوياته قبل سنوات عمّا كان عليه سنة 2019 .

ورغم إطلاق واشنطن حزمة تحفيز غير مسبوقة استجابة للركود الوبائي، ولكن الاقتصاديون منقسمون بشأن تصرفات الإدارة حيث يعتقد 40٪ منهم أنه لم يتم فعل ما هو كاف، بينما يعتقد 37٪ أن الاستجابة كانت كافية ، ويعتقد باقي الأشخاص أن الإدارة فعلت الكثير.

ويعوّل ما نسبته 60% من الخبراء ان معالجة الركود سيكون افضل في عهد بايدن وهو أمر مستبعد قياساً على عمق الأزمة .

– البطالة : تعلّق الخبيرة الاقتصادية في مؤسسة “هاي فريكوينسي ايكونوميكس” البحثية روبيلا فاروقي قائلة “بينما يشرع الاقتصاد أبوابه ببطء، يتباطأ بدوره نسق تسريح العمال، ولكن من المرجح أن يبقى المستوى مرتفعا في الأسابيع المقبلة”. ويقول الخبير في “بانثيون ايكونوميكس” يان شيفردسون “نأمل أن نشهد بداية انتعاش في وقت تبدأ الولايات باستئناف النشاط”، ولكن “ما زال الغموض سيّد الموقف لناحية تقدير مستوى إعادة التوظيف الذي ستنتهجه الشركات”.

وبسبب كورونا يواصل عدد العاطلين عن العمل ارتفاعه في أمريكا مع رفده أسبوعيا بمسجلين جدد.
المراقبون يتوقعون أن تقترب نسبة البطالة من 20%، أي ضعف ما شهدته البلاد خلال أزمة 2009.

الى هنا نكتفي بهذا العرض المختصر الذي يشي بكارثة كبيرة قادمة لن يكون بمقدور احد في أميركا تجنبها فنتائج كورونا والركود الاقتصادي والبطالة كفيلة بخلق شرخ إجتماعي كبير مضاف الى أزمة بمثابة النار تحت الرماد وهي الإنفجار الاجتماعي العِرقي المتحفز بقوة والذي يرتكز على العوامل التالية :

1- النزعة البيضاء وهي نزعة موجودة ظهّرها ترامب بقوّة واشتغل على تحفيز عناصرها ومكوِّناتها من خلال طرح مقولة ” صفاء العِرق ” وما “غزوة الكابيتول” الاّ نموذج مصغّر لما يُمكن ان تكون عليه الحال مستقبلاً ، خصوصاً انّ هذه النزعة متجذرة لدى نصف الأميركيين الذين انتخبوا ترامب وهم بغالبيتهم مدججون بالسلاح وتحركهم نزعة القومية الفاشية ، وينتظم اغلبهم ضمن ميليشيات مزودة بكل ما تحتاجه من سلاح وبينهم الآف الضباط السابقين ولهم انصار داخل الجيش والأجهزة العسكرية والأمنية المختلفة .
والحديث عن النزعة البيضاء لا يعني ان السود وباقي الأقليات لا يملكون ايضاً ما يحفّزهم للمواجهة ولديهم ايضاً ميليشياتهم واحياءهم ومناطق نفوذهم المغلقة عند الضرورة ، والضرورة هي الوقت الذي يمكن ان تحتدم فيه الأمور وتذهب الى المواجهة .

2- التغيير الديموغرافي والذي نتج عن بعض القوانين المرتبطة بالهجرة والجنسية حيث كان عدد الأقليات في السبعينيات حوالي 12% من المجموع العام للسكان في حين انه وصل الآن الى حوالي 37% ، وهي نسبة مرشّحة لتخطي نسبة ال 50% بعد 20 سنة والسبب هو عدد الولادات الكبير لمختلف الأقليات مقابل نسبة الولادات المنخفضة للبيض وهو عامل تفجير لصراعات مفتوحة قد لا تنتظر سنوات لبلوغ لحظة اندلاع المواجهة المحتملة .

3- عامل الإنفصال : وفقًا لاستطلاع رأي سابق، فإن 23.9% من الأمريكيين يُؤيدون أو يميلون لتأييد انفصال ولاياتهم عن الولايات المتحدة الأمريكية وابرز هذه الولايات :

– كاليفورنيا : حيث تزايد بشكل ملفت زخم دعوات الانفصال في كاليفورنيا، بشكل أثار انتباه الإعلام الدولي، وذلك بعد حملة شعبية سياسية تطالب بالانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية، دشنتها حركة “نعم كاليفرونيا” تحت شعار “كاليكسيت”، وهي كلمة مستلهمة من “بريكسيت” التي تُحيل إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، وتعتبر حركة “نعم كاليفورنيا” أبرز الداعمين لانفصال ولاية كاليفورنيا، وقد تأسست عام 2015، وتعمل سياسيًا على إجراء استفتاء شعبي لتقرير المصير ، تمهيدًا للانفصال رسميًا عن الولايات المتحدة. وقد أصدرت الحركة ضمن نشاطاتها كتابّا يُعرِّف بقضية “استقلالها” تحت اسم “CalExit Blue Book”، تقول فيه إن “قِيَم ولاية كاليفورنيا ومصلحتها تعارض وضع الولايات الأخرى، ونستحق دولة مستقلة قوية تقدم الخير للعالم”، إلا أنها ترفض الثورة طريقًا للانفصال.

– الاسكا : في عام 1984، تأسس “حزب استقلال ألاسكا” الطامح إلى تأسيس دولة مستقلة في ولاية ألاسكا الأمريكية، ومنذ ذلك الحين وهو يعمل سياسيًا وشعبيًا على تعزيز الحضور القومي وسط ساكني الولاية، حتى كاد يشرع في عمل استفتاء شعبي رسمي عام 2006 لسكان ألاسكا، حول قضية الانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية .
– تكساس : وهي إحدى الولايات الأمريكية التي تحمل جذورًا انفصالية دفينة، إذ كانت في الأصل جمهورية مستقلة في الفترة ما بين 1836 و1845، قبل أن تلتحق اختياريًا بالولايات المتحدة الأمريكية لتصبح الولاية 28، ثم في عام 1861 أعلنت انفصالها عن الولايات المتحدة، لتعود مجددًا إلى سيادة الحكومة الاتحادية بعد الحرب الأهلية الأمريكية.

– كارولاينا الجنوبية : كانت ولاية كارولاينا الجنوبية أول المنسحبين من اتحاد الولايات الأمريكية، بعد انتخاب أبراهام لينكولن لرئاسة الجمهورية الأمريكية، فخشي الجنوبيون من أن يصدر الرئيس الجديد قرارًا بإلغاء الرق، ما قاد الولايات الجنوبية بقيادة كارولاينا إلى إعلان الانسحاب، وإنشاء حكومة كونفدرالية معارضة للحكومة الاتحادية في الشمال، لتندلع حرب أهلية بين الشمال والجنوب عام 1861، انتهت في الأخير بانتصار الشماليين واسترجاع الاتحاد.

– فيرمونت : رغم أن فيرمونت أصغر الولايات الأمريكية مساحةً، وثاني أصغر ولاية من ناحية عدد السكان، إلا أنها هي الأخرى تعرف نزعة انفصالية، إذ كانت في الأصل جمهورية تحت الوصاية البريطانية عام 1777، قبل أن تنضم إلى الولايات المتحدة عام 1791، ومنذ ذلك الحين تتطلع إلى الانفصال والعودة إلى وضعها القديم.

في الخاتمة : إن ما شهدناه في حفل تنصيب بايدن من حشد ل 25 الف من جنود الحرس الوطني وضعفي هذا العدد من عناصر ال CIA وال FPI وعناصر حرس الرئاسة وشرطة الكونغرس ، وما سبق ذلك من انفلات في ” غزوة الكابيتول ” يدّل بوضوح على حجم الشرخ وحجم الخوف من حصول الصدمة التي لا بدّ ستحصل حيث يمكن ببساطة تعريف ما يحصل بأنه بداية اصطفافات جديدة ستكون لحساب حزب او تجمع جديد عنوانه ” القومية الفاشية ” على حساب الحزبين الديموقراطي والجمهوري .

حينها سنكون أمام أولى حوادث الصدام التي ستكون بمثابة الشرارة التي ستمتد نارها على إمتداد أميركا الحالية .
وللإستدلال على عمق الأزمة يكفي ان نشير الى أن خطاب بايدن في حفل التنصيب كان مليئاً بعبارات الوحدة والدعوة للبقاء تحت سقف الإتحاد وغيرها من العبارات التي سيقت بسبب الأزمة المتصاعدة .

أمام كل ما يحصل وربطاً بالعوامل المذكورة أعلاه ، يقفز السؤال الملّح الى الواجهة :

هل ستبقى اميركا كما هي ، أم أننا سنشهد بدايات تدحرجها وانهيارها الوشيك ؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.