يوم سقوط بغداد…ضاعت فلسطين / أسعد العزّوني

أسعد العزّوني ( الأردن ) – الإثنين 8/2/2021 م …




ليلة سقوط بغداد أوائل شهر نيسان 2003،كنت وزوجتي المصون نراقب الوضع على شاشة تلفاز الجزيرة،محتبسي الأنفاس ومحتقني الشعور لما آلت إليه أوضاع العرب الذين لم يسجل التاريخ لهم أنهم حافظوا على موطيء قدم طاهر لهم ،وما يعرف عنهم أنهم سبّاقون لتسليم أراضيهم للأعداء ،شأنهم شأن ملوك الطوائف الذين كانوا يدفعون للفرنجة كي يخلصوهم من أعدائهم الذين هم إما إخوانهم أو أبناء عمومتهم.

في تلك الأثناء وصلت إلى لحظة الإنفجار العاطفي عندما لمحت دبابتي مورتر أمريكيتين بطبيعة الحال تتمختران جيئة وذهابا فوق جسر  نهر دجلة ،دون أن يطلق أحدهم النيران عليهما ،وصرخت بدون وعي مني :”ضاعت فلسطين”وإنهمرت الدموع من عيني غصبا عني،ولمحت تغيرا في وجه زوجتي وكأنني سمعتها تقول”لقد جن الرجل”،فرددت علي تخيلي وقلت لها :إطمئني لم أجن”،لكنها أجابتي أن فلسطين ضاعت عام 1948،فهل نسيت ؟

قلت لها متحشرجا أنني لم أنس ولكنه كان لدينا الأمل بتحريرها من خلال القوة العراقية ،وكأنني نسيت أن الملك فهد ورّط العراق في حرب ضروس مع إيران إستمرت ثماني سنوات أكلت الأخضر قبل اليابس،وأكملوا طوق المؤامرة بتوريط الكويت مع العراق ،وفرض حصار غاشم على العراق ومن ثم أنهوا مؤامرتهم بإحتلال العراق عن طريق التحالف الدولي الغاشم.

لم يكن شعوري كاذبا عندما قلت أن سقوط بغداد يعني ضياع فلسطين ،فها هو شعوري يترجم أمرا واقعا على الأرض ،إذ أن القيادة السعودية وعندما أدركت ما حصل للعراق بعد عدوان التحالف عليه لإخراج قواته من الكويت ،أطلقت صافرة الإنطلاق لقطار الإستسلام العربي،فكانت مأساة مؤتمر مدريد 1991 التي شهدت تهتك النظام العربي الرسمي، تبعتها بطبيعة الحال إتفاقيات أوسلو 1993مع قيادة المنظمة، ثم معاهدة وادي عربة 1994 مع الأردن الرسمي،وإنفرطت المسبحة ووصل التطبيع المعيب إلى موريتانيا التي إنسحبت من هذه اللعبة القذرة لاحقا.

بعد سقوط العراق ظهرت الرويبضات ممن كانوا يتعاملون مع مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية التلمودية ،وهي فكرة صهيونية على الورق يحار فيها مؤسسها العلماني اليهودي النمساوي ثيودور هرتزل،وأقصد تحديدا الملك عبد العزيز بن سعود الذي باع فلسطين ،مقابل مساعدة بريطانيا له في حكم الجزيرة بعيدا عن حكامها الأصليين ،وإستمر أبناؤه في التآمر على فلسطين والعراق واليمن ومصر وسوريا وحتى دول الخليج  لم تسلم من شرورهم.

لا ننسى بطبيعة الحال أن الملك عبد العزيز ،أرسل أخاه الملك فيصل والعميل الإنجليزي رئيس وزراء العراق  نوري السعيد إلى فلسطين، لغدر أهلها والطلب منهم وقف الإضراب العام والثورة عام 1936 لأن”صديقتنا العظمى بريطانيا وعدتنا بحل المسألة”،وتضمنت الرسالة إقامة دولة فلسطينية ،وعندما إكتشف الفلسطينيون هراء الوعد ،ذهبوا إلى عبد العزيز فقال لهم ،هذا ما وعدتني به بريطانيا،وها هو حفيده ولي العهد محمد بن سلمان، يكمل الشق الثاني من المؤامرة بتهميش الأردن وإبعاده عن الساحة ،وإجباره على التنازل عن الوصاية الهاشمية على المقدسات العربية في القدس المحتلة،كي يتخلص من الهاشميين العدو التقليدي لأبناء سعود الذين يعودون ليهود بني القنينقاع في المدينة المنورة.

نشهد هذه الأيام ضريبة غياب العراق عن الساحة ،ولو كان العراق حاضرا بثقله السياسي والعسكري لما تجرأت المراهقة السياسية في الخليج على العبث بمصير الأمة ،وتحقيق ما عجز الصهاينة عن تحقيقه بالقوة ولما تهودت إمارات الساحل المتصالحة ،ولما تجرأ عسكر السودان على السقوط المريع،ولأبقى المغرب على علاقته السرية الفاضحة مع إسرائيل،والمستهجن هو أن الدائرة حاليا تدور على العراق الجديد ليدخل قفص التطبيع القهري مع الصهاينة،ألم أقل أن فلسطين ضاعت ليلة سقوط بغداد؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.