الأردن … وادي الواله …مشروع سياحي عملاق برسم الإستثمار / أ.د.أحمد ملاعبة .. و د.أسعد العزّوني

مدارات عربية – الجمعة 12/2/2021 م …

كتب: أ.د.أحمد ملاعبة .. و د.أسعد العزّوني




الأودية العملاقة في مسار رحلة وادي الواله وامتداده وادي الهيدان،طبيعة تخطف الألباب ،لوجود كل مقومات السياحة الطبيعية والبيئية والجيولوجية والتراثية والآثارية ،إضافة إلى السياحة الأجمل وهي سياحة المغامرات الآمنة.

الرحلة نحو وادي الوالة (الوالة أو الخير الوفير من الابل والمواشي والماء الغدق). إن المسافر سواء كان سائحا أو عابر طريق ستفاجئه الطبيعة بشيء من مكنوناتها وأسرارها ،بالقرب من بلدة ذيبان (او ما كانت تعرف بخربة إسكندر) التي تقف شامخة بإرتفاعها بين مفترق وادي الواله على شمالها ووادي الموجب الذي تم تفصيله آنفا على جنوبها،فبعد عبور مدينة مأدبا باتجاه بلدات لبّ ومليح ،تجد الطبيعة قد جدّلت مجموعة أودية  بروافد كثيرة قادمة من بعيد، رغم أن   بداية الواله مناط الحديث ،نحتت وتعمقت في  صخور صلدة، تعرف بتكوين عمان السليكاتي”  Amman Silicifed Stone”، إلا أنّ صخور الصوّان السليكاتية  تبدي سماكة من أكبر السماكات في الأردن على مستوى التكاوين في جيولوجيا الأردن، ولربما كان هذا عائقا في أن يكون الوادي أكثر إتساعا.

لقد جذبت هذه الطبقات خبراء الطبيعة والجيولوجيا والبيئة ،لإجراء الدراسات لبيان سبب ترسيب هذا الكم الهائل من السليكا والصوّان في المنطقة،ولعل أبرز هذه التفسيرات والدراسات ما قام به البروفيسور أحمد  ملاعبة في المنطقة ونشر قبل أشهر في مجلة عالمية محكمة موجودة على بوابة الباحث “Research Gate”بالكامل تحت عنوان:  

MINERALOGY, GEOCHEMISTRY AND ORIGIN OF CRETACEOUS CHERT FROM WADI AL-WALA, CENTRAL JORDAN .. 

معدنية وجيوكيمياء الصوان الكريتاسي في وادي الوالة، وسط الاردن“.

ينساب الوادي متسللا بين حدود محافظة عمّان ومحافظة مادبا،وتدل جنبات الوادي  ومنذ الأزل على الرسوبيات التي ترتبت على هيئة مصاطب تعلو بعضها بعضا كالرفوف ،وكل مصطبة تمثل  مرحلة من الترسيب السنوي،بحيث أن المصطبة العلوية هي الأحدث ،ولعل من كان يشاهد الوادي قبل آلاف السنين ،كان يرى غزارة المياه التي كانت ترتفع لأكثر من 250 مترا في الوادي،لكنها شهدت تناقصا مع الزمن بفعل حفر الآبار وتحويل روافد الوادي من خلال المنشآت السكنة والتجارية والخدماتية والمدارس وإنشاء الطرق  التي شكلت عائقا أحيانا أمام جريان الأودية الفرعية الرافدة،ولقد عرف الوادي قديما بإسم وادي الثمد، وللثمد عند العربي عدة معان منها:الينابيع المتدفقة أو البرك المائية الكبيرة التي تجمع المياه في الأحواض“Basins”،وهذه الأحواض السطحية وما يتم تجميع مياه فيها شكلت دافعا قويا لإنشاء سد الواله  المائي الذي أنشيء عام 2002 كسد خرساني ترابي،إذ تتوسط الخرسانة منتصف السد.

لقد نخرت كثافة المياه في الوادي السد ،إذ كان هناك تسريب يصل إلى نحو 120 ليترا في الثانية ،ولا يزال الوادي بحاجة إلى سدود متتابعة،وقد أغرى ذلك الوادي الجميل الإنسان منذ العصر الحجري كي يسكن على جنباته ،ولذلك تبرز المغر والكهوف الكثيرة على إمتداد أجنحة الوادي المرتفعة  شاهدا على الإستيطان البشري في الوادي.

فرضت غزارة المياه في بحيرة السد القيام بعمليات تعلية لسسد بسبب إمتلائه لأكثر من مرة خلال المواسم المتتالية لتصبح  سعة البحيرة التخزينية نحو 25 مليون متر مكعب بدلا من 9 ملايين مترا مكعبا، ولربما من الجدير ذكره أن المزارع المنتشرة في جنبات سد الواله تسهم في التنمية الزراعية والمنتوجات الوفيرة،التي تسهم بدورها في منع تصحر المنطقة أو حوض المالة.

ورغم أن الكتف اليمين من وادي الواله وخصوصا منطقة ذيبان والشقيّق  وعلى إرتفاعات تتراوح ما بين 700-850 مترا،كما ذكرنا سابقا في إنسياب وادي الواجب،إلا أن تكتونية المنطقة خلال تكوين الوادي ،أعطت إنسيابا بازلتيا ضخما على إرتفاعات من 150 مترا إلى سالب 100 متر،وخصوصا في الجزيرة ما بعد السد،إذ تهد الماء هدّا،وكأنه قد حصل في مستوى الوادي هبوط شديد وتعمق في منتصفه مجرى الوادي بحيث أصبح بأكثر من  مستوى:مستوى علوي فوق 500 متراومستوى متوسط فوق 250 مترا،وهذه المستويات تبدأ في العلوي بقطر  المساحة الحوضية في العالي وتصل إلى 5 كيلومترات تنخفض نحو 2كم ،وفي أسفل الوادي من 50- 250 مترا.

هذا الإرتفاع جعل الوادي قادرا على إستيعاب كميات المياه الكبيرة ،ورغم أن أرضية الوادي عميقة ،إلا أنه وقبل نحو 5 ملايين عام إنسابت الصخور البركانية البازلتية وغطت مجرى الوادي بالكامل ،كما هو الحال في الموجب ،وبقيت مسيطرة على مجرى النهر لفترة طويلة،لكن الماء الوفير الذي تراوحت سرعة جريانه في الشتاء ما بين 50-70 كم في الساعة،قطع أوصال  هذا البازلت رغم صلابته وأعاد إنحدار المجرى السفلي للوادي ،وخصوصا في هذا الجزء من الوادي كما أسلفنا واطلق عليه وادي الهيدان.

إن جماليات وادي الهيدان وهو فرع وادي الواله الأمامي يمتد لنحو 11 كم،وقد إنتبه الناس في المنطقة،وأنشأوا مزارعهم الخاصة التي تتراوح ما بين عشرت ومئات الدونمات،وهذه المزارع بعضها حديث ولكن غالبيتاها يعود إلى مئات السنين،وتؤكد البيوت التراثية المنتشرة في سهول جنبات المجرى السفلي هذا الإنتاج  الزراعي الوفير،وجرى تحويط المزارع الجميلة بالوادي بأسوار من الشحف الحجرية المخرسنة بإرتفاع يتراوح ما بين 1-2 مترا،وبعضها وضعت عليه أسلاك وأعمدة التشييك لحمايتها من الحيوانات وخصوصا المفترسة ،مثل النمر الآسيوي  والضباع ،وورد في بعض الروايات أن الأسود كانت تمشي بخيلاء على امتداد الوادي.

التنوع  الحيوي البري أكثر من ذلك بكثير ،ويضم  القطط البرية والوشق  وحيوان النيص والقنفد ،وقد وجدت في مياه السيل أسماك متنوعة لذيذة وقيل أنها بطعم سمك السلمون واحبها الزائرون وكتب عنها المستشرقين  وكذلك أشجار حرجية كبيرة تعشق الماء مثل الكينا والقصّيب والدفلى،ولعل الإنسان الذي سكن البيوت التراثية “التي لا تزال قائمة كاشواهد علما”، ولعل  أيضا السابقين من الأجداد الذين سكنوا في الكهوف الكبيرة أو العملاقة،أدركوا أهمية الحبوب كوسيلة لديمومة العيش ،فزرعوا القمح والشعير  والذرة والعدس،وتبدو الطواحين المائية بالعشرات على إمتداد الوادي ما تزال بحالة جيدة،وهذه الطواحين أسهمت في توفير المواد الغذائية  الأساسية مثل الدقيق”الطحين” وجريش العدس ومسحوق الذرة الذي كانوا يصنعون  منه الخبز العربي الأصيل”الكراديش“.

كلما تعمقت من الشرق نحو الغرب ،يبرز لك الوادي جماليات الطبيعة،ولعل أجملها  منطقة برتا ،إذ تم تسجيل حقل برتا  البركاني فوق الصخور البازلتية المتميزة  بنسقها وأشكالها ،وتأتي الأعمدة أحيانا رأسية وتارة أفقية،وثالثة  أعمدة ترتبت بشكل إنفراجي مروحي،ولعل أعمدة  حقل برتا  البركاني تمثل لقطة عالمية ليست نادرة فحسب ،بل لربما تكون الأندر وربما  أيضا لا يكون لها شبيه عالميا،وتدل على نمط تبريد اللّابا أو اللّافا وعلى إزدياد لزوجيتها وإنكماشها بسرعة في صراع مع الزمن ،ويعد  البروفيسور ملاعبة مكتشف حقل برتا البركاني،وقد سجل 3 براكين متجمعة بجانب بعضها وتشكل مرتفعا على أرضية الوادي في المكان. 

 وتقوم طالبة الدراسات العليا م. رناد القباعي بإعداد دراسة ماجستير عن الاكتشافات البركانية الجديدة في الوادي.  

وحري بالذكر أنه وعند هذه النقطة  أنشيء مركز مغامرات وادي الهيدان غير المفعّل،رغم وجود متنزه برتا للزائرين والمغامرين ،وعلى مسافة  ليست بالبعيدة يوجد مبنى لمحمية وادي الهيدان،ولكن النشاط فيها بحاجة لإعادة تأهيل وتسويق ،وتأتي بعد حقل برتا نزلات ومصاطب يبلغ فرق الإرتفاع بين نزلة وأخرى ما بين 25-50 مترا ،ولذلك تشكلت شلالات وادي الهيدان ،وتوجد بركة مائية تحت كل شلال،تعمل على تجميع المياه ،وقد أغرت مجموعات من المحليين والزائرين  والضيوف لممارسة سياحة المغامرة بالنزول  على الحبال إلى هذه البرك والسباحة فيها.

وهنا لا بد من التركيز على أن مثل هذه البرك تمثل مقصدا سياحيا يمكن إستثماره  بشكل خاص في هذا المقطع  من الوادي ،ولا بد  من قيام الأجهزة الرسمية أو مؤسسات القطاع الخاص بتبني هذه الفرص الإستثمارية التي من الممكن  إستقطاب  كل الفئات العمرية للترويح عن النفس في هذه الطبيعة الجميلة،بدلا من الحصار  بين جنبات المدن المكتظة والشقق الإسمنتية والشوارع والسيارات والمصانع وإنبعاثاتها لغاز ثاني أكسيد الكربون،كما أنها تحسن من فاتورة  أمراض السكر والضغط والدهون،فالطبيعة هي دواء الإنسان وشفاؤه من الأسقام .

تستمر رحلة وادي الهيدان بهذا النمط الجميل شلالات ونزلات ومصاطب وبرك إلى أن  يصل وقلبه يهفو للقاء وادي الموجب،ليحدث العناق عند وادي التلاقي قبل نحو   6 كم من شواطيء البحر الميت،وتشكل نقطة التلاقي أو الملتقى أو اللقاء  علامة طبيعية بارزة ليس فقط لتلاقي المنحدرات ،بل لتعانق الماء من الواديين الواله”الهيدان” والموجب،ويستمر المسير بكثافة تحت مسمى وادي الموجب الذي فصّلنا عنه سابقا.

ولعل من ميزات بدء وادي الهيدان وجود الكسارات ومناطق إقتلاع احجار البناء والركام”المحاجر”،وهذه الكسارات نزلت لأعماق تزيد عن 5 أمتار،وقد إمتلأت مع الزمن بالمياه وأصبحت بركا ومسابح للناس،وعرفت بأسماء الشركات التي تعمل فيها مثل شركة الفرس  وشركة الأسمر.

——–

*كل الشكر إلى المغامرين والمصورين الذي بذلوا جهدا لتسويق الوادي عبر السنوات الماضية ونخص منهم:

 شفيق اغا الشركسي

Sameer Awwad

بركات ظاظا 

Hassan Allwama

Abdalrheem Alarjan

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.