هل «يَتَحَرّك».. الجيش التركي؟ / محمد خروب

 

محمد خروب ( الأردن ) الخميس 3/12/2015 م …

اذا ما صحّ الخبر الذي نشرته صحيفة الحياة اللندنية يوم أمس عبر مراسلها في العاصمة التركية أنقرة، عن «بوادر خلاف بين أردوغان والجيش التركي» على خلفية اسقاط الطائرة العسكرية الروسية وأن (وهذا هو المثير في الخبر) الجيش قام بـِ»تسريب» أنباء إلى صحف مُقربة منه بأن «اسقاطه الطائرة جاء بناء على تعليمات (مُسْبَقة) وأكيدة من الحكومة» وأن «القيادة السياسية هي التي تتحمّل نتائجه». وذلك ردّاً على «تسريبات» حكومية لصحف تابعة لها، حاولت اتهام «عناصر» داخل الجيش بافتعال الأزمة مع روسيا «لاحراج أردوغان».

نقول: إذا ما صحّت مثل هذه الأنباء، فإننا نكون أمام مشهد «تركي داخلي» جديد ومختلف، عن ذلك الخارجي وخصوصاً في بُعده الروسي، الذي يتدحرج في تسارع لافت نحو أزمة مفتوحة قد تنتهي بقطيعة تامة بكل ما ترتبه أوضاع كهذه، من أكلاف وتداعيات لما ستُحدِثُه من اصطفافات وتحالفات، وبخاصة إذا ما تزايدت الضغوط على أنقرة كي «تُقفِل» حدودها مع سوريا، وهو أمر يكاد أن يكون مستحيلاً بنظر اردوغان، الذي يتمسك بـ»ورقة» تركمان سوريا الذين يحملون السلاح في وجه الحكومة السورية الشرعية ويتحصنون في جبل بيربوراق، الذي يعتبره الرئيس التركي جزءاً من «إرث» أجداده العثمانيين ويرى في سكانه التركمان «رعايا» لسلطنته العثمانية الجديدة.

ما علينا..

ليس سهلاً على المؤسسة العسكرية إطاحة اردوغان. بعد أن قلّم الاخير أظافرها، وأبعد جزءاً كبيراً من قادتها المشكوك في ولائهم عن مناصبهم، بل زجّ غالبيتهم في السجون والمعتقلات بدعوى تدبير محاولتين انقلابيتين على السلطة المُنتخَبة (الاولى معروفة باسم ارغنكون والثانية المطرقة الثقيلة) ثم ما لبث لاحقاً، وبعد ان وضع على رأس الجيش جنرالات موالين له، قام باصدار العفو عنهم راداً الاعتبار إليهم معتبراً انهم «ضحايا» قضاء فاسد، ومؤامرة دبّرها التنظيم الموازي (الوصف الذي يُطلقه على حركة «حِزمِت» او الخدمة التي يقودها الداعية فتح الله غولن).. الا انه صحيح ايضا، ان «كمين» اسقاط السوخوي الروسية، يضع المؤسسة العسكرية التركية في الواجهة ويُلقي عليها مسؤوليات وأكلافاً ليس من المبالغة القول إن اخفاقات اردوغان والأخطاء التي ارتكبها في ادارته للازمة المتدحرجة مع روسيا، سيكون الجيش مسؤولاً عن تبعاتها، اذا ما توترت الاوضاع الميدانية وباتت المواجهة العسكرية خياراً مطروحاً، ناهيك عمّا يمكن للرئيس التركي، الذي لا يستطيع أحد – حتى من اقرب المقربين إليه – التكهن بخطوته اللاحقة، نظرا لمزاجيته وانفعالاته غير المنضبطة وتناقض مواقفه التي تجلّت – ضمن تجليات أخرى – في «مواقفه» من حادث الطائرة والتي انتهت الى الإعلان عن «حزنه» الشديد للحادث متمنياً لو انه لم يقع متعهداً بعدم تكراره، بعد أن كان في البداية قد خرج على الناس بتصريحات عنترية مُهدِّداً مُتوعِداً رافعاً سبابته اليمنى (طبعاً في معرض عملية توزيع الأدوار بينه وبين داود أوغلو قام الأخير «بتعديل» تصريح رئيسه بالقول: ان عدم تكرار الحادث لا يعني ان تركيا سـ»تتسامح» مع اختراق أجوائها أو حدودها البريّة أو البحرية).

ماذا إذاً؟

قادة الجيش رغم فقدانهم الكثير من قوتهم، وبخاصة منذ العام 2007 بعد ان «نجح» اردوغان في دفع قادة الاذرع الثلاثة الرئيسية الى الاستقالة إثر الاتهامات التي وُجِهت الى رئيس الاركان الكر باشبوغ، حد ادخاله السجن، إلاّ انهم يراقبون المشهد التركي المأزوم عن كثب وربما يتلقون اشارة من واشنطن التي ما تزال صاحبة النفوذ الاكبر عليه (عبر عضوية حلف الاطلسي وعبر اجهزتها الاستخبارية) لوضع حد لِـ(جنون) السلطة السياسية حتى لو كانت مُنتخَبة («تجارب» واشنطن في ذلك معروفة وصارخة)، وخصوصاً تخبطها ومحاولة التهرب من المسؤولية ووضعها على «ظهر» اي طرف تركي آخر والمؤسسة العسكرية هي «جبل المحامل» بالطبع، اذ ان المعارضة على تنوع اتجاهاتها ليست طرفا في ما حدث، بل ان توجيه اتهام لرئيس تحرير صحيفة الجمهورية (جمهورييت) المعارضة ومدير التحرير فيها بالتجسس (بعد ان نشرت بالصوت والصورة تورط المخابرات التركية في ارسال اسلحة للارهابيين في سوريا تحت مزاعم بانها مساعدات انسانية) وهو اتهام مزيف ويندرج في اطار التضييق على الصحافة والتنكيل بالصحفيين، الذي يمارسه اردوغان ضد وسائل الاعلام المختلفة بالاغلاق والحبس والمصادرة والضغط لشرائها لصالح انصاره بعد ان يدفعها للافلاس، باتت سمة لعهده الميمون (تركيا تحتل المرتبة 146 من اصل 193 في حرية الإعلام) اضافة بالطبع الى اغتيال نقيب المحامين في محافظة ديار بكر، طاهر ايلجي، الذي كل جريمته هو انه قال: ان حزب العمال الكردستاني PKK ليس إرهابياً، والاصابع متجهة بالطبع الى استخبارات اردوغان..

أين من هنا؟

الاصطدام بالجيش او افتعال أزمة معه، سيكون أحد خيارات اردوغان اذا ما ضاقت هوامش المناورة امامه او «دُمِغَت» ادارته للازمة مع موسكو بالفشل، ماذا سيكون موقف المؤسسة العسكرية عندئذٍ، لإبعاد نفسها عن ان تصبح «كبش محرقة» لمغامرة اردوغان؟

.. الأيام ستروي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.