كيف أنقذ الأسد أسطول البحر الأسود، وأفقد اردوغان أوراق قوته؟ / سمير الفزاع
سمير الفزاع ( الخميس ) 3/12/2015 م …
بالرغم من كثرة ما قيل وكتب حول حادثة اسقاط تركيا للقاذفة الروسية سو-24، الا ان الحادثة بحد ذاتها تبقى مُلهمة للمزيد من البحث والاستقصاء والتحليل؛ خصوصاً وأن تداعيات هذه الطعنة الغادرة ما زالت تستمر وتتفاعل حتى اللحظة.
سأحاول هنا التركيز على بعض من أكثر الجوانب “إهمالاً” في هذه الحادثة: ما هي نقاط القوة التي يستند اليها أردوغان؟ وأين هو الدور السوري في هذه الحادثة، وما هي تداعياتها على مشروع ومجريات الحرب على سورية؟.
* أوراق القوة التركية:
1- لتركيا حدود طويلة جداً مع سورية -900كم تقريباً- ما يسمح لها بلعب دور حاسم في رسم الخريطة الميدانية-السياسية في شمال وشرق سورية على الأقل، من خلال إدارة قرار وحركة الجماعات الارهابية، تدفق السلاح والمسلحون… .
2- سيطرة أردوغان على خزان ضخم من اللاجئين السوريين وغير السوريين إلى الحدّ الذي يمكنه من تحديد وجهة حركتهم، ومستوى حضور “قضيتهم” في الاعلام أو غيابها… رأيتم تأثير هذا “الخزان”مؤخراً في أوروبا.
3- أحد أكبر الأقليات في جزيرة القرم التي إستعادتها روسيا منذ عام تقريبا، من التركمان، وقد يعمد أردوغان تحريضها على العبث بأمن الجيرة والقيام بنشاطات معادية لموسكو.
4- للبحر الأسود الذي يتوضع فيه أسطول روسي ضخم معبران فقط وتحت السيطرة التركية، الدردنيل والبيسفور، ما يجعل تحويل البحر الأسود إلى بحيرة مغلقة “قراراً” تركياً.
5- كان لتركيا دور كبير في الحرب الروسية-الشياشانية، وغزو يوغسلافيا وتقسيمها، وإحتلال أفغانستان… وهذا يعني بأن هناك أكثر من ساحة يمكن لتركيا “مشاغلة” روسيا بها.
6- بالرغم من “تصدع” صورة الإخوان المسلمين في المنطقة، إلا أن تركيا بقيادة أردوغان وحزب العدالة والتنمية أصبحت “تمثل” لدى الكثيرين من أبناء هذه المنطقة “مركزاً كبيراً” لقيادة “الحضور الاسلامي-السني” وفق التقسيمات الصهيو-وهابية.
7- بالرغم من كل مساوئ أردوغان وحزب العدالة والتنمية، إلا أنه أصبح “يمثل” تيار “الإعتدال” في تركيا… لأن إنهيارهما سيعني “تحويل” جزء كبير من حزبه وجمهوره نحو “الداعشية” السياسية والدينية والإجتماعية.
* الدور السوري “المغيب”:
صحيح أن أوراق القوة هذه يمكن لتركيا “إستخدامها” ضد روسيا، ولكن الصحيح أيضاً أن الأوراق ذاتها وأخرى إضافية قد تكون أشد فتكاً، يمكن لإردوغان إستخدامها ضد أوروبا… نعم، أوروبا.
لقد أصبحت تركيا عقب إندماجها الكبير في مخططات الصهيو-امريكية، وإنغماسها حتى أذنيها في الحرب على سورية وعموم المنطقة…
في موقف صعب للغاية، يكاد يكون الخروج منه شبه مستحيلاً إلا بحرب تركية مباشرة أو بالواسطة… وإلا “ستنفجر” لتأكل بعضها بعضاً… ومرة أخرى، ستكون أوروبا أكثر الجيران تضرراً.
قد تبدو الوجهة غريبة بعض الشيء، أوروبا، لكني أعتقد بأن أردوغان سيفعلها يوماً ويغزو أوروبا عبر “دواعشه” الذين سربهم بين جموع اللاجئين.
في هذا المشهد المعقد، أين الدور السوري؟.
1– للمرة الثانية خلال أقل من شهرين، تقدم أجهزة الأمن والرصد والإستطلاع السورية إحاطة مميزة جداً لأدق تفاصيل الساحة التركية، وخصوصاً في بعديها الأمني-العسكري…
تذكرون حتماً المصدر الرفيع الذي قدّم الرواية السورية الأولى والأخيرة والأكثر دقة لما حصل مع القاذفة الروسية سو-24: “إن الطائرة الروسية تعرضت لكمين جوي من مقاتلتين تركيتين وتم قصفها بصاروخ جو جو…
وأن الطائرة لم تخرق الأجواء التركية واقتربت من الحدود بشكل مواز وليس بشكل رأسي، وسقطت قرب مرتفع نبع المر الحدودي…
وعادت المقاتلات التي قصفت السوخوي الروسية إلى قاعدة انجرليك التركية، فيما انطلقت المظلة الجوية التي كانت تحمي المقاتلات التركية من قاعدة غازي عينتاب العسكرية”… بينما تضاربت الرواية التركية والأمريكية وحتى الروسية، التي كانت تتأرجح بين روايتين: إسقاط الطائرة عبر صاروخ أرض-جو، وقد يكون من داخل سورية عبر الجماعات الارهابية أو من تركيا… أو من خلال صاروخ جو-جو جاء من الاراضي التركية.
وللتدليل على دقة هذا الإستنتاج، سأكتفي بدليلين: وصف الرئيس الروسي التصرف التركي بـ”خنجر في الظهر” وهو تعبير عن الإحساس بالخديعة والغدر، أي أن روسيا كانت مصدومة بسبب “ثقتها” بأن تركيا لن تستهدف طائراتها. والدليل الثاني، أن سورية هي من كشف قبل شهر تقريباً نقل طائرات قطرية واماراتية وتركية للمئات من إرهابيي داعش إلى اليمن… وهو ما يؤكد مرة أخرى، قوة الحضور الإستخباري السوري في الساحة التركية.
2- عن أوراق القوة التركية، قلت سالفاً بأن “قرار” تحويل البحر الأسود الى بحيرة مغلقة في يد تركيا، لكن الرئيس بشار حافظ الأسد حولها إلى ما يشبه أوراق الخريف؛ بل وأصاب عدد كبير من العصافير بحجر واحد عندما قرر دعوة روسيا إلى إقامة قاعدة بحرية في سورية، ومن هذه العصافير “السمان”: لم يكتف بجعل مينائي طرطوس واللاذقية مرافئ صديقة وقواعد محتملة فقط؛ بل والمخرج الوحيد لإسطول البحر الأسود بالكامل، والمكان المثالي الذي يرتقي بهذا الأسطول من مجرد “كومة حديد” تطفوا على وجه الماء في بحيرة مغلقة إلى قوة بحرية فاعلة ومؤثرة في الإقليم والعالم…
وهكذا فإن سورية قدمت لروسيا خدمة لا يمكن تقديرها بثمن، إنقاذ إسطول البحر الأسود من “الأسر” في حال وقوع أي صدام مسلح بين روسيا وتركيا؛ بل والغرب عموماً. وتوفير “ملاذ آمن” لإسطول روسي مقتدر خلف خطوط النيتو، وفي أهم مسطح مائي في المعمورة، المتوسط.
3- تحويل الحدود السورية-التركية إلى ما يشبه خطوط النار بين وارسو والنيتو، وهكذا تمّ سحب قرار التصعيد في هذه الحدود من يد اردوغان وايداعه الى النيتو… ومن الوقائع التي تؤكد هذا الاستنتاج تجميد مشاركة تركيا بغارات تحالف واشنطن؛ بل وتوقف الغارات التي يشنها هذا التحالف منذ يوم الخميس الماضي.
4- اردوغان الذي حاول تفتيت سورية وتقسيمها… لم يفشل هو ومن خلفه في هذا المسعى فقط؛ بل صار يعاني والغرب عموماً، من إختراق روسيا لمنظومة الدرع الصاروخية، ومن كون روسيا أصبحت “جارة” لأخطر قواعد هذا الدرع، تركيا والكيان الصهيوني… .
5- في 24/11 سقطت القاذفة الروسية سوخوي-24، وهبط الطياران بالمظلة، قتل إرهابيو اردوغان أحدهما خلال هبوطه وفقد الآخر في منطقة يحتلها المسلحون في ريف اللاذقية الشمالي… ارسالت مروحية إنقاذ روسية للبحث عن الطيارين، ولكنها استهدفت هي الأخرى فأجبرت على الهبوط اضطرارياً في منطقة “صديقة”… وسرعان ما استهدفت مجدداً، لكن في هذه المرة تمّ تدميرها تماماً بصاروخ “تاو” الأمريكي أطلق من جبل “النوبة”… وتوفي احد الجنود الروس فوراً وعاد البقية بسلام…
تحركت قوة خاصة سورية تابعة للمخابرات الجوية، وتسللت خلف خطوط المسلحين لمسافة (4) كم، وتمكنوا وخلال عملية نوعية دامت لساعات قطعوا فيها عدة كيلومترات في طروف ميدانية وقتالية معقدة تمكنوا من تحريره وإعادته إلى مطار حميميم بنجاح… وهكذا أفقدوا أردوغان وعصابته الإرهابية “ورقة” دعائية وتفاوضية خطيرة جداً.
* كلمة أخيرة:
يقول المثل الروسي: “أجمل لحظة في الدَّين هي حين نقوم بسداده”… يبدوا بأن “الأسد” و”القيصر” قرّرا “سداد” دَينك يا اردوغان، ولكن على مهل، ولأمد طويل جداً… “شعرة بشعرة وسوف تأتي باللحية” كما قال المثل الروسي مرة أخرى…
وإياك أن تنسى ما قالته ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية عقب إعدامك لطيار السوخي-24، الرائد “روميانتسيف سيرجي ألكساندروفيتش”: “لن أنسى، إني أعدكم”… فهل وصلت الرسالة؟.
التعليقات مغلقة.