كورونا وتداعياته يمهد تفكيك الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشرين سنة القادمة / فواد الكنجي




فواد الكنجي ( العراق ) – الإثنين 15/2/2021 م …

 

لقد شكلت أزمة انتشار وباء (كورونا) في (الولايات المتحدة الأمريكية) والتداعيات التي تركها الوباء على الاقتصاد (الأمريكي)؛ وتسريح عدد كبير من العمال؛ ما اثر تأثيرا بالغا على المؤسسات الاجتماعية والسياسية؛ الأمر الذي رفع مستوى التوتر الداخلي بين (الحزب الديمقراطي) و(الحزب الجمهوري) قبيل الانتخابات الأخيرة، ومما زاد من حدة التوترات بين الحزبين أسلوب معالجة المظاهرات التي اجتاحت مدن عدة في (الولايات المتحدة) ضد العنصرية بسبب مقتل المواطن ذو البشرة السوداء (جورج فلويد) من قبل الشرطة (الأمريكية) بشكل متعمد وعنصري؛ وقد تلا مقتله إحداث شغب واسعة النطاق أدى إلى إحراق عدد كبير من الآليات الشرطة وتكسير واجهات المحلات الكبيرة والصغيرة؛ بعد إن زاد المد الشعوبي والعنصري والقومي في عدد من (الولايات الأمريكية) الخمسين، وقد عكس ذلك في زيادة حدة التوترات بين الحزبين اثر الانتخابات (الأمريكية) الأخيرة –  كما ذكرنا سابقا –  واقتحام مبنى (الكابيتول) من قبل متظاهرين مؤيدي الرئيس (دونالد ترامب ) اثر خسارته في الانتخابات وفوز الرئيس (جو بايدن)، وهذه الإحداث تذكرنا بما حصل عام 1861 حين انقسمت النخب السياسية نتيجة الخلافات التي حدثت حول العبودية وأدت للحرب الأهلية (الأمريكية) واستمرت خمسة  سنوات وحصدت أرواح  ألاف (أمريكان) .

      لنجد بان هذه التطورات الأخيرة 2020  سواء على مستوى الصراعات الانتخابية أو بسبب سوء معالجة وباء (كورونا) وارتفاع نسبة البطالة بين شرائح واسعة من المواطنين في الداخل (الأمريكي)؛ أدت إلى إعلان ثلاثة ولايات (أمريكية) وهي كل من (كاليفورنيا) و(واشنطن) و(أوريجون) إتحاد يجمعها بعيدا عن باقي (الولايات المتحدة الأمريكية)،  حيث أعلن حاكم (كاليفورنيا – جافين نيوسوم) وحاكم (واشنطن – جاي إنسلي) وحاكم ولاية (أوريجون – كيت براون)، بان هذا (الاتحاد الثلاثي) جاء نتيجة عدم ثقتهم بالإجراءات الفيدرالية للحكومة (الأمريكية) لمعالجة مشكلة الوباء.. والعنصرية.. والصرع الحزبي بين الحزبين (الديمقراطي والجمهوري).

       ومن هنا يرى كثير من المحللين الاستراتجيين والخبراء إلى هذا الإعلان من قبل هذه (الولايات الثلاثة) بمثابة الشرارة الأولى لتقسيم (الولايات المتحدة الأمريكية) رغم إن تقسيم (الولايات المتحدة الأمريكية ذات خمسين ولاية) في هذه المرحلة غير وارد؛ ولكن خلال العشرين سنة القادمة لا محال سيتمخض الكثير عن هذه الشرارة في تقسيم (الولايات المتحدة الأمريكية) وزوال إمبراطوريتها؛ كما زالت من قبلها إمبراطوريات كانت في زمانها أكثر قوة وغطرسة واتساعا من (الولايات المتحدة الأمريكية).

        فلو أخذنا على سبيل المثال وليس الحصر (الإمبراطورية الأشورية) بعظمتها وقوتها وبكل ما كانت تمتلكه من قوة الجيوش والسلاح والموارد البشرية والزراعية؛ وما كان يدور في رحاب مؤسساتها من أفاق التقدم العلمي والمعرفي وازدهار الأنشطة الثقافية والإبداعية في شتى صنوف العلم والمعرفة و الفن والأدب والثقافة والصناعة والزراعة والري وبناء السدود، فهم أول من عرف فن الكتابة والتدوين كما فطنوا إلى فن صناعة الجلود والملابس والأواني وابتكار العربات للنقل والقتال وصنعوا أسلحة قتالية  بشتى أنواعها من السهام والرماح بما أمكنهم من توسيع نفوذهم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، لدرجة التي لقب ملوكها بـ(ملوك الجهات الأربع) وقد حكم (الإمبراطورية الأشورية) منذ سبعة ألاف سنة قبل الميلاد 116 ملكا لحين سقوطها في 621 قبل الميلاد؛ وبكل ما كانت تمتلكه من قوة والسلاح؛ إلا إن انهيار إمبراطوريتها أصبح واقع حال .

    ونقرا في صفحات التاريخ البشري القديم أيضا؛ إمبراطورات عدة عقبت انهيار (الإمبراطورية الأشورية) كأول إمبراطورية في التاريخ البشري في الشرق والغرب، وفي التاريخ الحديث نقرا أيضا كيف اضمحلت (بريطانيا العظمى) التي وصفت بان الشمس لا تغيب عن أراضيها، ليخبرنا التاريخ بان اضمحلال الإمبراطورات ليس بالأمر المستحيل وضربا من الخيال؛ كما إن اضمحلال (الاتحاد السوفيتي) التي استطاع قادتها إن يحولوا بلادهم من دولة محراثيه إلى دولة نووية؛ واستطاعوا تحقيق انتصارات عظيمة خلال (الحرب العالمية الثانية)، ولم يكن بالحسبان احد؛ لا من قادة (السوفيت) ولا من قادة العالم بان (الاتحاد السوفيتي) سيأتي عليها يوم لتضمحل وتتقوقع في دولة (روسيا) كما هي اليوم .

     لذلك فان اضمحلال (ولايات المتحدة الأمريكية) ليس بالأمر المستحيل وهي اليوم ترضخ تحت وطأة عواصف وهزات وارتجاجات واختناقات سياسية واقتصادية واجتماعية قاتله؛ ليس على مستوى الداخلي فحسب بل والخارجي؛ بعد إن أخذت تتكبد خسائر متعددة في الساحات الدولية نتيجة تخبط في سياساتها الخارجية؛ وهذا ما أدى إلى قضم نفوذها والذي يسير بخطى بطيئة مشلولة نحو التراجع والتقوقع على ذاتها بانهيار تام .

      وحين أحست (الولايات المتحدة) خطورة ما يحصل في (الساحل الأمريكي الغربي) سارعت لتبرير هذا (الاتحاد) بكونه نوع جديد من الفيدرالية بمفهوم المعاصرة، ولكن ما يستشف من هذا (الاتحاد) المعلن بكونه رفض لدستور (الأمريكي)، وما شكل أكثر خطورة هو تصريح حاكم (كاليفورنيا – جافين نيوسوم) بقوله بان الحكومة الفيدرالية لم تعد شريكا لولاية (كاليفورنيا) بعد إن أساءت الحكومة الفيدرالية معاملة ولايته كأنها (دولة قومية) في معالجة أزمة (كورونا) والعنصرية، ولهذا فانه يسعى إلى التركيز على الذات –  أي على إمكانيات ولاية كاليفورنيا –  في معالجة كل قضايا المتأزمة التي تمر بها البلاد سواء على سعيد وباء (كورونا) أو على سعيد الأزمة الاقتصادية؛ بكون ولايته تعتبر أكثر سكانا وأغنى وأكبر مساحة في عموم (أمريكا)؛ وان اقتصادها يعتبر من اقتصاديات واعدة ليس فحسب في (الولايات المتحدة الأمريكية) بل على المستوى العالمي؛ إذ تعتبر مركزا اقتصاديا وتكنولوجيا ضخما، ومن ممكن إذ ما استقلت ستصبح ضمن اكبر عشر اقتصاديات في العالم .

     ولهذا نجد بان دعوات الانفصال (كاليفورنيا) تعالت منذ عام  2015 اثر توسع نطاق حركة (نعم كاليفورنيا) الداعمة للانفصال والتي تعمل على نطاق سياسي واسع لحشد المواطنين على إجراء استفتاء شعبي لتقرير والتمهيد للانفصال عن (الولايات المتحدة) ومع ذلك فان الحركة ترفض الانفصال عن طريق الثورة .

      ويذكر بان (كاليفورنيا) كانت ولاية تابعة لدولة (المكسيك) وقد انتزعت منها عام 1847، وقد تزايد نشاط هذه الحركة عقب فوز الرئيس (دونالد ترامب) بالرئاسة وتسلمه الحكم في عام (2017 ) ورفعت شعار (كاليكسيت) المشتقة من كلمة (بريكست) أي خروج (بريطانيا) من (الاتحاد الأوربي)؛ ولهذا أصدرت هذه الحركة كتاب تطرح فيه قضية استقلال (كاليفورنيا) لتصبح دولة مستقلة ذات سيادة بعيدة عن (الولايات المتحدة) .

      ونتيجة تحدى الذي أبدته ولاية (كاليفورنيا) و(واشنطن) و(أوريجون) نجد بان عديد من الولايات رفضت سياسة الحكومة المركزية بشان جائحة (كورونا)؛ وهنا نجد بوضوح بان أغلبية حكام من الحزب (الديمقراطي) رفضوا انصياع لأوامر الحكومة المركزية التي يتزعمها (الجمهوريين) بقيادة الرئيس (دونالد ترامب) والعكس أيضا صحيح، وهو ما يشكل تمرد واضحا من حكام الولايات على السياسات الفيدرالية في (الولايات المتحدة الأمريكية) .

       وهنا نلاحظ من خلال قراءة (التاريخ الأمريكي) في أيام الرئيس (أبراهام لينكولن) حين انتخب عام 1860 انسحبت ولاية (كارولاينا) الجنوبية من الاتحاد وأعلنت استقلالها بعد انتخاب الرئيس ( أبراهام لينكولن) لرئاسة الجمهورية (الأمريكية)؛ لتكون أول الولايات المنسحبة، بعد إن اعتقد  سكان (كارولاينا) الجنوبية من أن الرئيس سيصدر أوامر بإلغاء (الرق)، فانسحب قادة الولايات الجنوبية بقيادة (كارولاينا) بعد إن لحق بها ستة ولايات جنوبية أخرى وأعلنوا في عام 1861 بقيام حكومة كونفدرالية معارضة للحكومة الاتحادية في الشمال فاندلع حرب أهلية بين الشمال والجنوب عام 1861 وانتهت بانتصار الشماليين واسترجاع الاتحاد .

      ومع ذلك بقيت (كارولاينا الجنوبية) تطالب بالانفصال واسترجاع جمهوريتهم السابقة المسماة (جمهورية باملتو الثالثة) بعد إن أخفقت عام 1776 وعام 1860، علما بان ولاية (كارولاينا الجنوبية) هي واحدة من ثلاثة عشره مستعمرة ظلت تحت الحكم (البريطاني) حتى قيام الثورة الأمريكية ونشوء (الولايات المتحدة الأمريكية) لتنضم إليها عام 1788 .

       أما في ولاية (تكساس) التي تعتبر ثاني أكبر ولاية في (الولايات المتحدة الأمريكية) من حيث عدد سكانها والمساحة فان النزعة الانفصالي عن (الولايات المتحدة الأمريكية) متجذر بشكل ملحوظ منذ القدم وقبل قيام الاتحاد في (الولايات المتحدة الأمريكية) حيث كانت ولاية (تكساس) للفترة ما بين عام 1836و عام 1845 جمهورية مستقلة وقد انضمت إلى الاتحاد اختياريا عام 1845، وآنذاك وضعت شرطا في وثيقة الاتحاد بان يكون لها حق الخروج من الاتحاد مع (الولايات المتحدة الأمريكية) في أي وقت تريده وتختاره، وبعد أمد قصير أعلنت انفصالها عن الاتحاد، ولكن عند قيام الحرب الأهلية (الأمريكية) انضمت مجددا إلى (الولايات المتحدة الأمريكية)، ومع هذا التردد من دخول الاتحاد مع (الولايات المتحدة) وخروجها؛ ظلت فكرة انفصالها النهائي عنها قائم، ومنذ عام 1980 حين نشأة في ولاية (تكساس) حركات سياسية وشعبية تنادي بالانفصال، وقد أعادة (تكساس) مطالبتها بالانفصال خلال الانتخابية في عام 2018 بعد إن أخذت الحركات الانفصالية في (تكساس) دروس من التجربة الانفصالية التي قامت بها (بريطانيا) عن (الاتحاد الأوربي) .

        اما ولاية (فيرمونت الأمريكية) فقبل أن تنضم إلى (الولايات المتحدة الأمريكية) عام 1791 كانت في الأصل جمهورية تحت السيادة (البريطانية) منذ عام 1777 وقد نشطت الحركات الانفصالية في ولاية (فيرمونت) نتيجة استبداد الشركات الصناعية (الأمريكية) وحكومة المركز، لذلك فهي تتطلع إلى الانفصال وكانت حركة الانفصالية التي تشكلت في عام 2010 والتي انطلقت تحت التسمية (جمهورية فيرمونت الثانية) انطلت بتوجهاتها الليبرالية بعيدة عن الحس القومي بكونها تطرح نفسها كتيار فكري مناهض للاستبداد (الشركات الأمريكية) وسطوة السلطة المركزية في (الولايات المتحدة الأمريكية)، ولهذا عقد زعماء ونشطاء هذه الحركة مؤتمر عام 2005 تحت أسس (مؤتمر استقلال فيرمونت)  والتي تسعى إلى الانفصال عن الولايات المتحدة وإعلان استقلالها بطرق سلمية .

       اما الولاية (ألاسكا) التي هي أساسا ولاية منفصلة عن الأراضي (الولايات المتحدة الأمريكية) تقع في أقصى الشمال الغربي من (كندا)  اشترتها (أمريكا) من (روسيا القيصرية) بسعر سبعة ملايين ومائتان ألف دولار سنة 1867، وأعلنتها رسميا ولاية (أمريكية)  في عام 1959، ومنذ عام 1984 والى يومنا هذا يطالب سكانها بالاستقلال عن (الولايات المتحدة الأمريكية)  فتم تأسيس الكثير من الحركات الانفصالية في (ألاسكا)  منها (حركة استقلال ألاسكا) التي عملت عام 2006 على أجراء استفتاء شعبي للانفصال عن (الولايات المتحدة الأمريكية) وكاد الأمر ينجح لولا تدخل المحكمة (الأمريكية) العليا واعتبرت الانفصال أمر غير مشروع ولم يسمح بإجراء أي استفتاء؛ ومع ذلك طالب الناشطون في (ألاسكا) المجتمع الدولي بمساعدتهم في إجراء استفتاء لتقرير المصير، وهناك أيضا مطالبات بالانفصال في كل من ولاية ( كنتاكي) و(بنسلفانيا) و(جورجيا) و(ويسكونسن) و( ماساتشوتسن) و(برتوريكو) وغيرها من الولايات .

      ورغم ما ورد من الانفصال، ورغم أن (دستور الولايات المتحدة الأمريكية) يسمح بتشكيل أنشطة وحركات انفصالية وحيازة الأسلحة على المستوى الشعبي وفي بعض الحالات على مستوى السياسي، إلا أن (المحكمة العليا) لم تتعاطى مع هذه النزعات إذا ما سارت الأمور بشكل جدي نحو الانفصال كما حدث مع ولاية (ألاسكا) عام 2006، ولكن يقينا بان النزعات الانفصالية في تاريخ (الولايات المتحدة الأمريكية) مطروح؛ وإن لم تحقق النجاح، ولكن لا محال ستشهدها (الولايات المتحدة الأمريكية)؛ لان المواطنون سيسعون خلال الحقبة القادمة إلى التفكير في الانفصال أجلا أم عاجلا أو تغيير شكل الاتحاد القائم الآن؛ وسيتعالى صوت الشعوب (الأمريكية) في الولايات الخمسين والطعن بجدوى وجود شرعية المركز والسلطة الفيدرالية، ومن الملاحظ بان خلال أية انتخابات رئاسية في (الولايات المتحدة الأمريكية) والتي تجري كل أربعة سنوات؛ تسبب احتقان جماهيري واسع النطاق واحتكاك حاد بين الحزبين الرئيسين (الجمهوري والديمقراطي) الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من الصراعات والانشقاقات بين صفوف الشعوب (الامريكية) ذات تشعب وانتماءات وأعراق متعددة والذي ينعكس في الولايات الخمسين وإداراتها وسلطاتها الإقليمية؛ كما حدث في انتخابات 2020 وما أعقبها في مطلع عام 2021 وتحديد في يوم السادس من كانون الثاني من اقتحام جماهير وأنصار الرئيس (دونالد ترامب) الخاسر في الانتخابات ورفضت نتائج الانتخابات متهمين بتزوير نتائج الانتخابات من قبل الحزب الديمقراطي؛ وهذا اقتحموا الجماهير مبنى الكونكرس ومجلس الشيوخ وما أعقبها من أحداث شغب حيث قتل عدد من المحتجين واعتقل عشرات منهم؛ بحيث شكلت هذه الاحتجاجات وإعمال شغب واقتحام مبنى (الكابيتول) انتكاسة في مفهوم الديمقراطية التي ضلت ترفعها (الولايات  المتحدة) زيفا وبهتانا؛ بينما هي تمارس أبشع ممارسات العنف والتميز بحق مواطني (الأمريكان) الذين هم من أصول متعددة؛ حيث يصادر حق التعبير والنقد ويتم تقيد نشرها في مؤسسات الإعلامية؛ كما فعلت مؤسسة (تويتر) و(فيسبوك) و(انستغرام) و(يوتيوب) من عدم نشر تغريدات الرئيس (دونالد ترامب)، فكيف الحال بالنسبة لبقية المواطنين …………؟

      فحرية التعبير وإبداء الرأي والرأي الأخر مقيد بشكل سافر؛ والتميز العرقي والعنصرية والشعوبية هي سائدة في اغلب مؤسسات الدولة في (أمريكا)؛ وما يحدث فيها من إحداث شغب واعتقالات عشوائية والقتل وانتهاك لحقوق الإنسان والحريات العامة أبشع بكثير مما يحدث في دول العالم الثالث .

      وان مجريات الإحداث وارتفاع نبرة التميز والعنصرية والشعوبية في مؤسسات (الولايات المتحدة الأمريكية) والتي تتفاقم يوما بعد أخر؛ هو الأمر الذي  يجعل (الاتحاد) بين الولايات أمر صعبا إن لم نقول مستحيل خلال العشرين سنة القادمة؛ بعد إن يتفاقم الصراع السياسي الداخلي والذي يمكن إن يتحول هذا الصراع بين سلطات الولايات الخمسين والمركز الفيدرالي نحو الانفصال وإعلان استقلالهم عن المركز،  ليعاد سيناريو انفصال جمهوريات (الاتحاد السوفيتي) وإعلان استقلالهم بعد إن ضعفت سلطة المركز ولم يردع انفصال (الجمهوريات السوفيتية) عام 1990 عن (الاتحاد السوفيتي) حجم القوة والسلاح التي كانت بيد (الاتحاد السوفيتي)؛ حيث كانت اكبر قوة في العالم .

       وبعد انهيار (الإتحاد السوفيتي) وزوال القطبية الثنائية للعالم بين (أمريكا) و(الاتحاد السوفيتي) حيث كانتا يحققان نوع من التوازن دولي بين القوتين العظمتين، ولكن بعد هذا التاريخ من زوال (الاتحاد السوفيتي) فأن العالم كله اتجه ويتجه نحو التفكك والانقسام والانشطار ابتداءا من انقسام (تشيكوسلوفاكيا) إلى دولتين هي (تشيك) و(سلوفاكيا) وتقسيم (يوغسلافيا) إلى (صربيا) و(كرواتا) و(البوسنه) و(سلوفينيا) و(مقدونيا) و(الجبل الأسود) و(كوسوفو الصربي)، وقد تدخلت (أمريكا) في بهذا الشكل وذاك لتقسيم دول العالم وتفتيتها بعد إن نالت من (الاتحاد السوفيتي) وحققت هدفها بانفرادها على النظام الدولي والهيمنة علية؛ لتسعى بكل ما أتى لها من قوة وسلاح لتفتيت اكبر عدد من دول العالم لتستطيع السيطرة عليها واستغلال ثرواتها، وهذا ما سعت وتسعى لتحقيقه في العالم بعد إن استطاعت تقسيم (السودان) و(صومال) واليوم تجري محاولات لتقسيم (اليمن) و(العراق) و(مصر) و(إيران) و(لبنان) و(سوريا) و(ليبيا) و(المغرب) ودول (الخليج العربي)، ولكن من دون إن تدرك بان التقسيم اخذ ينخر جسدها من الداخل لتجد ولاياتها الخمسين بين ليلة وضحاها مشتتة إلى دويلات وجمهوريات مستقلة كما حدث في (الاتحاد السوفيتي) السابق، وهو سيناريو المرجح لـ(الولايات المتحدة الأمريكية)؛ فان انفصال (الولايات الخمسين الأمريكية) عن (الولايات المتحدة الأمريكية) لن ولن يردع  حجم القوة والسلاح التي بحوزتها من الانفصال وإعلان جمهورياتهم واستقلالهم عن (الولايات الأمريكية) وكما حدث في (الاتحاد السوفيتي) السابق؛ في ظل تشتت وانقسام الحاصل في سلطة المركز وضعفها؛ نتيجة :

         أولا ..  ارتفاع معدلات الديون الأميركية العامة؛ وحسب المعطيات التي نشرتها وزارة الخزانة (الأمريكية) توقعت بأن تصل الديون في عام 2015 إلي تسعة عشر فاصل سبع تريليون؛ أي أن (الولايات المتحدة الأمريكية) في طريقها إلى الإفلاس لا محال .

        ثانيا ..  ارتفاع حجم التضخم بشكل هائل؛ نتيجة طباعة أموال غير مغطاة من قبل (البنك المركزي الأمريكي)، إضافة بان عديد من بنوك (الأمريكية) بما تجاوز عددها عن مائة وخمسون بنك تم الإعلان عن إفلاسهم؛ في وقت الذي يقال بان هناك أكثر من خمسمائة بنك علي حافة الإفلاس، وإفلاس البنوك معناه بان (الولايات المتحدة) تسير نحو الهاوية بسبب الشلل الذي يصيب كل المجالات الاقتصادية (الأمريكية) .

         ثالثا ..  ركود وتراجع معدلات نمو (الاقتصاد الأمريكي) نتيجة أزمة (كورونا)، وهذا ما سبب إلى زيادة نسبة البطالة بسبب تراجع معدلات النمو والإقفال العام للمراكز التجارية والمصانع والشركات (الأمريكية) وتسريح العاملين، وانتقال بعض شركات الصناعات (الأمريكية) إلى دول آسيوية بسبب رخص الأيدي العاملة هناك .

        رابعا .. تنافس دولة (الصين) على الأسواق التجارة العالمية لدرجة احتكارها وعدم إمكانية منافستها أية دولة أخرى في العالم؛  وهذا ما إربك أسواق التجارية (الأمريكية) بعد إن تم إغراق أسواقها المفتوحة بالبضائع (الصينية) الرخيصة، إضافة إلى قيام (الصين) بشراء سندات الخزينة ومن أوراق الدين (الأمريكية) بما تملك اليوم (الصين) وحدها نحو تريليون دولار من هذه السندات وهذا يجعلها قادرة على إسقاط (الاقتصاد الأمريكي) إن أرادت ذلك بالتخلص من هذه السندات في أي لحظة تريدها (الصين) .

       وهذه العوامل مجتمعة وغيرها هي السائدة اليوم على مسرح الحياة في الداخل (الأمريكي)، حيث هذه المشاهد المثيرة بتعدد الاتجاهات والإرهاصات والاختناقات الاجتماعية المتعلقة بالاقتصاد ومستقبل الإفراد ومستوى المعيشية والتي تتطور آلياتها شيئا فشيئا والتي ستحدث الفرقة والانقسام والانفصال عن المركز؛ وان نقطة التحول والسير هذه الاتجاهات سيحدث لا محال خلال السنوات العشريين القادمة، لان الانتخابات الأخيرة احدث شروخا واسعة في جسد (الولايات المتحدة الأمريكية) بما أصبح الانقسام الغير المعلن رسميا و واقعا من خلال ما حدث في (الولايات الغربية الأمريكية) أو ما حدث في (ولاية تكساس)، أو ما حدث بين الحزبين الرئيسين (الجمهوري) و(الديمقراطي) في الانتخابات الأخيرة 2020 –   2021  وهي ممهدات باتت جاهزة لمثل هكذا توجهات الانفصالية .   

       فـ(الولايات المتحدة الأمريكية) نتيجة تخبطاها وتدخلاتها في شؤون دول العالم؛ ودورها في الهيمنة والتأثير في العلاقات الدولية؛ وإرسال قواتها وتورطها في حروب عبثية في (العراق) و(أفغانستان) و(صومال)، أرهق كاهل اقتصادها؛ وهو ما اثر تأثيرا سلبيا لبعض الولايات (الأمريكية) التي تتميز بقوة اقتصادها كـ(كاليفورنيا) وهذا ما أضعفها داخليا، ولكن نتيجة للقوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية التي تمتلكها هو ما دفعها للممارسة التأثير على دول العالم وفي توجهات النظام السياسي الدولي، ولكن هذه الحقائق عمرها لن تكون ثوابت لان متغيرات الحاصلة في النظام الدولي وصعود دول كـ(الصين) تنافس (الولايات المتحدة) وكذلك (الدول الأوربية) و(روسيا) من شانها خلال هذه الحقبة أو خلال العشرين سنة القادمة إن تغير من موازين القوى لا محال وستتوزع ادوار للقوى أخرى تنافس (أمريكا) وستؤثر في توجهات النظام الدولي؛ بعد إن يأخذ أفل (الولايات المتحدة الأمريكية) بالزوال من الساحة الدولية تدريجيا؛ وحين يأخذ المد الانفصالي يتصاعد دخل (الولايات المتحدة)، لان النظام الدولي سياسيا يمر اثر اجتياح جائحة (كورونا) وما خلفه من انهيار الأنظمة الاقتصادية والصحية بمرحلة مهمة من مراحل صيرورته التاريخية المعاصر وفق طبيعة التحولات الدولية وتأثيراتها والمتغيرات الدولية، لأن النظام السياسي الدولي متجه بعد هذه الحقبة نحو تعدد الأقطاب و زوال النظام ذات القطب الأحادي الذي تتزعمه (أمريكا)؛ وان بوادر هذا التوجه وحسب معطيات التي تفرز من داخل (الولايات المتحدة) وتصاعد نبرة الانفصال (الولايات الخمسين) تتجه لبروز بنسبة عالية على ارض الواقع؛ بعد إن اخذ الضعف والقدرة السياسة الأمريكية ينخر جسدها من الداخل والخارج؛ وهذا ما سيغيب ممارسة دور الهيمنة المطلقة على النظام الدولي خلال عشرين سنة القادمة، لان نظامها السياسي الذي تشكل عبر مراحل التاريخ منذ ما بعد الحرب الباردة وزوال (الاتحاد السوفيتي)؛ استنفذ مقومات تطوره أكثر مما هو عليه الآن؛ وعدم قدرتها على قراءة المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بشكل سليم؛ وهذا التوقف هو الذي سيسارع انهيار (الولايات المتحدة الأمريكية) .

      لان سياسات (الولايات المتحدة الأمريكية) الاقتصادية واقع تحت وطأة العجز في الميزانية نتيجة النفقات الهائلة التي تبذر في التسليح وبناء قواعد ومستودعات محصنه لترساناتها النووية وأساطيلها البحرية والجوية ومنظوماتها الصاروخية العابرة للقارات وبرؤوس  نووية هائلة ودخولها في سياسات دولية لإسقاط الأنظمة بحجة دعم حلفائها ضد الإرهاب، وهذا ما أنهك ميزانيها وموارد خزينة (الولايات المتحدة الأمريكية)  لحجم نفقات الحروب ومستلزمات اللوجسيته الداعمة لهذه التدخلات الغير المشروعة والتي تستقطع وتأخذ من القوى العاملة في (الولايات المتحدة) ومن دافعي الضرائب، لدرجة التي وصل انهيار اقتصادها وخزينتها بما جعلها من غير الممكن إن تحارب على عدة جبهات سواء في (العراق) أو في (أفغانستان) وهذا ما جعلها تسحب قواتها من هنا وهناك؛ بل انها لم تجرأ بمحاربة (إيران) التي أخذت توسع من بناء أنشطتها النووية التي تعارضها (أمريكا) وكذلك بسبب دعم (إيران) للميلشيات الطائفية المسلحة تسلحا ثقيلا التي تهدد مصالحها في (العراق) و(سوريا) و(لبنان) و(اليمن)  بسبب نقص في الموارد المالية والبشرية، لذلك فهي تترد من مهاجمتها ما لم تجيش دول أخرى لمساعدتها في قضية غزو (إيران) كما حدث في غزوها لـ(العراق) عام 1990 و عام  2003 بعد إن جندت ثلاثة وثلاثين دولة لغزو (العراق)، لأنها اليوم لا تملك عدد كافي من الجيوش ولا الموارد الكافية لمهاجمتها لان عدد سكان دولة (إيران) يفوق عدد سكان (العراق) ثلاثة أضعاف، إضافة بكون (الولايات المتحدة الأمريكية) تعاني أساسا من مشاكل داخلية بسبب سياساتها الاقتصادية التي إربك النظام المصرفي نتيجة توسيع نطاق منح القروض بغية الحصول على الإرباح من دون إن يوجد غطاء ائتماني لها؛ ومن ثم عدم إيفاء بالتزاماتهم نتيجة العجز، إضافة إلى عدم قدرة الاقتصاد (الأمريكي) على النمو وتشغيل الأيدي العاملة مما أدى إلى زيادة عدد العاطلين عن العمل وهذا ما زاد من عدد المطالبين بالإعانات الاجتماعية، وهذه عوامل هي التي تنخر من جسد (الاقتصاد الأمريكي) ويجعله يتراجع ويعجز من تقديم خدمات بشكل ملائم مع ارتفاع الأسعار للمواطنين؛ الأمر الذي جعلهم ناقمين ومناهضين من سياسة الحكومة المركزية بعد إن زاد في المجتمعات (الأمريكية) الهوة بين الطبقات الارستقراطية والطبقات الكادحة ذات الغالبية في المجتمع (الأمريكي) وهذا ما أدى إلى وجود مشاكل لا حدود لها لهذه الطبقات المسحوقة بسبب الفقر والعوز والإمراض بما رفع مستويات الفقر لتأثر عليهم على مستوى الأخلاق والجريمة والانحراف السلوكي .

        ومن خلال إحصاءات التي تقدمها المنظمات الإنسانية في الداخل (الأمريكي) فان هذا المظاهر تسود في الاحياء الفقرة التي يسكنه السود والآسيويين، وهذه الأزمات المجتمعية في داخل (أمريكا) ترك أثارها السلبية في الداخل (الأمريكي) وهذا ما لاحظناه اثر الانتخابات التي تقام كل أربعة سنوات ويحصل انقسامات واضحة في توجهات الشعوب (الأمريكية) وتحديدا لدى الطبقات المسحوقة ذات الغالبية السكانية في (الولايات المتحدة) بين تأيد هذا الحزب أو ذاك؛ وهذا ما يسبب إرهاصات بين الناخبين سواء في تقبل النتائج أو رفضها؛ وتحدث مشاحنات وتتصاعد نبرة الاتهامات بين مؤيدي الحزبين كما حدث في الانتخابات الأخيرة، لان (الشعوب الأمريكية) منقسمة في توجهاتها ولم يعد يمثلها أي من الحزبين سواء (الجمهوري أو الديمقراطي) وهذه توجهات تخلق ضعفا في وحدة (الولايات المتحدة الأمريكية) والتي ستتوجه نحو الانفصال لتقرير كل ولاية مصيرها في الحرية والاستقلال، وقد حفز خروج (بريطانيا) من (الاتحاد الأوربي) عديد من (الولايات المتحدة الأمريكية) التي تسعى إلى الانفصال لتجديد مطالبها الانفصالية وتشجيع مواطنيها بالمطالبة بذلك؛ لترتفع أصواتهم رغبة للانفصال واستقلال ولاياتهم، لنجد اليوم على ارض الواقع كيف تنشط هذه الحركات بفعالياتها وعملها الدؤوب لاستقطاب الرأي الدولي ومنظمات ألحقوقيه على مطالبهم المشروعة في الحرية وحق تقرير المصير؛ نتيجة ما تمارسه السلطة المركزية في (الولايات المتحدة الأمريكية) من سطوة وفرض أرادتها عليهم في زيادة الضرائب؛ لدرجة اخذ الكثير من الولايات في (الولايات المتحدة الأمريكية) تعيد وتجدد الدعوات السابقة من تاريخ ولاياتهم بالمطالبة بالانفصال؛ وخاصة بعد إن وجدوا من خروج (بريطانيا) من (الاتحاد الأوربي) فرصة ليرفوا أصواتهم ودعواتهم بالانفصالية عن (الولايات المتحدة الأمريكية)، بما انبعث الأمل لديهم بالانفصال وإعلان استقلالهم كجمهوريات مستقلة عن (الولايات المتحدة الأمريكية) وهذا ما جعلهم يتحركوا باتجاه المنظمات الدولية لتأيد توجهاتهم في الحرية وحق تقرير المصير . 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.