في العلاقات الروسية التركية / د. حسام العتوم

د.  حسام  العتوم ( الأردن ) – الإثنين 15/2/2021 م …




لفت  انتباهي  خبر  لوكالة  الانباء  الروسية  ( تاس )  بتاريخ  11فبراير 2021  نقله  موقع  (العربي  الجديد)  الاخباري   مفاده   سير  مناورات  تركية  – روسية  عسكرية  في  ادلب  شمال  غرب  سوريا, وتحديدا  في  مدينة  (سراقب)  لضبط  حراك   المنظمات الإرهابية  المنتشرة  – على  ما  يبدو- الممثلة  بالنصرة  وداعش,  بينما هي عيون روسيا على أبعاد تركيا عن مهاجمة  قوات النظام السوري التابعة للجيش العربي السوري المحمي جوا من طرفها, والدور العسكري التركي   المهاجم للنظام السوري على الحدود غير صحيح بالمناسبة  وغير عادل, وهو يتكرر منذ وقف  إطلاق  النار  في  آذار  الماضي  عام  2020, ومنذ انهيار اتفاق سوتشي الذي انعقد بين رئيس  روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب اوردوغان بتاريخ 17 سبتمبر2018  على  أن  يسري  مفعول  الاتفاق  بتاريخ  15 تشرين اول 2019 , بهدف  تثبيت  منطقة  منزوعة  السلاح  على  مدى  20  كيلومترا, وبحيث يتم وسطها اخلاءها  من  الفصائل  المسلحة  الوطنية  المحسوبة  على  النظام  السوري, وغيرها المرتبطة بالإرهاب في المقابل. والمتتبع  للسياسة  التركية  منذ اندلاع  الربيع  السوري  عام  2011   يجدها  غير  منصفة  وبأنها  ادعت الوقوف إلى  جانب  الشعب  السوري, والمعارضة الوطنية السورية لحمايتهما من (سطوة) النظام السوري حسب  رؤيتها, بينما هي من فتحت أبواب الشمال أمام الارهاب ليخترق الداخل السوري,  وأمريكا بكل  تأكيد على الخط.

ولقد  اتسمت  العلاقات  التركية  السورية  بالدافئة  سابقا، لدرجة  تدخل  رئيسها  رجب  طيب  اوردوغان  لإجراء  تسوية  بين  سوريا  وإسرائيل حول الجولان (  الهضبة  العربية  السورية  المحتلة  عام  1967)  علنا  وسرا  عام  2008، بعد  فشل  المفاوضات  السورية  الإسرائيلية عام  2000.  وانقلبت  وتقلبت  العلاقات  التركية  الأسرائيلية  عام  2010  بعد  حادثة  سفينة  الحرية  التركية  الهادفة  وقتها  لفك  حصار  غزة, واعتذار  إسرائيلي  قبلته  تركيا  عام  2013  بوساطة  مباشرة  من  الرئيس  الأمريكي  الأسبق  باراك  اوباما. والعلاقة  الروسية  السورية  متجذرة  من  العهد  السوفييتي  منذ  عام  1944, وتطورت  عام  1971  بعد  حركة  التصحيح, واستفادت  سوريا  من  السلاح  السوفييتي  والخبرة  العسكرية  في  تحقيق  نصر  جزئي  عام  1973  في  حرب  تشرين  عبر  تحرير  مدينة  القنيطرة  الجولانية, وشطب  للديون  السورية المستحقة  لصالح  روسيا  عام  2005, ونقطتي  (طرطوس  و حميميم)  العسكريتين  خير  شاهد  على  الحضور  العسكري السوفييتي  السابق  والروسي  اللاحق  في  سوريا, وهو  الذي  تطور  إلى  استراتيجي  مع  سوريا  خاصة  بعد  التدخل  الروسي  السياسي  والعسكري  الملاحظ  في  سوريا  عام  2015  لعدة  أسباب  في  مقدمتها  توازنات  الحرب  الباردة  بين  الشرق  الروسي  والصيني  وبين  الغرب  بقيادة  امريكا و حلفهما ( الناتو ).

وكمقارنة  بين  الجهود  الروسية  والامريكية  والتركية  والعربية  في  الملف  السوري,  نجد  بأن  الحضور  الأمريكي  وسطه  عام  2011  قدم  من  دون  دعوة  وخارج  العلاقات  الدبلوماسية  الطيبة, وزج  بالعرب  الى  داخله, وأحدث  شرخا  سياسيا  و اقتصاديا   وسطهم  لا  زالت  اثاره  ماثلة  حتى  يومنا  هذا, وفشلت  امريكا  في  السيطرة  على  دخول  الإرهاب  الى  سوريا   من  80  جهة  دولية, و ساهمت  في  تعميق  حضوره  داخل  سوريا, و فرقت  بين  إرهاب  عصابتي (النصرة) و (داعش). ولم  تنجح  امريكا  بداية  في  تفكيك  السلاح  الكيميائي  السوري  الذي  امتلكه  الجيش  العربي  السوري  واعتبر  خطيرا  على  سوريا  وعلى  المنطقة  العربية  وعلى  أمن  اسرائيل. وقابل  هذه  المعادلة  انقلاب  تركي  في  عهد  اوردوغان  على  النظام  السوري  في  دمشق  بعد  الربيع  السوري  عام  2011  الذي  بدأ  بالمناسبة  من  مدينة  درعا  السورية  ولم  يبدأ  من  ادلب, ولم  يشهد  الجنوب  السوري  تدخلا  خارجيا  مثلما  شهدت  الحدود  الشمالية  السورية  المحاذية  لتركيا. ولم  يستطع  العرب  تشكيل  صورة  موحدة  حول  الازمة  السورية, و ذهبو  إلى  إخراج  سوريا  من  الجامعة  العربية, وغرقت  سوريا  أثناء  مواجهتها  لصنوف  المعارضة  الوطنية  السورية  المنشقة  في  بعضها  عن  النظام  السوري  نفسه, وأثناء  مواجهتها  لعصابات  متعددة  الأشكال  والأنماط  وفي  مقدمتها (داعش)  و (النصرة), و(القاعدة)  الأم, وهن  المصنفات  بالأكثر  خطورة   على  المستويين  الإقليمي  والدولي. واستضافة  تركية  لحوالي  4  ملايين  لاجيء  سوري  مع  فتح  باب  الهجرة  لهم  إلى  أوروبا, وملف  الأكراد  قنبلة  موقوتة  تركية إن  لم  تحل  بالطرق  السلمية  ويتم  الإفراج  عن  زعيمهم  عبدالله  أوجلان.

وكما  راقبت  وتابعت  روسيا  السوفيتية  المنطقة  العربية  والإقليم  والعالم,  راقبته  روسيا  المعاصرة  كذلك, فلقد  أحدقت  عيونها  في  العراق  قبل  عام  2003، ولم  تستطع  إقناع  نظامه  بترك  السلطة  لصالح  إنقاذ  العراق  عبر  جولات   لبيريماكوف, وراقبت  المشهدين  المصري  والليبي, وسلطت  عيونها  أكثر  على  المشهد  السوري  وهو  الوحيد  الذي  استخدمت  حق ( الفيتو) فيه أكثر من مرة, ودخلت إليه  عام  2015   بقوة  السياسة  والسلاح, واجتماعات  جنيف  والاستانة, والاستخدام  الدقيق  للسلاح  الحديث  شاهد  عيان,  وَقوبلت  بفوبيا  روسيا  عجت  بالإشاعات  السوداء  والرمادية  المبرمجة  للتقليل  من  شأن  الحضور  الروسي  النافع  وسط  أزمة  دموية  تبحث  عن  حل  ناجع, و ذهبت  إلى  التمسك  بصناديق  الاقتراع  في  سوريا, ورفض  أية  مشاريع  غربية  انقلابية  بالتعاون  مع  العرب  أنفسهم. ونجحت  روسيا  رغم  حضورها  المتأخر  في  سوريا  من  إقناع  سوريا, وأمريكا,  ومجلس  الأمن  عام  2015  بالوصول  لتفكيك  ناجح  لترسانة  سوريا  الكيميائية  الرسمية,  ووصلت  مع  أمريكا  وتركيا والأردن  إلى  تشكيل  مناطق  لخفض  التصعيد  تضمن  عودة  اللاجيء  السوري  آلة  وطنه  طوعا. وافتتحت  مكتبا  سياسيا  روسيا  أمريكيا أردنيا مشتركا  لمعالجة  الأزمة  السورية  من  طرف  الجنوب  السوري  المحاذي  للأردن,  وهو  جهد  مشكور  لوزير  خارجية  روسيا  سيرجي  لافروف , وللقيادتين  الأمريكية  والأردنية  بكل تأكيد.

وتتحمل  خزينة  الدولة  الأردنية  وجود  1,4  مليون  لاجيء  سوري  على  الأرض  الأردنية,  ويقود  الأردن  في  الموضوع  السوري  المجاور  سياسة  حكيمة  بقيادة  جلالة  الملك  عبد  الله  الثاني  “حفظه  الله  ”  تدعو  للمحافظة  على  التراب  السوري, ولحل  الأزمة  السورية  بالطرق  السلمية, والعمل  من أجل  ضمانة  عودة  اللاجيء  السوري  إلى  وطنة  طوعا  وبأمان  واستقرار,  ويتعاون  مع  المجتمع  الدولي  لأيجاد  مخرج  آمن  للقضية  السورية  العربية  الملامسة  للجوار   من  عرب  مجاورين  وأبعد,  ومن عجم   مثل  اسرائيل. والمعروف بأن  الاقتصاد  يشكل  سببا  جوهريا  هاما  في  الأزمة  السورية, وثمة  ربط  بين  غاز  قطر  المخطط  له  لكي  يمر  بالأراضي  السورية  إلى  أوروبا,  وبين  الغاز  الروسي   عبر  تركيا  واوكرانيا  إلى أوروبا, ومنافسة  ملاحظة  مالية  الطابع. ولقد  مرت  العلاقات  الروسي  التركية  في  المقابل  بمطبات  حادة  ساخنة  تم  تجازوها  مثل  إسقاط  التيار  الأمريكي  في  الجيش  التركي  لطائرة  السوخوي  24  الروسية   عام  2015  فوق  المنطقة  الحدودية  التركية  –  السورية، وققتها قيل لبوتين: هل ستحارب تركيا؟ فأجاب: “بواسطة فرقتنا الموسيقية العسكرية فقط!”، واغتيال  السفير  الروسي  في  أنقرة  اندريه  كارلوف  عام  2016, وتمكنت روسيا مسبقاً من إعلام تركيا عبر جهاز استخباراتها MIT، وعبر اتصالات خاصة حول انقلاب سيحصل بعد ساعات في أنقرة (وكالة فارس للأنباء 20 يوليو 2016)، وفي  عام  2020  اعترف  الرئيس  التركي  أوردوغان  بإقليم  القرم  تابعا  لسيادة  أوكرانيا, وهو  الإقليم  الذي  أجرى  استفتاء  شعبيا لصالح  الانضمام  لروسيا  عام  2014  وبنسبة  مئوية  بلغت  95% ,  والمعروف  بأنه  إقليم  لكل  القوميات (الروسية  58%, والأوكرانية 24%, والتترية  12% ) وغيرها.

 ومقارنة  بسيطة  بين  حجم  التبادل  التجاري  بين روسيا  وتركيا , وبين  تركيا  واوكرانيا ( 26,5  مليار  مقابل  4,8  مليار ), فإن  المؤشر  الاقتصادي  ليس  سببا  كبيرا  في  الاعتراف  التركي  هذا, وتاريخ  القرم  يؤشر  على  انتزاع  الروس  للقرم   من  الحكم  العثماني الذي  استمر  تحت  سيطرة  دولة  (خانات  تتار  القرم)  حتى  عام  1430,  فجاء  النصر  على  العثمانيين  على  يد  الامبراطورة  والملكة  يكاتيرينا  الثانية  عام  1783, وانتصر  اوردوغان  عام  2020  للدولة  العثمانية  عبر  اعترافه  بالقرم   للسيادة  الاوكرانية، ومن المؤكد أن ذلك قد تم ليس من أجل  عيون  اوكرانيا فقط. كما أن تركيا  عضو  في  حلف ( الناتو ) العسكري  الغربي  الأمريكي  منذ  عام  1952 – وهو  الحلف  الذي  لم  يتأسس  من  فراغ- وإنما  ارتكز  على  تحصين  تثبيت  الحرب  الباردة, ولمواجهة  قوة  السوفييت  النووية الحديثة, حيث  تزامن  ميلاد  (الناتو)  عام 1949 مع  اختراع  القنبلة  النووية  السوفيتية التي  أفشلت  التخطيط  الأمريكي  لضرب  الاتحاد  السوفييتي  بمجموعة  قنابل  نووية  على  غرار  اليابان  عام  1945  وقتها, بينما  أخذ  السوفييت  على  عاتقهم  حماية  العالم  من  حرب  عالمية  ثالثة  مدمرة  تعيد  البشرية  إلى  حضارات  ماقبل  التاريخ. ومع  هذا  وذاك  توجهت  تركيا  لروسيا  بوتين  لشراء  شبكة  صواريخ  بالستية  دفاعية (C400) بالتقسيط,  في  وقت  بلغت  فيه  قيمة  الصفقة  الكلية  حسب RT   (قناة  روسيا الفضائية بالعربية)  ووكالة  ترك  برس  أكثر  من  ملياري  دولار  أمريكي.  وسياحة  سنوية  روسية  ضخمة  تجاه  تركيا  بحجم  5  ملايين  سائح  روسي  قبل  جائحة  كورونا, وتخطيط  روسي  حكومي  برئاسة  رئيس  الوزراء  ميخائيل  ميشوستين  أعلن  عنه  الرئيس  بوتين  بتاريخ  13\ 11\ 2020  لإعلام  بلاده  لتوجيه  السياحة  الروسية  إلى  الداخل  الروسي, وهو  الأمر  الذي  يتطلب  تعاون  فندقي  دولي,  والأردن  من  أهم  دول  العالم  في  مجال  الفندقة   كما  هو  معروف.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.