صلاح الدين لن يعود لتحرير القدس / جمال ايوب
جمال ايوب ( الأردن ) الخميس 3/12/2015 م …
منذ ايام وانا احاول ايجاد وليد للجمل المتعسر المخاض في ما تبقى من القضية الفلسطينية. الشرخ الصارخ بين ما يجري بالشارع الفلسطيني الذي يقود ثورة فردية يجسدها شخص واحد “عشوائي” ، قرر بلحظة واحدة ان يأخذ زمام المرحلة ويقود مسيرة ثورة لم تعرف نفسها بعد. وبين السلطة الفلسطينية التي لا تزال بارحة على مقعد القيادة ولا تريد الاعتراف بعد أن المفتاح لم يعد بحوزتها.
أعترف بأني لم أعد أترقب ما يمكن أن يتمخض عن لقاء أو قمة . لم أعد أستطيع وبكل صدق أن أسمع أو أرى أي من المتحدثين الرسميين او المحللين المحليين في شأن الوضع الحالي. لقد وصلنا إلى مرحلة وكأن زلزال مدمر قصمنا إلى شعب وقيادة منقسمون أصلا ومتشرذمون بين اشطار وطن منقسم بين حزبين وقطع من أرض محاصرة ومتبعثرة.
إلا أن هناك جزء من تمني ،لا بد وأنه نتاج فسحة ما بداخلي من أمل ، أن يتغير الوضع إلى أفضل. لا أعرف إن كان ما يجري اليوم على أرض الواقع الفلسطيني هو الأفضل لنا أم لا . ولكن ..بلا أدنى شك ، أننا بدأنا بالوصول إلى مرحلة فهمنا جيدا أن الحل لن يأتي لنا من الخارج . وصلاح الدين لن يعود لتحرير القدس . والشعوب العربية المنغمسة بخريفها الدامي لا تلبث تلملم أوجاعها وأحزانها حتى تتفجر فيها مصائب من حيث لا تحتسب. والحكومات العربية اليوم في معظمها باتت تتسابق على دعم العدو الصهيوني والعدو يعامل المجتمع الدولي “كالفزاعة” تنقض عليه كلما اقترب من تأييد أو شجب أو تصريح أو أي حراك والآخر يهرب فزعا .
لقد مضى زمن خروج الشعوب العربية للتضامن والتظاهر من أجل الفلسطينيين . فالعربي الساكت اليوم نعمة في زمن صار الفلسطيني يلام فيها على عنفه ضد الإحتلال والعدو صار مدافع عن نفسه أمام الهمجية الفلسطينية. اليوم نحيا زمن تفتتح فيها سفارات صهيونية في دول عربية يغتال الفلسطيني على أرضها . وتدشن احتفالها بدم مئة شهيد فلسطيني شهد العالم إعدامه على الشاشات بدم بارد.
نحيا اليوم زمن التبادل العسكري مع العدو الصهيوني . ونحيا اليوم زمن احتضان العدو لجرحى النصرة وداعش، وشكر نتانياهو بعض حكام العرب العلني لدعمه له..
نحيا اليوم زمن دفاع الإعلام العربي عن العدو الصهيوني جهارة ومنع التظاهرات من أجل فلسطين ورسم قبة الصخرة في المدارس.
ولى زمن أناديكم ووين الملايين ….فكيف لا …ولقد صارت أغنية المقاومة الرسمية في تلفزيون فلسطين هي إزرع تفاح إزرع زيتون.
كيف لنا أن نتوقع يقظة عربية في وقت هناك سبات فلسطيني متمثلا بسلطة تعيش بواد والشعب بواد.
كيف لنا أن ننتظر مظاهرات العرب ونحن في مدننا تزعج البعض منا مواجهات الشباب على الحواجز ، والبعض منا تؤرقه عبثية السكين .
كيف لنا أن ننتظر الجيوش العربية لتأتي وتنصرنا وتحارب من أجلنا بينما ، وعندما تفتك آليتهم وجنودهم بالمستشفيات وتخطف المريض والسليم وتسحل الشباب وتنكل بالأطفال وتهدم البيوت ..وأمننا آمن بنفسه بعيدا عن المواطن .
كيف لي أن أنتظر حاكما عربيا ليخرج بتصريح أو تنديد ضد ما يجري من قتل يومي للأطفال والشباب على آعين البشر. فما من بيان خرج ليطلب حتى رحمة الشهداء في تسليم جثامينهم لذويهم الثكالى. والسيادة الفلسطينية تعيش وكأن ما يجري في وطن آخر.
لقد خرج نتانياهو ليتحدث مع شعبه في الأحداث الحالية أكثر ما تحدث في حملته الإنتخابية . ورئيس السلطة الوطنية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس حركة التحرير الفلسطينية خرج علينا منذ الأزمة بعدد صفاته السيادية.
وجاء كيري وذهب كيري ولم نفهم ولم نسمع كلمة واحدة مفهومة ، الا ما خرج من كيري نفسه في التأكيد على لومنا وحث السلطة على تصويب أمر الشعب الذي خرج عن الطوع .وتخرج أصوات متمتمة بأمور يبدو أنه يتم الترتيب لها في مصيبة جديدة تكون أوسلو فيها حلم فلسطيني بعيد المنال ومستحيل الرجوع إليه . ترتيب نترحم بعده على ما فقدناه من أوسلو ومخرجاتها .
هناك حديث هامس منذ مدة بتصريح “فلت” من الرئيس انه قريبا سيتم نقل المؤسسات الحكومية الى القدس. ثم يأتي رئيس الوزراء اليوناني ويتكلم عن القدس الشرقية العاصمة الفلسطينية ويصرخ عند العدو بالقدس التاريخية عاصمتها الأبدية. وتفلت عبارات من هنا وهناك عن بضيع (تصغير لكلمة بضع : الوضع يحتاج حتى استحداث للكلمات) نسبة مئوية من الأرض يريد نتانياهو التنازل للسلطة عنها ، ويعاود سحب هذه الإشاعات طبعا بعد يومين معلنا انه لن يتنازل حتى عن سنتيمتر واحد. ثم لا نفهم كيف ،يعلن العدو بعد لقاء كيري التاريخي العابر ، بأنها ستزود السلطة الفلسطينية بقطع أسلحة اكثر وتنسيق أمني متماسك بين الطرفين.
لا يحتاج التنسيق الأمني طبعا إلى اي تصريح ، فهو ثابت والكل شاهد عليه. للحق التنسيق الأمني هو أفضل إنجازات السلطة منذ ولادتها.
الهمس في التصريح بأسم القدس مؤخرا يبدو مريبا . هل هناك ترتيب لإعلان قدس عاصمة كما تم الإعلان عن فلسطين دولة في الأمم المتحدة؟
هل ستصبح القدس رمزا كما أصبح يوم التضامن من أجل القضية الفلسطينية يوم يتضامن فيه الفلسطينيون في رام الله من أجل القضية الفلسطينية؟
في ظل الصمت المريب من قبل سيادة السلطة الفلسطينية ، والذي قد يفهم منه كذلك هو صمت “قليل الحيلة” ، فالبنهاية ما الذي يمكن ان تخرج القيادة وتقوله لهذا الشعب؟ ينسحب البساط امامها ولا تزال في غيابات الفقاعة التي أقحمت نفسها واقحمتنا بها . وللحق لا أعرف أيهما أفضل: التصريحات المتخبطة ام هذا الصمت المتخبط. فحالنا تخبطه اخطرق جدران الصمت حتى .
وبينما يسيل الدم الفلسطيني وسط إعدامات علنية في ظلم جديد للإنسان الفلسطيني في غياب الضمير الإنساني . تنشغل السيادات الفلسطينية بأشطار الوطن بالداخل والخارج ، مصالحة بين أقطاب قيادة رام الله مرجوة ، وكأن الوطن رهين مصالحتهم. وتوزيع أراضي لمن قرر والي غزة إرجاءهم تحت راية أولي العزم.
ودعوات لعقد مجلس وطني هذا ينادي بانعقاده بالداخل وذاك ينادي له بالخارج….
وعندما تصدر القرارات ….تخرج من أجل تحديد الأعياد الدينية وتنسيق لأغنية وطنية والتأكيد على إجازة قطف الزيتون وإعلان الدولة “المستقلة”.
ولا يزال الاطراف جميعها…. تلك التي لم تكن لتقم لها قائمة لولا طفل الحجر بالأمس. لا تستوعب أن حامل سكين اليوم لم يعد يرضى بهم .
لا يزال أولئك الذين اكتفوا بقطعة أرض يبنى عليها قصر او عمارة او فيللا ، وحسابات بنوك واستثمارات ومكتب خلفيته صورة الأقصى يرفرف علم فلسطيني على جانبه ، يعتقدوا بأن الوطن تصريح وتأشيرة وامتيازات .
لا يزال اولئك يعتقدون أن خطابهم ، عندما يخرجوا به …يسمع او يصدق به أحد.
الشعب اليوم يعي جيدا بأن المخاض لن يتمخض حتى بفأر كما بذاك الجمل.
التعليقات مغلقة.