مشروع الاستيطان اليهودي في العريش وسيناء / د. امين محمود




د. امين محمود * ( الأردن ) – الجمعة 19/2/2021 م …
* وزير أردني أسبق …

احتلت سيناء اهمية خاصة في التراث اليهودي والفكر التوراتي لدى العديد من الطواىف اليهودية ، اذ تردد اسمها مقترنا باسم مدين مرارا في الكتب السماوية وخاصة التوراة والكتب الدينية اليهودية . فسيناء في التراث اليهودي هي ارض التيه التي تشتت فيها اليهود وتاهوا في ارضها بعد خروجهم من مصر قرابة الاربعين عاما . اما مدين فان المصادر اليهودية ( The Jewish Encyclopedia , Vol 5 , p. (519 تشير الى ان سيناء كانت تعتبر انذاك امتدادا جغرافيا وسكانيا لمدين ، وكانت تدين بالولاء للزعامة المدينية ، وتشير هذه المصادر من ناحية اخرى الى ان النبي موسى عليه السلام كان قد لجا الى مدين هربا من فرعون حيث استقر به المقام فيها مدة تجاوزت الاربعين عاما ، وتزوج هناك ابنة زعيمها زيبورا Zippora و انجب منها ابنين اثنين ، وتردد بعض المصادر اليهودية ان اله مدين يهوة هو نفسه الاله الذي خاطب موسى عليه السلام في جبل الطور بسيناء .

ويرتبط اسم العريش وشبه جزيرة سيناء في العديد من الد راسات الغربية ولا سيما الصهيونية منها بمصطلح فلسطين المصرية . وهذا المصطلح على ما يبدو يتضمن معان ودلالات خطيرة . ففي دراسته القيمة، (فلسطين المصرية : الحلم الصهيوني القديم ، ج٣ ) يوكد الباحث الدكتور محمد العفيفي ان هذا المصطلح الذي تتداوله الادبيات الصهيونية يهدف في حقيقته آلى * تمييع هوية سيناء المحلية * بحيث يتم تجاهل اسمها التاريخي الذي ورد في الكتب المقدسة والكتابات التاريخية وبالتالي تجريدها من انتمائها المصري وربطها بفلسطين الكبرى لكونها – في نظرهم – ارضا دون هوية ودون شعب تمهيدا لمطالبة الصهاينة بها وبامتداداتها الجغرافية التي تتضمن مدين كجزء من حلمهم الصهيوني الذي لا يزال ينمو ويتسع دون توقف مما يترتب عليه صعوبة تحديد المعالم النهائية لارض الميعاد التي ينشدونها .

بدات المحاولات الصهيونية في اواخر القرن التاسع عشر تتخذ منحى جديا في سعيها لاقامة مستوطنات يهودية في كل من العريش وشبه جزيرة سيناء لا سيما وان هذه المنطقة كانت محط انظار العديد من الجماعات اليهودية بحيث شكلت لديهم قناعة بقدسية مخزونها التراثي والتاريخي الذي كان يمثل بالنسبة لهم تراث وتاريخ ما يدعون انه يعود الى زمن اجدادهم القدماء ، وبالتالي فقًد اعًبروهاجزءا لا يتجزا من* ارض الميعاد * . وقد ازداد الاهتمام الصهيوني بهذه المنطقة في اعقاب المحاولة الاستيطانية التي قام بها بول فريدمان عام ١٨٩١ في مدين الواقعة على امتداد ساحل خليج العقبة الشرقي المقابل لساحل الخليج الغربي حيت تقع سيناء . وكان عدد سكانها انذاك لا يتجاوز العشرين الف نسمة ، وكانوا ينتمون في غالبيتهم الى قباىل عربية تعتمد في حياتها على الرعي وتربية الماشية ، وكانت فروعها تمتد لتشمل سيناء والنقب اضافة الى الاردن والحجاز ، ورغم تبعية هذه المنطقة اسميا للدولة العثمانية الا انها كانت اسوة بسيناء خاضعة للاشراف البريطاني وتتبع ايضا في ادارتها ادارة السويس .

ان ما يهمنا من العودة للحديث عن مشروع بول فريدمان في مدين هو ابراز الصلة الوثيقة بين هذا المشروع ومشروع هرتزل في سيناء من حيث الوساىل والاهداف . ؛ولعل واحدا من اهم اهدافه الاستيطانية التي كان فريدمان يسعى لتحقيقها هو ايجاد الوسيلة المناسبة للاستفادة من الممرات المائية لصالح مشروعه الماىي المقترح حتى ولو كان في ذلك تهديدا لمصالح مصر واضعافا لمكانتها الاستراتيجية . وكانت المشروع الذي طرحه فريدمان هو شق قناة جديدة بديلة عن قناة السويس تربط البحر الابيض المتوسط بالبحر الاحمر ، وتمتد من خليج العقبة حتى مدينة حيفا الفلسطينية . ووفقا لطروحات فريدمان فان هذه القناة ستكون بمثابة شريان الحياة لارض الميعاد ، وستحرم مصر من اكثر من نصف عاىدها من قناة السويس مما سيودي – على حد تعبير فريدمان – الى * ضرب قناة السويس والاقتصاد المصري في الصميم * . ولذا فانه ليس بمستغرب ان نجد هرتزل يدرج هذه الفكرة ضمن اولوياته فيما لو تمكن من تحقيق مشروعه الاستيطاني في سيناء .

هرتزل والمشروع
————————
يعتبر مشروع سيناء والعريش واحدا من اهم مشاريع هرتزل الاستيطانية ، وتعود بداية اهتماماته بها الى عام ١٨٩٨ ( خالد الحروب ،وطن قومي لليهود في العريش وسيناء ) حينما زار الاستانة والتقى بالقيصر الالماني وليم الثاني ، وعرض عليه طموحاته بالحصول على موافقة السلطان العثماني لانشاء مستوطنات يهودية في العريش وسيناء اذا تعذر الحصول على موافقته بانشاء مثل هذه المستوطنات في فلسطين . غير ان هرتزل سرعان ما ادرك ان القيصر قد خفت حماسه لتبني مطالب الحركة الصهيونية كي لا يغضب حليفه السلطان العثماني ، فلجا الى بريطانيا حيث بدات محاولاته للتواصل معها واقناعها بامكانية السماح بانشاء مستوطنات يهودية في احدى ممتلكاتها المترامية الاطراف . وفي الثاني والعشرين من اكتوبر عام 1902 تمكن رئيس تحرير مجلة الجويش كرونيكل The Jewish Chronicle ليوبولد غرينبرغ Leopoldo Greenberg من ترتيب مقابلة بين هرتزل وجوزيف تشمبرلين، وزير المستعمرات البريطاني الذي كان هرتزل يرى فيه الرجل الوحيد الذي كان باستطاعته مساعدته في توطين اليهود في احدى الممتلكات البريطانية Herzl , Diaries , Vol 4 , p. 1361 ) . ) وقد ابدى تشمبرلين موافقته المبدئية على السماح لليهود باقامة مستوطنات لهم في منطقة العريش وسيناء لتكون نواة لدولة يهودية تتمتع بالحكم الذاتي تحت الاشراف البريطاني . وكان للحجج التي ابداها هرتزل اكبر الاثر في اقناع تشمبرلين بفاىدة هذا المشروع الذي راى.فيه * اداة نافعة لتسهيل مد النفوذ البريطاني الى فلسطين عندما يحين الوقت المناسب لتقسيم الدولة العثمانية * ( Leonard Stein , The Balfour Declaration , p.25 ) )، كما اضاف هرتزل ان زرع كيان عميل لبريطانيا في قلب الوطن العربي يضمن عزل مصر عن مشرقها ويحول دون قيام اية محاولات وحدوية اخرى كتلك التي قام بها محمد علي في القرن التاسع عشر . وبالاضافة الى ذلك فان اقامة مثل هذا الكيان يضمن حماية الجانب الشرقي من قناة السويس من اي خطر يتهددها لا سيما ان النفوذ الالماني المناوىء لبريطانيا بدا يتزايد ويتغلغل في الدولة العثمانية .

وفي اعقاب مقابلته مع تشمبرلين ، قام هرتزل بتقديم مذكرة الى وزير الخارجية البريطاني اللورد لانسداون Lord Lansdown شارحا فيها خطته ومبديا مدى الفاىدة التي تعود على المصالح البريطانية من وراء * كسب ولاء عشرة ملايين يهودي * ، كما ورد في مذكرة هرتزل * ليعملوا في سبيل تعزيز عظمة وبريطانيا ونفوذها ، فاليهود منتشرون في شتى الدول ، فمنهم من يعمل في بيع الابر والخيطان في قرى الشرق الصغيرة ، ومنهم تجار كبار وصناعيون وسماسرة بورصات وعلماء وادباء وصحفيون وفنانون في بلاد الغرب ، هؤلاء جميعا سيكونون رهن اشارة بريطانيا ، يضحون من اجلها لكي تظل دولة عظمى على الصعيدين السياسي والاقتصادي * ( Herzl , Diaries , Vol 4 , p. 1363 ) ، وقد ابدى اللورد لانسداون تاييده لمشروع الاستيطان اليهودي في العريش وسيناء ، ووعد بالاتصال باللورد كرومر في القاهرة بخصوص تسهيل مهمة اي مبعوث ترسله ا* المنظمة الصهيونية * للقيام بدراسات استطلاعية حول هذا المشروع ( Ibid ) .
وفي مطلع نوفمبر عام ١٩٠٢ قررت المنظمة،الصهيونية ارسال الصحفي الصهيوني البريطاني ليوبولد غرينبرغ الى القاهرة بعد ان اوصاه هرتزل بالبقاء فيها حتى يتسنى له الحصول على براءة استيطان موقعة رسميا من الجانبين المعتمد البريطاني اللورد كرومر وممثل الحكومة المصرية . ولدى وصوله الى القاهرة قابل المبعوث الصهيوني المعتمد البريطاني اولا ثم من خلاله عددا من المسؤولين المصريين . وارسل في اعقاب ذلك تقريرا اوليا الى هرتزل كان في مجمله تقريرا مشجعا بالرغم من انه اشار فيه الى معارضة ممثل السلطان العثماني في مصر لاية محاولة استيطانية على غرار تلك التي حدثت سابقا في مدين ( Ibid ) . وقد كشف التقرير النقاب عن راي كرومر بامكانية تنفيذ المشروع شريطة قيام عدد من الخبراء المختصين بدراسة طبيعة المنطقة المقترحة لتوطين اليهود قبل البت بالامر نهائيا . وفي منتصف يناير عام ١٩٠٣ سارع هرتزل الى تاليف لجنة من الخبراء برئاسة المهندس ليوبولد كسلر Leopoldo Kessler الذي سبق وامضى فترة طويلة في جنوب افريقيا حيث اكتسب خبرة في احدث الطرق المتبعة في سياسة الاستيطان العنصري . وضمت اللجنة في عضويتها مجموعة من الخبراء في مختلف المجالات من متخصصين في المياه والزراعة والهندسة بفروعها المختلفة اضافة الى الخبرات الطبية في مجال الامراض السارية ( The Jewish Encyclopedia , Yol12 , p. 678 ) . وضمت اللجنة في عضويتها ايضا الكولونيل جولد سميد Goldsmid الذي انيطت به مهمة الاتصال باليهود المصريين والعمل على كسب دعمهم وتاييدهم للمشروع . وقد حدد هرتزل مهمة اللجنة بدراسة امكانية البدء في الاستيطان اليهودي في الجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء والبحث في الوساىل والامكانات التي تسمح بالاستيطان في الارياف والمدن الواقعة في المنطقة الساحلية على البحر المتوسط والمتاخمة لحدود فلسطين حيث سيتحين المستوطنون الفرصة المناسبة للوثوب عليها واحتلالها لاحقا ، وبالاضافة الى ذلك فقد حدد لهم ايضا مهمة البحث في افضل السبل لري الصحراء ودراسة امكانية ضخ مياه نهر النيل اليها عبر قناة السويس او من خلال انفاق تحتها وتقدير مدى تكلفة هذا المشروع . وقد اوصاهم هرتزل باللجوء الى الكتمان في عملهم وعدم نشر اي معلومة تتعلق بالمهام المنوطة بهم خوفا من اية ردود فعل مصرية او عثمانية من الممكن ان تعيق سير العملية ( Ibid ) . ومما يسترعي الانتباه في هذاالصدد ان هرتزل اصدر تعليماته لرئيس اللجنة بمحاولة تضليل المسؤولين البريطانيين بخصوص المساحة التي يريدون الاستيطان فيها ، لا سيما انه كان بنوي ارسال لجنة اخرى بشكل سري صوب ارض مدين ( الواقعة شمال غرب الجزيرة العربية ). وذلك للقيام بمزيد من الدراسات لاكتشاف طبيعة الارض هناك ، خاصة بعد اطلاعه على المذكرات التي وضعها بول فريدمان حول الاهمية التي تتمتع بها تلك المنطقة مما اثار اهتمام هرتزل للقيام بمسح تلك الارض ثانية ، للتاكد من صحة المعلومات والاكتشافات التي توصل اليها فريدمان واوردها في مذكراته بان هذه المنطقة غنية جدا بثرواتها المعدنية اضافة الى رغبته في اعادة دراسة مقترح فريدمان فيما يتعلق بشق القناة المانية التي ستربط البحرين الاحمر والمتوسط . هذا بالنسبة للجنة المنوي ارسالها لمدين ، اما بالنسبة للجنة المناط بها مهمة التوجه الى سيناء ، فقد غادرت اليها في مطلع فبراير عام ١٩٠٣ حيث امضت هناك فترة طويلة امتدت عدة اسابيع . وقد قدم كرومر كل التسهيلات الممكنة لاعضاء اللجنة لدراسة مدى امكانية نجاح هذا المشروع من الناحية الفنية . غير انه لدى تسرب الانباء حول المهمة المناطة بعمل هذه اللجنة ، بدات المصاعب تعترض المشروع بمجمله ، اذ جوبه بمعارضة من جانب الدولة العثمانية ، حيث اعتبرته تهديدا مباشرا لممتلكاتها في فلسطين والحجاز ،. كما ان الحركة الوطنية المصرية التي كانت اصلا تعارض الوجود البريطاني في مصر ، فما بالك بمحتل اجنبي اخر ؟! ولذا فانها لم تكن لترضى باي حال من الاحوال عن وجود محتل ثان يتخذ من العريش وسيناء منطلقا له ايا كان هذا المحتل او المستوطن ! .

ازاء هذه الانباء غير المشجعة بادر هرتزل فورا بالسفر الى مصر في اواخر مارس عام ١٩٠٣ واجتمع بكرومر مرتين لاستطلاع حقيقة ما يجري من ردود فعل حول المشروع . وكان واضحا ان ردود فعل كرومر كان يشوبها الحذر والتردد . فقد فوجىء هرتزل لدى سماعه من كرومر استحالة اعطاء المستوطنين اليهود ارضا متصلة بالشكل الذي تم الاتفاق عليه بادىء الامر ، واكتفى كرومر بالتعهد بان يمنح المستوطنين المنطقة الساحلية الضيقة المجاورة للعريش والتي يتوفر فيها مخزون متجدد من المياه الجوفية وهي بالمناسبة تقع في المنطقة التي اقيمت عليها مستعمرة كفار ياميت بعد حرب عام ١٩٦٧ . غير ان هرتزل لم يكن متحمسا لمثل هذا العرض الذي لا يتيح المجال للقيام باستيطان على نطاق واسع ، وعلى العموم فانه اثر الانتظار في رده النهائي على كرومر حتى يطلع على مسودة التقرير الذي توصلت اليه البعثة الصهيونية المرسلة لتقصي امكانية الاستيطان اليهودي في سيناء .
تقرير البعثة الصهيونية الى سيناء :
———————————————
يعتبر هذا التقرير في نظر العديد من المؤرخين والباحثين .غاية في الاهمية ، فهو لم يتوقف عند رصد الامكانات الطبيعية لسيناء وامكانية صلاحيتها للاستيطان اليهودي فقط ، وانما اسهب في وضع موشرات لمشاريع استثمارية لسيناء . ويبدو ان هذا التقرير سيصبح بعد ذلك – كما ذكر الدكتور محمد العفيفي في دراسته * فلسطين المصرية * – * نقطة البدء والاساس في النظرة الصهيونية والاسرائيلية لسيناء حتى الان ، وسنجد تشابها كبيرا بين سياسات هذا التقرير والسياسات التي اتبعتها اسرائيل اثناء احتلالها لسيناء بعد عام ٦٧ ، او حتى تصورات اسرائيل بعد ذلك عن مدى امكانية استفادتها من سيناء* . وفي اثناء وجوده في مصر اطلع هرتزل على مسودة التقرير الذي اعدته اللجنة لتقديمه للجهات الرسمية في كل من لندن والقاهرة . وكان التقرير مضللا الى حد كبير ويتسم بالخبث والدهاء ، فقد تعمد واضعوه التركيز على ان المنطقة تكاد تكون خالية من السكان نظرا لقلة الامطار وندرة المياه ، وهي بوضعها الحالي لا تصلح اطلاقا لسكنى مستوطنين من الدول الاوروبية ، ولا يخفى ان ذلك التركيز كان مرده سياسة هرتزل الرامية الى عدم اظهار الامكانات الحقيقية لارض سيناء حتى لاتثير مطامع بريطانيا فيها او الاعتراضات من جانب الحكومة المصرية ، وهكذا فقد لجا التقرير الى اظهار سيناء على انها مجرد ارض جرداء لا يقطنها شعب وخالية من اي اثر لوجود ثروات طبيعية فيها كالمعادن والبترول والفحم وغيرها ( العفيفي ، المصدر السابق ) . وعلى ما يبدو ، فانه بضغط من هرتزل وافقت اللجنة على. اضافة التكملة التالية حول طبيعة الارض : * … غير ان هذه الارض القاحلة لو توفرت فيها المياه الكافية ، فان بالامكان استصلاحها وتعميرها وبالتالي استيعاب عدد لا باس به من السكان * للاستقرار فيها ، وقد اخفت اللجنة ان الهدف من المشروع هو توطين مهاجرين يهود يتم جلبهم من روسيا واوروبا الشرقية ، وتحدثت فقط عن توطين مهاجرين من الدول الاوروبية .وقد استغل هرتزل هذه الاضافة التي ادخلها على التقرير لاقناع المسؤولين البريطانيين بامكانية جر جزء من مياه النيل لري المنطقة ، موضحا لهم انه لا يطلب من النيل اكثر من مياه الشتاء التي تتدفق عادة الى البحر ولا يستفاد منها . وبموجب التقرير فان تقديره لاحتياجات المشروع من المياه كانت حوالى ٦٠ الف متر مكعب من مياه النيل يوميا اي حوالى ٤ مليار و ٣٤٠ الف متر مكعب من المياه سنويا ، يتم نقلها خلال ثمانية انفاق قطر كل منها متران وذلك عبر قناة السويس وبكلفة – كما قدرها هرتزل – في حدود المليوني جنيه . كما اقترح الزعيم الصهيوني نقل كميات كبيرة من طمي الدلتا الى العريش وسيناء لتخصيب الارض هناك واقامة مشاريع زراعية واعدة .وقد ثبت لاحقا وفق تقرير مهندس الري الانجليزي وليام جاستن المقدم لكرومر ان جر المياه من النيل يحتاج الى نفقات باهظة اكثر بكثير من تقديرات هرتزل اضافة الى الاثار السلبية التي ستنعكس على منسوب المياه في نهر النيل مما يلحق اضرارا كبيرة في المحاصيل الزراعية وخاصة القطن محصول مصر الاستراتيجي نتيجة نقص المياه واشتداد ملوحة التربة في دلتا النيل التي هي بمثابة شريان الحياة لمصر , اضافة الى عدم استعداد البريطانيين لاغلاق قناة السويس فترة طويلة ليتسنى جر الجزء المطلوب من مياه النيل تحتها . كل هذا ادى الى مزيد من التردد والفتور لدى الجانب البريطاني حول امكانية تنفيذ هذا المشروع .

قام هرتزل اثناء وجوده في مصر بالاتصال ببعض زعماء الحركة الوطنية فيها بغية كسب دعمهم وتاييدهم لمشروعه الاستيطاني عن طريق كيل الوعود الزائفة لهم بالمساعدات المالية ، ولكنه فشل فشلا ذريعا في مسعاه الذي جلب عليه بالاضافة الى ذلك استياء كل من كرومر والمسؤولين المصريين، مما اضطره الى مغادرة مصر والعودة من حيث اتى خالي الوفاض ! ولعل التفسير الحقيقي للتحول المفاجىءفي المواقف الرسمية وخاصة البريطانية منها تجاه هذا المشروع كان يكمن في التخوف من قيام ثورة عارمة ضدهم في مصر ، فقد ثبت ان المشروع بحاجة الى كميات هائلة من مياه النيل التي هي بالنسبة للفلاح المصري الشريان الحيوي الذي يستمد منه حياته ، فكيف يمكن له ان يتخلى عن قطرة منها ؟! لقد حاول فرديناند دليسبس قبل نصف قرن الحصول على امتياز لتنمية واستصلاح المناطق المحيطة بالقناة عن طريق استغلال مياه نهر النيل لتحقيق هذا الغرض . ولكن الخديوي اسماعيل احس بخطورة الموقف على الصعيد الداخلي ، فلم يستطع اجابة دلسبس الى طلبه . وقد وعى البريطانيون هذه السابقة واثروا التخلي عن المشروع قبل فوات الاوان .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.